توقع الرئيس التنفيذي لبنك "أتش أس بي سي الشرق الأوسط" يوسف نصر، أن تسحب الأسواق الناشئة ومنها منطقة الشرق الأوسط، استثمارات تزيد قيمتها على 500 بليون دولار خلال سنة 2008 فقط من أسواقها التقليدية في أوروبا وأميركا، وقلل من مخاوف انتقال أزمة الائتمان إلى منطقتنا. وشدد على أن أزمة الرهن العقاري الأميركية"لن تدفع المؤسسات المالية العالمية إلى التهافت على سيولة المنطقة فقط، كما يتخوف البعض، لكنها ستؤدي أيضاً إلى تعزيز وجود هذه المؤسسات في المنطقة عبر تقديم القروض وضخ مزيد من الاستثمارات". وكشف نصر اللبناني الأصل والعربي الأول الذي يتولى المنصب الرفيع في تاريخ المؤسسة المالية الدولية، عن نتائج دراسة للمؤسسة لم تعلن بعد، تشير بوضوح إلى أن أسعار العقارات في منطقة الخليج"لا تزال دون مستوياتها الحقيقية بنسب تختلف من دولة إلى أخرى وتترواح بين 20 و40 في المئة، على رغم الشكوى البالغة من الارتفاع في أسعار العقارات وارتفاع تكلفة المعيشة في دول المنطقة". ورأى أن الحديث عن تراجع في السوق العقارية الإقليمية"غير صحيح"، متوقعاً حدوث توازن بين العرض والطلب في السنوات المقبلة. وفي حال حصوله"سيقتصر على بعض أنواع العقارات وليس في كل القطاع العقاري". واعترف بأن هذه النتائج ربما تكون"صادمة"، لكنها تستند إلى تحليل علمي شامل يأخذ في الاعتبار كل الأبعاد، ويقارن مع دول لها المقومات والظروف ذاتها تقريباً. وحذّر الخبير المالي العالمي من أخطار السيولة الفائضة في المنطقة المقدرة بنحو 3 تريليونات دولار، إذا توجهت إلى أسواق الأسهم المحلية، إذ"يمكن أن تتسبب في تكرار الطفرة الخيالية التي حدثت عام 2005 وتسببت في مشاكل كثيرة". وأشاد بتوجه الشركات الخليجية للانتقال بهذه السيولة إلى الأسواق العالمية من جهة، وإلى قطاعات إنتاجية أخرى في المنطقة. ويتزامن التحذير مع موجة صعود تمرّ فيها أسواق الأسهم الإقليمية، وتبلغ ذروتها في السوق الإماراتية هذا الأسبوع، أعادت إلى الأذهان ما حدث قبل عامين من ارتفاعات مبالغ فيها في أسعار الأسهم. كما نبّه من أخطار استمرار تراجع قيمة العملة الأميركية، ولو برأها من المسؤولية عن ارتفاع تكلفة المعيشة في المنطقة، معتبراً قرار المصارف المركزية الخليجية عدم فك الارتباط مع الدولار"صائباً"في هذه المرحلة، إذ"لا تزال الإيجابيات أكثر من السلبيات". شركة في السعودية وكشف نصر عن أن"إتش أس بي سي"في صدد إنشاء شركة للوساطة المالية في سوق الأسهم السعودية، واعتبر القرار"دليلاً على وصول السوق إلى مرحلة كبيرة من النضج، إذ تخضع لدراسة مستفيضة لسنوات طويلة أعدتها المؤسسة المالية العالمية، وتأخذ في الاعتبار مدى تطور التشريعات وتوافر معايير الشفافية والإفصاح وحماية المستثمرين الأجانب. وكان المصرف العالمي أطلق أخيراً شركة للوساطة في سوق الأسهم الإماراتية، هي الأولى لمصرف أجنبي في السوق، فيما شكل إشارة قوية إلى اقتراب الأسواق في المنطقة من مرحلة النضوج". ورأى نصر أن أسواق المال الخليجية"أكثر نضجاً"الآن لأسباب عدة، بينها تطور التشريعات، وإدراج مزيد من الأسهم ما يوفر خيارات للمستثمرين ويوسع قاعدة التداول وزيادة الإفصاح والشفافية والاتجاه الى الاستثمارات المؤسسية أكثر من اعتمادها على المضاربات. وعن أزمة الائتمان العالمية والمخاوف من انتقالها إلى المنطقة، أكد"صعوبة"حصول ذلك لاختلاف الظروف بين السوقين وعدم وجود الأسباب التي أدت إلى ظهور المشكلة في السوق الأميركية، بينها اختلاف نوعية القروض العقارية في منطقة الخليج تماماً عن تلك التي كانت متبعة في السوق الأميركية، إذ"لا يوجد في الخليج من يتقدم للحصول على قرض شراء منزل من دون أن يكون لديه دخل يكفي لشراء المنزل وسداد أقساط القرض". كما انسحبت شركات التمويل العقاري في السوق الأميركية من السوق"في ظل المنافسة القوية واشترت المصارف أصولها، وهذا الأمر غير موجود في منطقتنا". وقال:"حتى لو انتقلت المشكلة الى المنطقة على رغم اختلاف الظروف، فإن ذلك يحتاج الى سنوات ولن يكون بالحجم ذاته الذي حدث هناك". وعلى رغم الارتفاع الجنوني في أسعار العقارات في دول الخليج، كشف نصر عن دراسة للمصرف لم تعلن نتائجها