وضع "سقوط الحريات" في جورجيا عبر قمع السلطات تظاهرات للمعارضة وفرض حال الطوارئ في السابع من الشهر الجاري، الانتصار الاكثر اهمية لإدارة الرئيس الاميركي جورج بوش في السياسة الخارجية عبر دعمها عام 2003"الثورة الوردية"في هذا البلد بقيادة الرئيس الحالي ميخائيل ساكاشفيلي، في"دائرة الخطر". وسارعت واشنطن الى تدارك سلبيات انهيار نموذج جديد لنمط"ديموقراطيتها"في العالم، ونجح موفدها الى جورجيا ماثيو بريزا، في انتزاع تعهد برفع حال الطوارئ اليوم، لكن كل شيء يوحي بفشل الاستراتيجية الاميركية المعتمدة على بقاء حكومات معينة تتعهد اصلاحات بصرف النظر عن شعبيتها، وتتجاهل بالكامل انقلاب الرأي العام ضدها. وكانت واشنطن التزمت الصمت الكامل في ايلول سبتمبر الماضي، في قضية اعتقال تبليسي وزير الدفاع السابق ايراكلي اوكراواشفيلي بعد يومين من إعلانه تشكيل حزب معارض واتهامه الرئيس ساكاشفيلي بالفساد والتآمر في قتل شخصية معارضة اخرى. وافرج عن اوكراواشفيلي بعد اسبوعين من تراجعه بصورة غامضة عن الاتهامات التي وجهها الى الرئيس الجورجي، وغادر الى المانيا حيث تتضارب المعلومات عن خضوعه لعلاج طبي او وجوده فيها خشية اعتقاله في حال عودته الى جورجيا. وأمس، أمرت محكمة جورجية باعتقال اوكراواشفيلي. وعلقت واشنطن على حادثة اوكراواشفيلي، قبل احداث السابع من الشهر الجاري، بأن"فضائح من هذا النوع يمكن ان تحدث في ديموقراطية ناشئة. لكن الامور جيدة حالياً". وأيدت واشنطن اخيراً دعوة ساكاشفيلي الى اجراء انتخابات رئاسية مبكرة في كانون الثاني يناير المقبل، بدلاً من طلب المحتجين الدعوة الى انتخابات برلمانية مبكرة في ربيع السنة المقبلة عوضاً عن الخريف، على رغم ادراكها أن دعوة الرئيس الجورجي تهدف الى احتواء التحرك الشعبي وتعزيز صلاحياته، وهو ما اعترف به علناً في الكلمة التي وجهها الى الشعب عبر التلفزيزن الرسمي، الوحيد الذي يبث حالياً في البلاد، بقوله:"احتاج الى تفويض مطلق لمواجهة كل محاولات الاستيلاء على الاراضي الجورجية، وزعزعة الاستقرار الداخلي". وترى الادارة الاميركية ان ساكاشفيلي لم يرتكب أدنى هفوة منذ توليه السلطة. وقال بوش لدى زيارته تبليسي عام 2005 امام حشد ضم 150 الف جورجي:"افتخر بالوقوف الى جانب رئيس اظهر روحية في انشاد الحرية وتصميماً وحس قيادة". و ما يجعل الامور جيدة بالنسبة الى الاميركيين ان الحكومة الجورجية التي انبثقت من"الثورة الوردية"اتخذت خطوات كبيرة في محاربة الفساد. ووضع التصنيف الاخير للمنظمة العالمية لمكافحة الفساد جورجيا في المركز ال79 في ترتيب الدول الاكثر فساداً، بعدما كانت في المركز الثامن قبل ثلاث سنوات، كما صنف البنك الدولي جورجيا في طليعة الدول التي تطبق اصلاحات. لكن كلفة هذه الخطوات ارهقت الجورجيين من دون ان تفي بوعود تحسين الوضع الاقتصادي. ودفعت جورجيا"ضريبة"لكسب التأييد الاميركي، بإرسالها ربع عدد جنودها الى العراق حيث تشكل حالياً الدولة الثالثة الاكثر تمثيلاً عسكرياً هناك، فيما فشل الرئيس ساكاشفيلي في انتزاع تأييد واشنطن للانضمام الى الحلف الاطلسي ناتو والذي يعتبر الهدف الرئيس في السياسة الخارجية لحكومته، من اجل قطع الطرق امام أي اعتداء روسي ينتج خصوصاً من دعم موسكو منطقتين انفصاليتين في جورجيا، في وقت يزداد العداء الداخلي لروسيا. ورأت المعارضة تينيتان خيداشفيلي التي زارت واشنطن اخيراً، ان الولاياتالمتحدة توفر الغطاء الوحيد لضمان استمرار حكومة ساكاشفيلي"لمجرد ان بوش يعتبر ان جورجيا تشكل الانتصار الوحيد لسياسته الخارجية".