أزاحت الزيارة التي يبدأها العاهل الإسباني خوان كارلوس الإثنين إلى سبتة ومليلية اللتين تحتلهما اسبانيا شمال المغرب، الستار عن مناطق الظل في توتر صامت اعترى علاقات البلدين في الأيام الأخيرة. وانتقد مسؤولون حكوميون ونواب في البرلمان وتنظيمات حقوقية غير حكومية سياسات اسبانية شملت هدم مساكن لمهاجرين مغاربة في ضواحي مدريد وإعلان القاضي الاسباني بالتثار غارسون موافقته على التحقيق في اتهامات ضد مسؤولين مغاربة عسكريين ومدنيين في مزاعم تتعلق ب"تعذيب وإبادة جماعية وانتهاكات حقوق الإنسان"في الصحراء الغربية في سبعينات القرن الماضي، إضافة إلى"الطابع الاستفزازي"، في نظر المغاربة، لزيارة العاهل الإسباني المدينتين المحتلتين. ووصف وزير الخارجية المغربي الطيب الفاسي الفهري في اجتماع مع لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب أول من أمس، زيارة الملك خوان كارلوس بأنها"مرفوضة وغير ملائمة"، واعتبرها استفزازاً لمشاعر الشعب المغربي"تناقض الأسس التي تبنى عليها الصداقة المغربية - الاسبانية"، ولا تتماشى ومعاهدة الصداقة وحسن الجوار المبرمة بين البلدين في تسعينات القرن الماضي، كونها تنص على التزام الحوار في حل أي خلافات وترمي إلى ترسيخ السلم والأمن في حوض البحر المتوسط. إلا أن رئيس الديبلوماسية المغربية أوضح أن تلك الزيارة"لن تؤثر على مطالبة المغرب بالمدينتين مهما كانت الظروف والمحاولات الأحادية الجانب للتغاضي عن الحقائق الجغرافية والتاريخية والشرعية"، في إشارة إلى وجود المدينتين والجزر التابعة لهما على الساحل المتوسطي ضمن الامتداد الطبيعي للمغرب. وكشف الوزير الفاسي أنه أُبلغ فعلاً بقرار الزيارة من قبل وزير الخارجية الاسباني ميغيل موراتينوس الأربعاء الماضي خلال زيارته المغرب، إلا أنه أكد لنظيره الاسباني"استنكار المغرب لها"لأنها"تعارض المقاصد الحقيقية التي تطمح المملكة المغربية إلى ارسائها، وكذلك المصالح المشتركة بين البلدين". غير أن طريقة إخبار الرباط بالزيارة التي قال وزير الخارجية الاسباني إنها كانت"مبرمجة"، تشير إلى أنها لم تنتظر موقف الحكومة المغربية. ورأت مصادر ديبلوماسية أن أي زيارة بهذا المستوى لا يمكن أن تتم خارج القنوات الدستورية التي تضبط التحركات السياسية للعاهل الإسباني على ايقاع الموقف الحكومي. بيد أن الوزير الفاسي حرص على الإحاطة بأجواء التوتر في علاقات البلدين. وقال بهذا الصدد إن حكومة بلاده"ترفض أي استخدام سياسي للقضاء الاسباني"، مشيراً إلى الأنباء التي تسربت من مكتب قاضي التحقيق الاسباني غارسون عن فتحه تحقيقاً حول اتهامات وجهت إلى مسؤولين مغاربة بانتهاك حقوق الإنسان في المحافظات الصحراوية ضمن ما وصف ب"أعمال إبادة وتعذيب"خلال الفترة ما بين 1976 و1987. وعبر الفاسي عن دهشة حكومة بلاده ازاء تزامن الاتهامات وحدوث تطور ايجابي في ملف التسوية السلمية للنزاع و"التجاوب الذي تلقاه مبادرة اقتراح الحكم الذاتي"في مقابل"تصلب وجمود الانفصاليين جبهة"بوليساريو" ورغبتهم في تقويض عملية التفاوض". وأوضح أن مفاهيم مثل الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية يحددها القانون الدولي، و"لم يسبق لأي منظمة دولية أو مؤسسة حقوقية مغربية أو دولية أن استخدمتها في ما يتعلق بالمغرب". ورأى ان الهدف من وراء تحريك الملف بالتزامن مع زيارة قام بها ولي العهد الاسباني للمغرب، كان اعطاء العملية صدى اعلامياً مدوياً. وكشف أن ذيول القضية تعود الى أيلول سبتمبر 2006 عند مناقشة ملف الصحراء، وانها عاودت الظهور بالتزامن مع زيارة رئيس الوزراء الإسباني خوسي لويس ثاباتيرو للمغرب في آذار مارس 2007، موضحاً أن القائمة التي تسلمها القاضي الإسباني من ناشطين مؤيدين ل"بوليساريو"تتضمن أسماء أشخاص"لم يكونوا بلغوا 13 سنة في الفترة"التي يُزعم ان الانتهاكات حصلت فيها. وأشار الفاسي الى أن حكومة بلاده أبلغت الحكومة الاسبانية"خطورة الموقف الذي ينطوي عليه تسخير القضاء لأهداف سياسية"، مؤكداً أن السفير المغربي في مدريد عمر عزيمان أبلغ وزارة العدل الاسبانية هذا الموقف، وتحديداً"عدم تجاوب بلاده مع مثل هذه التحركات غير البريئة". وأشار الوزير المغربي الى أن اللافت في قائمة قاضي التحقيق الاسباني انها تتحدث عن 500 مختف، كما تسوّق لذلك جبهة"بوليساريو". وقال ان بلاده فتحت ملفات انتهاكات الماضي"بإرادة مغربية"، في اشارة الى خلاصات"هيئة الانصاف والمصالحة"التي أصبح عملها"نموذجاً يحتذى".