مشهد جلسة الحوار اللبناني الثانية التي التأمت في ساحة النجمة أمس، برئاسة رئيس المجلس النيابي نبيه بري لم يختلف عن الحلقة الحوارية الأولى، باستثناء قرار رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» النيابي ميشال عون عدم الحضور شخصياً إلى طاولة الحوار وانتداب وزير الخارجية جبران باسيل لتمثيله. وأبلغ بري المتحاورين لدى الاستفسار عن أسباب غياب عون وعما إذا كان سيعكف على عدم حضور الجلسات المقبلة بأن عون «اتصل به صباحاً وقال له إن غيابه هو عن هذه الجلسة فقط على أن يكون حاضراً في المرات المقبلة». إلا أن أحد المشاركين في الحوار قال ل«الحياة»: «أعتقد أن العماد عون يحاول إبراز دور الوزير باسيل كرئيس ل «التيار الوطني الحر» وأن يكون حضوره مميزاً على طاولة الحوار». وتابع المجتمعون مناقشة جدول الأعمال انطلاقاً مما طرح في الجلسة الماضية أي بند رئاسة الجمهورية. وحصلت مقاربات سياسية ودستورية لكيفية حصول اختراق في هذا البند وغيره من المواضيع، ومحاولة البناء على القواسم المشتركة للمداخلات لتوسيعها في الجلسات المقبلة». وأكدوا «دعم الحكومة لتنفيذ القرارات المتخذة لمعالجة الملفات الحياتية الأساسية». وكان بري أكد في مستهل الجلسة «أهمية الحوار الملاذ الوحيد للخلاص من هذا التخبط الذي تشهده البلاد. خصوصاً في هذه الظروف الصعبة». وبدأت الجلسة بمقاربات ووضع اقتراحات وأفكار جديدة على أن تتبلور في الجلسة المقبلة التي حدد بري موعداً جديداً له الثلثاء المقبل. وطلب بري من المشاركين وفق مصادر المشاركين «تقديم مقترحات عملية وكيف يرون الرئيس ومن هو برأيهم الرئيس؟ لأن علينا الانتقال من النظرية إلى الدخول عملياً باختيار الرئيس وأهمية تنفيذ الانتخابات الرئاسية». وقالت مصادر المتحاورين إن الجلسة تخطت العموميات في الملف الرئاسي، إلى المبادئ وإن الآراء كانت قيمة، ومتقدمة يمكن البناء عليها، لكن الأمر يحتاج إلى كثير من الإنضاج. وأشارت إلى أنه لدى تقديم باسيل اقتراحاً بالذهاب إلى الاستفتاء حول الموضوع الرئاسي، جاء رد بري قاطعاً بأن «كل موضوع من هذا النوع غير قابل للبحث لأنه يحتاج إلى تعديل دستوري وأنه متقيد بجدول الأعمال». ونقل وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس عن بري رفضه «لأي طروحات من شأنها المساس بالدستور». وقال: «الجميع يسعى إلى حلول ضمن الآليات الدستورية». وكان باسيل قال خلال الجلسة: «إذا لم تعجبكم طروحاتنا، نكفيكم من حضورنا لنعفيكم من الإحراج». الأمر الذي كان موضع استهجان ورفض من بري. ولدى متابعة المتحاورين البحث في ملف الرئاسة، غادر رئيس «اللقاء الديموقراطي» النيابي وليد جنبلاط الجلسة بعد نحو ساعة من انطلاقها، لكنه أكد أن «الحوار مستمر والنقاش ممتاز واضطررت للمغادرة لظرف شخصي». وقال: «لا داعي لتأويل مغادرتي». وبعد أربع ساعات إلا ثلثاً، لفت نائب رئيس المجلس النيابي فريد مكاري لدى مغادرته إلى أن بند الرئاسة ليس