يجتمع المراهقون في شارع "التربية" شرق العاصمة السعودية الرياض حيث يتوقع الغريب عن المكان وجود تظاهرة، أو حادثة استدعت وجود عدد كبير من الفضوليين الذي يمارسون هوايتهم المعتادة في التلذذ برؤية"المصائب"من دون تقديم أي دعم. غير أن الواقع يشير إلى وجود احتفالية من نوع خاص تأتي على شكل مناورات خطرة بالسيارات، أو كما تسمى في العرف المحلي"التفحيط". يصطف المتفرجون على جانبي الطريق الواسع. لتبدأ الاستعراضات، والتي تشترط لتنفيذ المناورات الخطرة، أن تجتمع السرعة العالية، مع المهارة في القيادة، وهو ثنائي خطر لا يحتمل أي خطأ، لأن أعمدة الإنارة الحديدية على طول الشارع لن تسمح لأي سيارة بالاقتراب من محيطها، وهو ما يعرفه السائقون جيداً. كما تشارك الأشجار الطويلة أعمدة الإنارة وجهة النظر نفسها. سائقو السيارات يعاملون كالأبطال، أو النجوم تحديداً. وهم يتصرفون على هذا الأساس. وهنا يردد الجمهور عبارة"هز الحديد يا ذيب"، لترتفع معها حرارة"المفحّط"الذي يندفع ليمارس مناوراته الجنونية، والتي تشبه استعراضات الطائرات الحربية، عندما تتشقلب في الهواء، أو تأتي بحركات معاكسة، وعندما ينتهي"المفحّط"من مغامرته المحسوبة غالباً، تأتي عبارات أخرى من الجمهور تردد"كفو يالسنايدي"، والتي تشير إلى إجادة تمثيل"الدور"، وعندما يتفاعل الجمهور مع جنون السائقين يردد عبارة"وحدة... وحدة"، أي مزيداً من الحركات المثيرة، وعندما تقترب قوات الأمن لمطاردة المتورطين تردد الجماهير"حكومة...حكومة"، وهنا يتفرق الجميع بلمح البصر. وفي هذا السياق فأي مغامرة"غير محسوبة"لا تأتي عواقبها حميدة، أو حتى قريبة من مستوى"الحميدة"، إذ تتراوح بين الكسور البليغة، أو الوفاة لا سمح الله. وفي الحال الأخيرة لا تنسى الجماهير تأبين السائق الذي خانه التقدير ليلقى حتفه، من خلال كتابة رقم لوحته على جدارن الشوارع، والترحم عليه بهذه الطريقة، إذ لا تعترف هذه الجماهير بإعلانات العزاء في الصحف، فكل ما تقوم به مخالف للنظام حتى في رثائها أبطالها. وهناك أسماء خاصة لكل شكل من أشكال المناورة، والتي تقترب كثيراً من الممارسات الاستعراضية للطائرات الحربية، والتي غالباً ما تكون في مناسبات وطنية كبرى، وتحمل نسبة عالية من الخطورة، ولا يقوم بها إلا محترفون. أما في عالم"التفحيط"، فهناك تحدٍ من نوع خاص من"المفحطين"للطيارين الذي يحترفون الاستعراضات. وتأتي حركات السلسلة، والاستفهام، والعقدة، والعكسية، عناوين لمناورات"المفحطين"، ولكن تبقى"حركة الموت"أكثرها إثارة وخطورة في الوقت نفسه، إذ تعتمد على سرعة عالية تصل إلى 190 كيلو متراً في الساعة، ويقوم السائق عندما يقرر هذه الحركة، برمي السيارة حتى تستمر بالسير على جانبها الأيمن، ولكن في اتجاه الشارع نفسه، ومن دون أن تنحرف، وهو الأمر الذي يتطلب دقة وسرعة عاليتين. ولا يجد"المفحطون"حرجاً في المكان الذي يمارسون فيه هوايتهم، إذ الوقت المطلوب لا يتعدى غالباً خمس عشرة دقيقة، والمواصفات المطلوبة متوافرة في كثير من الشوارع، ومن أبرزها شارع"الفروسية"، وشارع"البراميل"، والشارع"الأصفر"، غير أن المثير في ممارسات هؤلاء الشبان في شارع"التربية"مثلاً، أن فعلهم لا يتفق واسم الشارع، إذ أن مقاييسهم تعتمد على أن يتسع عرض الشارع لپ"التفحيط"، ويستوعب إمكانية تطبيق أفكارهم الجديدة، والتي يعتبرونها من جهتهم"إبداعاً"، وتعتبرها قوات الأمن فعلاً"جنائياً". وتأتي تسميات الشوارع التي يمارس"المفحطون"فيها هوايتهم مخالفة للتسمية الرسمية، بل ربما لا يعرفها أحد غيرهم، كما أنهم يسبغون على أبطالهم أسماء غريبة توازي غرابة تسميتهم للشوارع، إذ يُكنّون أحد أبطالهم ب"أبي شاكوش"، أو"أبو عوض"، أو"الكوبرا". وهنا تتحول هذه التسميات إلى"ماركة مسجلة"باسم صاحبها. عالم غريب يحتويه ميدان"التفحيط"وپ"المفحطين". إذ العنوان العريض الذي يسير عليه هو"الخروج عن المألوف"في كل التفاصيل، وربما يكون مثيراً لخيال منتجي الأفلام، لو تابعوا تفاصيلها. وفي هذا السياق وافق مجلس الوزراء السعودي أخيراً على مشروع قانون يفرض غرامات مالية كبيرة، وعقوبات محتملة بالسجن لمكافحة ظاهرة القيادة في شكل خطر من أجل المتعة، وبموجب هذا القانون سيعاقب المخالفون لأول مرة بمصادرة سياراتهم لمدة خمسة عشر يوماً، ودفع غرامة مالية قدرها ألف ريال 267 دولاراً، أما من يخالفون القواعد الجديدة ثلاث مرات فسيعاقبون بمصادرة سياراتهم، وربما دفع غرامة تعادل قيمة السيارة اذا كانت مستأجرة أو مسروقة، كما أن هذا القرار سيتيح للمحاكم اصدار أحكام بسجن المخالفين.