استوقفتني مقالة "محنة الشعر بين التردد والصمت والتهميش" للكاتب سيد محمود التي نشرتها جريدة "الحياة"في 8/11/2007 إذ أشار إلى المحنة التي يعيشها الشاعر حلمي سالم منذ أن نُشرت قصيدته "شرفة ليلى مراد"حتى صدور تقرير مجمع البحوث الإسلامية الذي يتهم القصيدة بالزندقة. ثم ذهب إلى أن النخبة المثقفة تعاني مأزقاً وهي على حد قوله:"تحولت إلى نخبة عاجزة ومحاصرة أرهقتها حروبها الصغيرة الأقرب في تجلياتها إلى الحروب الأهلية". وعلى رغم اتفاقي مع أمور كثيرة ذهب إليها الكاتب الصديق، إلا أنني أرى أن هناك أشياء تستوجب التوقف عندها والتعليق عليها لتوضيحها. في ظني- وبعض الظن إثم - أن لا يوجد مثقف حقيقي سيوافق على ملاحقة المبدعين وإطلاق حملات التكفير ضدهم، ولكن هناك بعض المثقفين يرفض - وهذا حقه - أن يصبح مجرد كومبارس يُستدرج ليقوم بأدوار صغيرة في ما يدخل في عداد التمثيليات الرديئة من وجهة نظره. كلنا بالضرورة متضامنون مع حرية الإبداع والمبدعين، وأعتقد بأن الشاعر حلمي سالم حاز تضامن الكثيرين من المثقفين العرب والمصريين الذين وقعوا بيانات إدانة ضد ما حصل معه، ودعموا موقفه في الصحف والجرائد بالكثير من المقالات والتحقيقات التي لا مجال لذكرها الآن. اللافت والغريب في الوقت نفسه أن حلمي سالم وهو الشخص المهادن بطبيعته منذ بداية الأزمة، كان الوحيد الذي لم يتضامن مع نفسه ولا مع قصيدته التي يكتبها. ومنذ أن صودرت مجلة"إبداع"بسبب قصيدة"شرفة ليلى مراد"ثم الإفراج عنها بعد حذف مقطع من القصيدة حتى صدور قرار مجمع البحوث الإسلامية الذي اتهم القصيدة بالزندقة، لم نعرف أن الشاعر أصدر بياناً أو حتى قال كلمة واحدة دان فيها جهة أو شخصاً. التزم وحده الصمت والحكمة تاركاً الآخرين يخوضون نيابة عنه معركته المقدسة ويدافعون عنه في محنته، بينما ظل هو بعيداً لئلا يخسر أحداً. وفي تصوري أن القضية لم تعد حلمي سالم وحده ولا غيره من المبدعين الذين يتعرضون وقتاً الى آخر لمحنة المصادرة والتكفير عبر الجهات المتزمتة، فما يحدث معه ومعهم هو حلقة صغيرة من حلقات أخرى أكبر وأكثر تعقّداً يتم فيها استدراج المثقفين والكُتّاب إلى حروب استهلاكية تصرفهم بعيداً من رؤية الأزمة الطاحنة التي تمر بها مصر. ولا يخفى على أحد أن حرباً ضارية تجرى الآن تستهدف حرية التعبير في أشكال متعددة، خصوصاً بعدما دخلت السلطة سباقاً محموماً مع بعض التيارات الدينية السلفية في إشاعة حال من الإرهاب الفكري والنفسي للمثقفين والكُتّاب وباتت تحرِّض علانية ضد كل من يختلف معها. وليس من المصادفة أن تفتح كل الجهات النار على حرية الكلمة في وقت واحد وتصبح هناك سيناريوات متزامنة وأحياناً متوالية يلاحظها أي مراقب ببساطة. فوجدنا مثلاً سيناريو الحجر على أثاث الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي الذي سارع القضاء الى إصدار حكم ضده لمصلحة الشيخ يوسف البدري لمجرد أنه أبدى رأياً لم يعجب الشيخ، في حين أن القضاء نفسه لم يحاكم حتى الآن صاحب عبّارة"الموت"التي راح ضحيتها أكثر من ألف مصري. يتطور السيناريو فنجده يشمل ثمانية من مثقفي مصر: جمال الغيطاني وجابر عصفور وعزت القمحاوي وآخرين غيرهم يجدون أنفسهم مطالبين بالمثول أمام القضاء بسبب دعاوى مماثلة أقامها الشيخ يوسف البدري ضدهم لأنهم أيدوا حرية أحمد عبدالمعطي حجازي في إبداء رأيه. ويتوجه بعضهم في النهاية ببلاغ إلى النائب العام ضد الشيخ متهمين إياه بالتحريض ضدهم. يتوازى مع هذا السيناريو سيناريو آخر أكثر عنفاً هو حبس الصحافيين الذي بدأ مع دعاوى مماثلة لدعاوى الحسبة ضدهم، رفعها بعض الأشخاص متهمينهم بإهانة رموز الحزب الوطني. هذا السيناريو أظنه لن ينتهي سريعاً على رغم الفتوى التي صدرت أخيراً بجلد الصحافيين الذين يتهمون بترويج الإشاعات. * شاعرة مصرية