انصبت الجهود يوم أمس على تظهير الأكثرية في لبنان، لا سيما تيار «المستقبل» وحلفائه من المستقلين، موقفها السياسي من انتخاب الرئيس نبيه بري رئيساً للبرلمان اليوم، في ظل اعتراضات كثيرة نشأت في صفوفها على تأييده للمنصب نتيجة مواقفه خلال الأعوام السابقة. وأطلقت عودة زعيم تيار «المستقبل» النائب سعد الحريري فجر أمس من الخارج حركة لقاءات واجتماعات لدرس الموقف من دعم بري، في ظل اتجاه كتلتين من النواب المسيحيين في قوى 14 آذار وعدد آخر من النواب المسيحيين وغير المسيحيين الى الاقتراع بورقة بيضاء في جلسة اليوم لانتخاب بري، المرشح الوحيد، انتهت بإعلان الحريري باسم كتلة «المستقبل» النيابية التي تضم 30 نائباً اقتراعها لبري. وهذا يعني أن التأييد لبري ينطلق من أكثر من 95 نائباً بين معارضة وموالاة. واستبق بري هذه المشاورات بين الحريري وقادة الأكثرية وتكتله النيابي لتذليل الاعتراضات من أمام تأييد رئيس البرلمان لولاية جديدة، بإعلانه موقفاً جديداً يفترض أن يقود الى تسهيل تشكيل الحكومة المقبلة، إذ قال إنه سيعمل على إنجاز الحكومة في أسرع وقت... خلال أسبوعين داعياً الى أن تذوب قوى 8 و14 آذار في وحدة وطنية، معتبراً «أن الذوبان يعني أننا لن نحكي بالثلثين أو الثلث أو النصف أو أكثر أو أقل في الحكومة». وشهدت الحركة السياسية أمس ولادة تكتل نيابي جديد مؤلف من كتل عدة ومستقلين، يضم 42 نائباً وهو الأكبر في البرلمان، ترأسه الحريري في أول نشاط سياسي له بعد عودته باسم «تكتل لبنان أولاً». ودام اجتماع التكتل أكثر من 3 ساعات وحضره رئيس الحكومة فؤاد السنيورة وتغيب عنه نائبان لأسباب اضطرارية، ناقش بالتفصيل الموقف من انتخاب بري. وقالت مصادر متعددة في التكتل ل «الحياة» إن الحريري ومن أيده من النواب الذين دعوا الى عدم تأييد بري وترك اللعبة الديموقراطية تأخذ مداها، واجه معارضة لتوجهه بتأييد بري، حتى من نواب في تيار «المستقبل» ما أطال الاجتماع. ووفق مصادر متطابقة في التكتل، فإن الكثير من النواب فيه ذكروا بالمرحلة السابقة من ترؤس بري للبرلمان «خصوصاً إقفاله المجلس النيابي إبان الأزمة السياسية ورفضه فتح أبوابه حتى من أجل تأبين نواب استشهدوا بالاغتيال، وتفرده في التعاطي مع أعمال المجلس وتجاهله لصلاحيات هيئة مكتب المجلس واستنسابيته في عرض مشاريع القوانين المحالة عليه وتجميده لنحو 72 مشروع قانون مرتبطة بالإصلاحات الاقتصادية والإدارية وبالقروض الإنمائية المقدمة للبنان بتسهيلات من جهات دولية عدة فضلاً عن مقاطعته رئيس الحكومة، السنيورة ورفضه لقاءه». ودعا عدد غير قليل من النواب هؤلاء الى التصويت بورقة بيضاء لبري كموقف من طريقة إدارته أعمال المجلس النيابي واللجان النيابية المختصة ببحث مشاريع واقتراحات القوانين، لعل هذا الموقف يدفعه الى تعديل تعاطيه مع أعمال الهيئة العامة واللجان. وأفاد عدد من النواب الذين حضروا الاجتماع في المقابل، أن الحريري ونواباً آخرين عرضوا حججهم بوجوب تأييد بري