بعد، تشير بوضوح إلى أن الأسعار في دول المنطقة"لا تزال أقل بنسب تتراوح بين 20 و40 في المئة مقارنة بالأسعار العالمية، إذا أخذنا في الاعتبار كل العناصر والأبعاد ومنها العرض والطلب، والسيولة والنمو السكاني والنمو الاقتصادي". وتتوقع الدراسة أن تشهد السوق الإماراتية"توازناً بين العرض والطلب في السنتين المقبلتين، وليس تراجعاً في الأسعار، في بعض أنواع العقارات فقط وليس في كل القطاع العقاري"، مع استبعادها تعرض السوق العقارية ل"هبوط شامل"، كما حدث مع الأسهم. ورجّح أن"تؤخر"أزمة المقاولات التي يشهدها بعض دول المنطقة حصول توازن بين العرض والطلب، ما قد يؤدي بدوره الى استمرار الارتفاع في أسعار العقارات. ولم يغفل نصر نمو قطاعات السياحة والسفر في المنطقة الذي"يشكل بدوره رافداً لا يمكن إغفاله للقطاع العقاري، إذ تشهد هذه القطاعات متوسطات نمو لا مثيل لها في العالم الآن، ويقدر حجم الاستثمارات المتوقعة فيها بما يزيد على 3 تريليونات دولار في السنوات المقبلة فقط، بينما يقدر حجم المشاريع قيد التنفيذ الآن بأكثر من تريليون دولار. وأشار إلى أن المنطقة"باتت مقصداً لشريحة عالمية مهمة يقدر عددها بمئات الملايين من البشر، وحجم إنفاقها بمئات بلايين الدولارات سنوياً، وهي شريحة المتقاعدين"بيبي بومرز"، حيث تأسست جمعيات لها في أميركا تضع لها خططها السياحية وتختار أفضل الأماكن في العالم لجهة الاستقرار الأمني وتوافر عناصر الترفيه ووسائل الانتقال الآمن والمريح، وهي كلها من مقومات المنطقة. وتضم اليابان العدد الأكبر في العالم من هذه الشريحة تليها أوروبا ثم الولاياتالمتحدة، التي تضم جمعية"إيه آر بي"أكثر من 50 مليون شخص. وتسعى دول كثيرة في العالم الى تشكيل جمعيات مماثلة تضطلع بدور مهم في رسم الخريطة السياحية العالمية. وتوقع الرئيس التنفيذي ل"بنك إتش أس بي سي الشرق الأوسط"أن"تمول المصارف مشاريع تنموية إقليمية تقدر بنحو تريليون دولار". وأشار الى أن السندات والصكوك والاكتتابات"ستظل الخيار الأفضل للاستثمارات الطويلة المدى". واعتبر أن توجه حكومات المنطقة إلى تخصيص القطاعات الاقتصادية المهمة ومنها الطاقة والاتصالات والمرافق،"سيفتح مجالات أكبر للاستثمارات ويدفع النمو الإقليمي قدماً من خلال استقطاب المزيد من الشركات الأجنبية الى المنطقة". وعلى رغم تأييده قرارات المصارف المركزية في المنطقة، خصوصاً السعودية والإمارات، عدم فك ارتباط عملاتها بالدولار الآن، أكد وجود"أخطار كبيرة بسبب استمرار تراجع قيمة العملة الأميركية، بعدما تحولت إلى عملة دولية". إذ رأى أن لربط عملات المنطقة بالدولار"إيجابياته وسلبياته"، إلا أن إيجابياته"لا تزال حتى الآن اكبر، خصوصاً ما يتعلق بتسهيل اقامة الوحدة النقدية الخليجية وإصدار العملة الموحدة، وسهولة التحكم بدقة في موازنات الدول في ظل أسعار النفط المقومة أساساً بالدولار". وأكد أن في إمكان المؤسسات النقدية في المنطقة"زيادة قيمة عملاتها المحلية من خلال زيادة الفوائد"، لكن ذلك سيؤدي الى"زيادة معدلات التضخم التي تعاني منها المنطقة أصلاً، وبالتالي ستنخفض القيمة الفعلية لدخل الأفراد". وتوقع تراجع معدلات الاستثمار وتقديم القروض في أميركا وأوروبا السنة المقبلة من جانب المؤسسات المصرفية الدولية التي ستتوجه الى المنطقة كمصدر للسيولة وللاستثمارات، في ظل النمو القوي الذي تشهده. وأشار الى تقارير للمؤسسات المالية الدولية تتحدث عن"تراجع معدلات النمو في الغرب الى نحو 2.5 في المئة في مقابل 6 في المئة تقريباً في المنطقة". وحذر من احتمال أن تكون للسيولة الفائضة"سلبيات كبيرة على اقتصاد المنطقة إذا توجهت مرة أخرى إلى أسواق الأسهم المحلية الصغيرة وغير القادرة على استيعابها". وطالب ب"تأمين أدوات مالية كثيرة في هذه الأسواق لامتصاص السيولة، وزيادة قوانين الرقابة، وإتاحة الفرصة للشركات العائلية للإدراج في الأسواق باعتبارها محركاً قوياً للاقتصاد الإقليمي". وأشاد بقرار حكومة دبي طرح شركة "موانئ دبي العالمية"في البورصة الدولية، فهو"قرار مهم سيؤمن مزيداً من النمو ويشجع الشركات العالمية على إدراج أسهمها في البورصة كما يستقطب المستثمرين من كل أنحاء العالم".