سهلاً، مشيراً إلى أن «طروحات المشاركين تدل على استعدادهم لتقبل رأي الآخر والبحث فيه ووضع مواصفات الرئيس». وقال: «انتقلنا من الكلام في تحديد الشخص، وخرجنا من العناد بأن الرئيس لن يكون من هذه الجهة، أو تلك الجهة. وأعتقد أن الرسالة أصبحت واضحة في أن إمكان تعديل الدستور لانتخاب رئيس من الشعب غير وارد الآن». وتعليقاً على عدم حضور عون، قال مكاري: «أتوا ملائكته». أما وزير الاتصالات بطرس حرب فأعلن أن البحث في بند الرئاسة «بدأ وحصل تقارب بين المتحاورين وكل البنود قابلة للنقاش لكن موضوع الرئاسة الأساس». وأمل بأن يفتح الحوار مجالاً لإيجاد حلول واحترام الدستور والطائف والميثاق وبالتالي انتخاب رئيس». من جهته، قال النائب ميشال المر إن «الجلسة إيجابية ومستمرون في حوارنا». وكان طلال أرسلان أول المتكلمين في الجلسة بعد بري، وقال (بعد خلوة قصيرة مع جنبلاط): «نؤيد الحكومة في قراراتها، خصوصاً خريطة الطريق لمعالجة أزمة النفايات ولا بد من التعاون لتطبيقها». ودعا جنبلاط إلى التعاون لتطبيق الخطة وقال: «نحن أمام مأزق اسمه ملف النفايات ولم يعد من الجائز التأخير في توفير العلاج له، لأن هناك من يستغل الشارع لأغراض أخرى. ولا بد من إيجاد مطامر في عاليه والشوف والشحار والمتن الأعلى لطمر النفايات». وشكر سلام الذين أيدوا خريطة معالجة النفايات وقال: «دخلنا إلى جلسة مجلس الوزراء الأخيرة على أساس أن جميع الأطراف داعمون لهذه الخريطة لكننا فوجئنا بأن هناك من اعترض عليها من دون أن يقدم البديل». وتدخل باسيل وقال: «لم نعترض على الخطة إنما أبدينا ملاحظات عليها، ورد سلام: «أنتم اعترضتم على الخطة والمواقف التي صدرت عن الوزير الياس بوصعب كانت واضحة». وأوضح باسيل: «كانت لدينا ملاحظات ونساعد الحكومة في خطتها». لكن سلام رد عليه: «أنتم تحدثتم عن خطة بديلة ستطرحونها خلال أيام». الجميل وفرنجية وأكد سامي الجميل دعمه الحكومة من دون تحفظ، مستغرباً الاعتراض على خريطة الطريق لحل أزمة النفايات. وكرر قوله إن «هناك صعوبة في انتخاب رئيس من 14 آذار أو 8 آذار، وأدعو الجميع إلى أن نتخلى عن التنظير في هذا الموضوع ونتعاطى بواقعية، ونحن أمام خيارين ولا ثالث لهما، شرط أن نعمل من ضمن الدستور ومن دون أي تجاوز له. والخيار الأول أن ننزل جميعاً الى البرلمان والا نغادره إلا بعد انتخاب الرئيس، ومن يفز سنؤدي له التحية. أما الثاني فهو أن نتوافق على طاولة الحوار على مرشح توافقي ننتخبه». وقبل أن يكمل الجميل كلامه، قال عدد من المشاركين في الحوار: «يمكن أن يأتي رئيس من «8 آذار» بموافقة «14 آذار» أو العكس»، وأضاف سليمان فرنجية على ذلك قولَه «إن أي رئيس من 8 آذار يجب أن يوافق عليه مسيحيو 14 آذار، والعكس صحيح». وسأل الجميل: «ما المقصود برئيس قوي؟ وما يعني هذا الرئيس؟ وما هي مواصفاته؟ وهل كان الرئيس سليمان فرنجية قوياً عندما انتخب رئيساً للجمهورية أم أن الأقوياء آنذاك وقفوا الى جانبه من كميل شمعون الى ريمون اده وبيار الجميل، وبالتالي أصبح رئيساً قوياً؟ بالنسبة الينا حتى لو كان الرئيس تكنوقراطياً فهذا لا يعني أنه غير قوي وضعيف، إذا كان مدعوماً من القوى الرئيسة، ولذلك نحن مع رئيس توافقي». ورد فرنجية: «أتفق معك، وأؤيد التمسك بالطائف وأعارض التخلي عنه وإذا كانت هناك من حاجة لتعديله فلا مانع لدي إنما بموافقة الجميع، ولا مانع من أن يكون الرئيس توافقياً، لكن هذا لا يعني أن يكون وسطياً». وجدد دعمه «الحكومة ووقوفي الى جانب الرئيس سلام لإيجاد حل للنفايات، لكني أسأل إذا كان في الإمكان انتخاب موظف رئيساً من دون تعديل الدستور». وقال ميشال فرعون: «طالما ان هناك تأييداً لرئيس توافقي، علينا ان نوفر له الأجواء كي يتمكن من أن يعمل. وهذا يتم بالعمل على تحييد لبنان عن أزمات المنطقة... وربما علينا ان نفعل مثل سويسرا، أي انشاء ميليشيا شعبية تتدخل عند الحاجة، وموضوع التحييد تطرقنا اليه عام 2011، علينا أن نجدد التأكيد على هذا الأمر وننتخب رئيساً توافقياً». موظف الفئة الأولى ورد السنيورة مؤيداً موقف فرنجية الذي عاد وسأله إذا كان يوافق على تعديل الدستور فأجاب: «أنا ضد التعديل ولا بد من أن تكون الأولوية لانتخاب الرئيس لأنه المفتاح للالتفات الى مشاكلنا». واعتبر ان «المادة 74 من الدستور تنص على انتخاب الرئيس فوراً عند الشغور، ولا شيء آخر، وهذه المادة لا تعطي الحق لنواب بأن يقاطعوا جلسات الانتخاب، ولا يمكن موقفاً سياسياً من هذا النوع أن يناقض الدستور. نحن أمام حاجة ملحة لتطبيق الدستور لا لتعديله، واجتماعنا ليس للبحث في ذلك». واكد بري أن هيئة الحوار ليست لبحث تعديلات دستورية: «لدينا اتفاق الطائف الذي بات دستوراً والمطلوب تطبيق هذا الاتفاق لا أكثر». وسأل فرنجية السنيورة بوضوح أكثر: «أريد أن أعرف موقفكم من تعديل الدستور إذا كان انتخاب موظف فئة أولى ممدد له يحتاج الى تعديل دستوري أم لا؟»، ورد السنيورة وبري فأكدا أن انتخاب موظف فئة أولى للرئاسة يحتاج الى تعديل الدستور. وقال محمد رعد: «كتلة المستقبل أكبر كتلة نيابية ومن معه الكثير يستطيع أن يعطي الكثير وكنا اقترحنا على الكتلة أن تدخل في حوار مع أكبر كتلة مسيحية هي «تكتل التغيير والإصلاح» للتفاهم على معظم الملفات العالقة. وأتمنى على الرئيس السنيورة أن يبادر الى معاودة الحوار، ونحن مع انتخاب رئيس يطمئن المسيحيين». ورد السنيورة: «سمعنا كلامكم وتحاورنا مع العماد عون وكانت النتيجة ومن الآخر انه يريد الحوار لانتخابه رئيساً للجمهورية وهذا ما لم نوافق عليه». وقال باسيل: «عندما يكون البلد في مأزق يتم اللجوء عادة الى الشعب لاستفتائه لمعرفة ماذا يريد وكيف يمكن الخروج منه، ونحن على موقفنا بضرورة تعديل الدستور في اتجاه انتخاب الرئيس مباشرة من الشعب أو أن نسارع الى وضع قانون انتخاب تتم على أساسه الانتخابات ليتولى البرلمان الجديد انتخاب الرئيس». ولمح باسيل إلى تعليق حضور «تكتل التغيير» جلسات الحوار بقوله