للرئاسة، مع تسليمهم بصحة الانتقادات التي وجّهت الى ممارساته، بالإشارة الى أن البلاد أمام مرحلة جديدة قياساً الى الأزمة التي أنتجت تصرفات بري بين العامين 2006 و2008 ورفضه فتح أبواب المجلس. وركزت حجج مؤيدي التصويت لبري على النواحي السياسية الراهنة وملخصها أن الطائفة الشيعية بأكثريتها ترشحه ولا يجوز تجاهل ذلك لأنه يعني تجاهل تأييد أكثرية الطائفة له وهذا غير مفيد في ظل أجواء الدعوة الى التلاقي التي كان الحريري أول المبادرين في الدعوة إليها، فضلاً عن أنه من غير المنطقي إدارة الظهر له، لأنه سينتخب في كل الأحوال بأصوات المعارضة (57) وكتلة النائب وليد جنبلاط (12 نائباً) الذي كان أعلن دعمه وأعطى الحرية للمستقلين في الكتلة ان يصوتوا وفق ما يرون. وذكر نواب في تكتل «لبنان أولاً» أن مؤيدي التصويت لبري رأوا أن هذا التوجه يفضي الى دفع بري الى التعاون مع الحكومة الجديدة إذا ترأسها الحريري، وأن الأكثرية وقوى 14 آذار قادرة في البرلمان على دفع الأمور في اتجاه الأخذ بملاحظاتها على أدائها. وإذ أكد الحريري في الاجتماع قراره انتخاب بري داعياً النواب في كتلة «المستقبل» الى الالتزام بهذا الخيار، انتهى الاجتماع الى اتفاق على أن يعرض الحريري باسم التكتل على بري، ملاحظات تحت 3 عناوين منها ضمان عدم تصرفه كما حصل سابقاً في إقفال البرلمان، العمل على تعديل النظام الداخلي للمجلس من أجل إعطاء دور أكبر لهيئة مكتب المجلس في الإشراف على اجتماعات اللجان النيابية وبحث الموازنة، وأن يتم تسريع عرض مشاريع القوانين المجمدة في أدراج دوائر المجلس (72 مشروعاً) على الهيئة العامة. واجتمع التكتل في التاسعة مساء برئاسة الحريري وقرر ترشيح النائب فريد مكاري الى منصب نائب رئيس المجلس. وعصراً اجتمع الحريري وبري في مقر الأخير زهاء ساعة، وقالت مصادر مطلعة أن النتيجة كانت إيجابية من دون ذكر أي تفاصيل أخرى. وقال الحريري بعد الاجتماع إن المرحلة المقبلة «يجب أن تكون مرحلة انفتاح على الجميع لأن هناك حواراً بالعمق يجري بين الأطراف جميعاً للوصول الى حلول». ورفض أن تجري الاستحقاقات المقبلة تحت الشروط، ومفضلاً عدم الحديث عن الحكومة واستباق انتخابات رئاسة المجلس. وأضاف: «نحن في كتلة المستقبل نرى أن انتخاب الرئيس بري سيكون قرارنا الذي يثبت الوحدة الوطنية ويحافظ على السلم الأهلي والانفتاح وعلى أن نتصرف بمسؤولية لمصلحة الوطن وليس للمصالح الحزبية». وقال رداً على سؤال حول رفض كتل في الأكثرية تأييد بري: «حلفاؤنا في 14 آذار هم حلفاؤنا. ونحن في 14 آذار مجموعة من الكتل السياسية، نتفق على أمور ونختلف على أخرى. في الأمور الأساسية ستروننا دائماً متفقين»، داعياً الى أن «لا نحمل الموضوع أكثر ما يحمل. هناك أناس عندهم ملاحظات. لكن فلننقل الملاحظات لمصلحة البلد في شكل إيجابي وليس في شكل سلبي، يعني إذا اختلف أحد مع الآخر، نحن لا نريد أن نكبّر المشكلة بل أن نحل الأمور ونصغّر المشكلة. نحن لا نريد أن نقول إن