كانت جدتي تقول إذا ضحكنا: الله يكفينا عاقبة الضحك، فقد كانت من جيل يعتقد ان للإنسان حظاً متساوياً من الضحك والبكاء، أو الفرح والحزن. ربما كان هذا صحيحاً بالنسبة الى الأفراد، فأكثر الناس ثراء ليس بالضرورة أسعدهم، وإلا لكان بيل غيتس وبعض الأخوان في الخليج ماتوا من الفرحة. إلا أنه قطعاً ليس صحيحاً بالنسبة الى الدول والقضايا، فتعاستي بالأمة، وبالقضية، لم يعادلها أي فرح على امتداد عمري، وأعتقد بأن التعاسة ستزيد ما زاد العمر، ومن دون فرح مقابل. كانت هذه مقدمة لقصة أحكيها للقراء في نهاية الأسبوع العربي تبعدهم عن نكد السياسة من المحيط الى الخليج، وحتى ايران وأفغانستان وباكستان، وكل بلاد المسلمين والعربان. كنت بعد ظهر الأحد الماضي في لندن ألعب الورق الشدّة مع أصدقاء كعادتنا في مثل هذا الوقت كل أسبوع. واللعبة اسمها"كاتورز"، من الفرنسية، لأن كل لاعب يحمل 14 ورقة، إلا أن لها أسماء أخرى في بعض البلدان العربية، وربحت كما لم أربح في حياتي، واغتاظ الأصدقاء مني وأخذوا يهاجمونني، وقال أحدهم بلسان الحسد إنني سعيد في الشدة لأنني تعس في الحب. وقلت لهم إنني لا أريد أن أربح كثيراً، بل أخاف من الربح، لأنني أصدق قول جدتي، وأخشى أن أخسر في مجال أهم من الشدة. المهم من كل هذا أنني كنت قلت للأصدقاء في البداية إنني سأترك اللعب الساعة السادسة مساء، ولو في نصف اللعب، لأنني كنت وعدت الزميلة شدا عمر والزميل مروان المتني أن أشارك في برنامج"الحدث"على تلفزيون"إل بي سي"ذلك المساء. وهكذا كان وتركت اللعب في الساعة السادسة مساء بعدما كانت آخر ورقة سحبتها"جوكر"وخرجت ولعنات الأصدقاء تطاردني، وأنا أرد بأنهم تجار سلاح ومصّاصو دماء الشعوب. كان يفترض أن تستغرق رحلة السيارة الى الاستوديو عشر دقائق على أبعد تقدير، إلا أنني وجدت الشارع الموصل الى الاستوديو والسير فيه متوقف تماماً بسبب الزحام، وبعد عشر دقائق لم تسر السيارة فيها أكثر من مئتي متر، انعطفت يميناً، وأوقفت السيارة في شارع فرعي أعرفه، ومشيت الكيلومتر الأخير نحو الاستوديو، وقد بقي على بدء البرنامج 12 دقيقة. بدأت أسير ثم عجّلت السير، وأصبح سيري خبباً مع دنو وقت البرنامج، وأخذت أتصور أنني في ماراثون، وهناك شريط سأقطعه وأرفع ذراعي منتصراً أمام كاميرات التلفزيون. لم توجد كاميرات عند نقطة النهاية، أي الاستوديو، وإنما دخلت وأنا ألهث، وقد ركبني سعال عالجته بشاي ساخن حرق سقف حلقي. وجلست من دون مشط أو مرآة، وأنا أقول في نفسي:"معلهش، جيزة وتجوزنا وشكلي غير فنيّ أصلاً". البرنامج انتهى على سلامة كما انتهى برنامج مماثل قبل سنوات في دافوس شاركت فيه مع الصحافي الأميركي المشهور توم فريدمان، فقبل البدء دار خلاف بيني وبين توم، على رغم المعرفة الطويلة، وكدنا كلانا أن ننسحب من الاستوديو، فيما شدا تراقبنا بقلق. غير أننا جلسنا في النهاية، وانتهى البرنامج بسلام، وتصافيت وتوم بعد ذلك ولم نختلف مرة أخرى. لا أدري ماذا ستكون المشكلة في البرنامج المقبل، إلا أنني أعرف كيف أتجنبها، فسأخسر في لعب الورق الشدة عمداً، ولو كانت أوراقي كلها جواكر، فالخسارة أمام أربعة أصدقاء أهون من الخسارة أمام مليون مشاهد. وقصة أخيرة. لماذا زحام المرور يوم الأحد وهو يوم عطلة للانكليز؟ الاستوديو في مبنى يواجه مبنى دار"الحياة"، وهذه في جوار صالة العرض أولمبيا، وهي فخمة ضخمة تستضيف معارض، ومؤتمرات على امتداد السنة، بما في ذلك عرض للخيل برعاية الملكة اليزابيث قبيل عيد الميلاد. يوم الأحد الماضي كان اليوم الأخير من معرض سنوي عن الإثارة الجنسية اسمه"اروتيكا"لم أحضره مرة على رغم الفضول، فالمكتوب يقرأ من عنوانه، كما يقول المثل، وشعار هذا المعرض امرأة شبه عارية تحمل سوطاً. أعتقد بأن معرض الإثارة الجنسية هو أكثر المعارض شعبية على امتداد السنة كلها، والإقبال عليه يفوق كثيراً كل عرض آخر بما في ذلك خيل الملكة. وهكذا فقد دفعت ثمن"جنس"انكليزي لا ناقة لي فيه ولا جمل، أو فرس عربية، وأمطرت الدنيا وأنا عائد الى سيارتي وانتهيت بزكام، إلا أنه خفيف، وليس لي طلب سوى تجنب الربح عندما ألعب الشدة المرة المقبلة، لأنني أفضل الحظ الحسن في غير ذلك.