لا يقابَل التدخين بالرفض في المجتمع المغربي. ووجود مدخن واحد على الأقل في الأسرة المغربية أمر عادي جداً، حتى إن مدخنين كثيرين لا يتورعون عن إشعال السيجارة وسط أفراد أسرتهم. وربما كان هذا أحد الأسباب الرئيسة لارتفاع نسبة المدخنين بين الأطفال والمراهقين. وبينت دراسات قبل عقدين، أن بين 12 و14 في المئة من الأطفال في المرحلة الابتدائية يتعاطون التدخين. وأظهر آخر الدراسات أن أكثر من 24 في المئة من المراهقين بدأوا التدخين، قبل سن العاشرة. وكلما تقدموا في مراحل الدراسة، ارتفعت أعدادهم، حتى تصل إلى نسبة 60 في المئة، بنهاية المرحلة الثانوية. ويعلم مروجّو السجائر، بدورهم، على غرار الباحثين، أن الإيقاع باليافعين في شراك الدخان، على أبواب المدارس ونوادي اللعب، أمر يسير، بوجود راشدين مدخنين في محيطهم القريب. وكأن طامة واحدة لا تكفي، بوجود أفراد وسط الأسرة يدخنون، فهذا النشء الموجود في بيئة"متآلفة"مع آفة التدخين، يجد نفسه في المدرسة تحت إشراف مباشر لمدرسين مدخنين. ويظهر ارتفاع نسبة المدخنين في أوساط المدرّسين، بحسب دراسات ركزت على انتشار التدخين في القطاعات المهنية بين 33 و45 في المئة. إن المهن المتسمة بالضغط والتوتر والقلق، ترفع معدل المدخنين. ويقع المعلّمون في الوسط، بين العسكريين والعاملين في حقل الصحة. وتسجل أكثر من دراسة حول التدخين في المغرب، ولو تباينت أرقامها ونسبها، خطورة الوضع الصحي للمغاربة. ففي غضون عشر سنوات، تضاعفت الإصابات بسرطان الرئة والكلى والبلعوم والمثانة، أربع مرات. وهذه حصيلة المعهد الوطني لأمراض السرطان، ما بين 1985 و1996. ويستهلك المغاربة السجائر بشراهة. 414 بليون سيجارة يبلغ حجم السوق المغربية التي تضاعف عدد زبائنها في العقود الأخيرة، وهي سوق واعدة جداً، خصوصاً بعد تحرير قطاع التبغ في السنين الأخيرة، على رغم توقيع المغرب الاتفاق الإطار لمكافحة التدخين. وسواء كان 21 في المئة من المغاربة يتناولون السجائر، بحسب دراسة لمديرية الأوبئة ومحاربة الأمراض تعود لعام 1992، أم كانوا 18 في المئة، بحسب دراسة أخرى أنجزت العام الماضي، أم 33 في المئة، بحسب دراسة العام الحالي، فإن هذا لا يغير من حقيقة مفجعة. المغرب من أكثر البلدان استهلاكاً للسجائر على المستوى العالمي، ب" تبوّئه"المرتبة الخامسة في قائمة الأسواق الدولية للتبغ. ثلث المغاربة مدخنون، وهذه حصيلة أولية لآخر الأبحاث التي أعلنت نتائجها الجمعية المغربية لمساعدة المصابين بأمراض تنفسية مزمنة منتصف هذا العام. وسلوك التدخين في المجتمع المغربي يبدو راسخاً من خلال هذه الأرقام والنسب، بل أنه يكاد أن يكون سلوكاً عادياً ذا جذور تاريخية موغلة في القدم. لو عدنا إلى الوراء قليلا، إلى منتصف التسعينات، لوجدنا المغاربة يستهلكون 15 ألف طن من مادة التبغ، مقابل 9 آلاف طن، في مطلع السبعينات. وهم ابتلوا بهذه الآفة، قرونا قبل عصرنا هذا، في عهد أحد أعظم سلاطين المغرب في عهد الإمبراطورية السعدية في القرنين السادس والسابع عشر، حين دخل التبغ المغرب، على ظهور القوافل التجارية القادمة من الأراضي التي وصلها نفوذ السلطان المنصور الذهبي في غرب افريقيا، على رغم معارضة السلطان عارض هذه التجارة، وعلماء الدين حرموها. قد تساعد هذه العوامل التاريخية على فهم بعض جوانب انتشار التدخين في المجتمع المغربي، وغياب مكافحة حقيقية له، أو أقله، فشل محاولات الحد من توسيع قاعدته في أوساط الأطفال والشباب والنساء. منذ العام 1995 والقانون المغربي يمنع التدخين في الأماكن العامة، نظرياً، لأن الواقع يكذب ذلك، إذ إن في وسائل النقل والإدارات وغيرها، يدخن المدخنون سجائرهم بسلام واطمئنان، لدرجة أن من يثير هذا القانون في إدارة عامة أو مؤسسة تعليمية أو فضاء عام لا يؤخذ مأخذ الجد، وقد يتعرض للاضطهاد، وقلما يثار ذلك، على رغم انتشار التنبيهات المكتوبة في أماكن عمومية، بالعقاب بموجب القانون إياه.