هناك مشكلاً كبيراً في البلد، لا مشكل في البلد. نحن البلد العربي الوحيد، من البلاد القليلة التي فيها نمو اقتصادي مع أنه ليس عندنا بترول أو غاز. عندنا فقط اللبنانيون، من هذا المنطلق نحن نرى أنه يجب علينا أن نوسع الوفاق ونعمل لمصلحة البلد». وأكد بري بعد لقائه الحريري أنه يثمّن «مواقف النائب الحريري الإيجابية، ويشجّع على تسريع وتيرة الإجراءات الدستورية التي تلي انتخاب رئيس المجلس». وقال بري في دردشة مع الإعلاميين: «سأطلب من رئيس الجمهورية تسريع هذه الإجراءات، وما إذا كان هناك إمكانية لإجراء الاستشارات النيابية الملزمة لتشكيل الحكومة يوم السبت – وهذا أمر منوط طبعاً برئيس الجمهورية»، وتابع: «هناك إشارات واضحة من الشيخ سعد (الحريري) لتولّيه رئاسة الحكومة، واللقاء معه كان إيجابياً». ووسع الحريري مشاوراته قبل جلسة اليوم النيابية فاجتمع مع رئيس الجمهورية ميشال سليمان لنصف ساعة من دون أن يدلي بتصريح بعدها، ثم عاد فالتقى النائب جنبلاط الذي كان زار بدوره الرئيس السنيورة والتقاه زهاء ساعة، قبل أن يعود الحريري فيترأس تكتل «لبنان أولاً» مجدداً التاسعة ليلاً، لإبلاغ أعضائه نتائج هذه المشاورات، وحصيلة نقاشه مع بري حول مطالب التكتل منه. وكان الحريري أبلغ التكتل أن زيارتيه لكل من المملكة العربية السعودية ومصر لا علاقة لها بما أثير في الصحف عن أنها للبحث في ترؤسه الحكومة المقبلة، وأنها مقررة سابقاً، إذ ذهب لزيارة عائلته في المملكة حيث التقى بعض المسؤولين ثم زار القاهرة لتعزية الرئيس مبارك بوفاة حفيده، واغتنم المناسبة للقاء بعض المسؤولين والبحث في التطورات الإقليمية. ويفترض أن تشهد جلسة اليوم النيابية مداخلات من قبل عدد من النواب، الذين سيدلون بموقفهم من الوضع السياسي قبل أن ينتخب بري رئيساً، ليلقي كلمة مطوّلة يشدد فيها على أن مرحلة جديدة من التعاون والتلاقي يفترض أن تبدأ، وعلى ترسيخ الوفاق بين اللبنانيين. وتوقعت مصادر بري أن يفوق عدد الأصوات التي سينالها بري المئة من أصل 128 نائباً. وكان رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» (18 نائباً) العماد ميشال عون أعلن بعد اجتماع لتكتله تمسكه بالتمثيل النسبي للكتل البرلمانية في الحكومة. ونفى عون أن تكون المعارضة عطلت أعمال الحكومة (إبان الأزمة السياسية في البلاد). وإذ سيبدأ بعد اليوم النقاش التفصيلي حول شكل الحكومة المقبلة، ينتظر أن يحسم الحريري موقفه من ترؤسه لها بعد لقاء مع الأمين العام ل «حزب الله» السيد حسن نصر الله، لاستكشاف استعدادات المعارضة لتسهيل مهمته والتعاون معه. وقال عون في تعليقه على ما يقال عن إعطاء الرئيس سليمان حصة وازنة في الحكومة المقبلة إن هذه الحصة يجب أن تُلحظ في الدستور «لا أن تكون مناورة لتغيير تكوين الحكومة». وكان عون أبلغ عدداً ممن التقوه أخيراً من اللبنانيين والديبلوماسيين الأجانب أنه ضد إعطاء سليمان حصة ترجيح الموقف في الحكومة «لأنه غير حيادي ولم يتصرف كحكَم...».