بطريقة أو بأخرى: «إذا كنتم لا تريدون التجاوب مع طروحاتنا بانتخاب الرئيس من الشعب، نفضل ألا نحرجكم ولا لزوم لحضورنا». ورد عليه بري: «هذا كلام تهديدي، وانتخاب رئيس مباشرة من الشعب هو تجاوز لصلاحيات البرلمان، كما أنكم تطلبون من البرلمان الذين تعتبرونه غير شرعي تعديل الدستور لهذه الغاية، أو وضع قانون انتخاب جديد يصار على أساسه إجراء الانتخابات النيابية على أن ينتخب الرئيس من البرلمان الجديد... كيف تطلبون كل هذا من مجلس قلتم عنه إنه غير شرعي وغير قانوني؟». وقال باسيل: «لا أقصد بكلامي تهديد أحد، وإنما طرحت هذا من أجل أن أريحكم، ولدينا موقف من أولوية انتخاب الرئيس بلا تعديل للدستور». وقال الرئيس نجيب ميقاتي: «لن يجدي نفعاً الخروج من الحوار بورقة حل لأي ملف أو استحقاق إذا لم تسلك طريقها الى التنفيذ، ونخشى على سلطة الدولة التي هي الركيزة الأساسية لوجودنا، وتراجعها يعني فقدان صدقيتها وازدياد الهوة وتعميقها بين السلطة والشعب. المعالجة الخاطئة التي شهدناها في ملف النفايات دليل على ما أقول ما جعل المواطن أمام ردة فعل مشروعة. علينا أخذ العبرة من الحراك الشعبي، ولا يراهنن أحد على أنه مجرد رد فعل، بل يجب الاستماع إليه ومحاورته لا غض الطرف أو اعتماد أسلوب تجاهل العارف». وكان السنيورة كرر في مداخلة طويلة أن حضور الحوار هدفه عدم تفويت فرصة لتعزيز التقارب بين اللبنانيين، بمعزل عن تعقيدات المنطقة وتجنباً للسقوط في لعبة الأمم الكبرى. وحذر من أن التطورات الإقليمية تزيد القلق من انزلاق الساحة الداخلية إلى فوضى سياسية، دستورية، اقتصادية واجتماعية، وربما أمنية، منبهاً إلى القلق من عدم التوافق على الأولويات، وشدد على رفض الانتقال إلى أي بند آخر قبل الاتفاق على انتخاب رئيس للبلاد وفق الدستور، مشيراً إلى عدم القبول بتحويل طاولة الحوار إلى بديل للمؤسسات الدستورية. وتحدث عن اتجاهين: الأول يجنح إلى معالجة من خارج الدستور معتبراً أن الطائف غير صالح بسبب اختلال في التوازن الداخلي والإقليمي، بحجة حقوق طائفة مسلوبة، والثاني يعتبر الطائف الحل الوحيد الموافق لطبيعة لبنان. ولفت السنيورة إلى احتمال دخول المنطقة في حرب باردة لا أفق واضحاً لها مع احتمال نشوب حروب حامية هنا وهناك، داعياً إلى إقدار لبنان على مواجهة أخطارها. وأشار إلى الأخطار الاقتصادية على لبنان جراء عدم انتخاب رئيس وعدم تنفيذ الإصلاحات. وأكد أن البرلمان الذي يستطيع أن يجتمع لإقرار قانون انتخاب يمكنه أن يجتمع لانتخاب رئيس، مشدداً على استحالة اختراع مؤسسات غير دستورية. ورفض عودة البعض إلى نغمة فحص دم لمنسوب الوطنية لدى شركائه في الوطن وهذا البعض يعطي لنفسه حق التدخل في سورية ويخرق السيادة والدستور. وتابع: «قال زملاء في الاجتماع الماضي إن كل ما نتفق عليه نلتزم به على قطع رؤوسنا، فإذاً نفذ ما اتفقنا عليه سابقاً». وقال إنه «لا يمكن انتخاب رئيس من 14 أو 8 آذار ولا بد من أن نجد المرشح التوافقي».