- 1 - سريرٌ أبيض في غرفة بيضاء عيناه ممعنتان في اللاشيء ودمعةٌ عالقة، كمن يحاولُ أن يؤجّلَ موعداً لعل معجزةً تحدث. واقفةٌ قربَه غشاوةٌ تتكون. رؤيةٌ من منام تتهيأ لتراودني من جديد. تُظْلِمُ الغرفة: وميضٌ يخترق السريرَ. يهوي به في حفرةٍ عميقة. غبارٌ يَلفحُ وجهي. صرخةٌ عالقة. أغمضُ عينيّ أبكي أتمتم أصلّي لعل معجزةً تحدث. - 2 - أنابيبٌ تخرقُه ها هو قنديلُ بحرٍ يطفو في مياه الساعات الأخيرة. ونحن في قاربٍ للنجاة، تلاشينا في حلكةِ نفوسِنا المغمومة. يمنحُنا ضوءاً لنتكهّنَ بأي شيء، نَعبثُ بالمطلق. يلسعُنا نتألم. - 3 - على كرسي قربَ سريره، كوّمتُ نفسي وانهمَكتُ في كبكبة أنفاسه القليلة. نسلتُ خيطاً من آلة تخطيطٍ، إنشَغَلَتْ عنّي في ترسيم حدود نبضاته المتداخلة في الخفق واللاخفق. وصَّلتُها بشجنٍ وبإحكام. وشرَعتُ أحيّكُ شالاً، يقيني برداً قارساً، ينتظرني في الفصول الأربعة. - 4 - جسدُه صفحةٌ بيضاء، كان. تحت ملاءة بيضاء في سرير أبيض في غرفة بيضاء. وجهه الساهي عن الدنيا، يعاتبُ ساعاته المتبقية على تَلطيخه ببقع دمٍ مخمّرٍ بحبنا بحب الحياة بحب الطبيعة بحب الكرة الأرضية والكواكب، إذ كَشَفتْ سرّه. - 5 ? انهالت أيدينا على جبينه ويدّيْه، ننتزعُ لمسةً مرتبكة. همسنا في أذنيه ما يُقال في تلك اللحظات. ما كان للأيدي أن تتماوج في تلك الطريقة. كأنه وليمة زفاف، تاركة نهماً يرتع. أحسبني أرى مناماً يُشْبعُ غاية. لا يشفي غليلاً. - 6 ? عقدنا سريره بسلسلة من دموعنا. جهِدنا في جرجرته خارج حزن أزلي. لكن الموت، كان ثقيلاً أكثر من اللازم. - 7 - في آخر عمره، كان كلما انحنى نحو أحدنا أو أي كائنٍ كان، شكّل معه بقامته المعكوفة كعصاه رسمة لقلبٍ أحمر. - 8 - لم يهبني قصصه الجميلة، مخافة أن أضعها في درجٍ ما بين ذكريات ما وأوراق ما وأبعث في نفسي الطمأنينة وأَدَع نسياناً ما يأتي عليها. أنظرُ الى صورته، أسمعُ وأتذكر. - 9 - من حولي نسوة جلسنَ الى طاولة العشاء السري. خرجن عن بكائهن بذكريات كثيرة عنه. أراني، أنتشلُ نفسي وأسأل: ترى هل هو منام آخر؟ - 10 - في خزانة أبي درجٌ يفتقدُ حياة. تركَهُ وحيداً ومضى الى سكونِهِ. هو الذي أدمَنَ على ملئه بأشياء صغيرة: أقلام مقص آلة ضغط بطاريات مصباح يد وجبة أسنان مفك براغي. أشياءٌ تأمّل أن تمدّه بكينونتها، مدركاً استحالة رغبة يضمُرها. - 11 - لخَّصَتهُ أمي في صورة في إطار. وضَعَتْها وسط كنبة الصالون. لكن نظراتِه وحسرةً، صوَّبها نحو مكانه المزركش بحكاياته الجميلة. أذكرُ كيف كان كلّ نهار أحد، يركُنُ جسمَه في مكانه المعتاد. يفتحُ نافذةً على سنين غابرة. يدلُقُ ذكريات. وكيف كانت أمي تركضُ، تجمعُها في سطل ترميها في البحر لحثِّها على المشاركة في الدورة الطبيعية للفصول. - 12 - مَنعتني أمي من البكاء فوق قبره. همست: "الدربُ طويل متناثر الحصى. احفظي ماءً لرصفه". اركعي قبّليه باركي له منزله الجديد. أودعيه أمنية لملاكِك الصغير، قبلة لأخيك واعتذاراً. ألم يأتِك أخوك في المنام؟ كيف نأيتِ عنه. تراقبينَه يَذرعُ الأروقة ذهاباً وغياباً دون معانقة، وتركت تأويلات كثيرة تهزج بالمكان؟ - 13 - سأل آدم ابن الرابعة، عن مصير جده بعد الممات. أشرتُ بإصبعي نحو السماء، أجبتُه: هو هناك يفترشُ غيمةً ما. نَظَر ملياً جاهداً في العثور عليه، إذ صدف أن لا غيمة في الفضاء. تنهد تنهدة بطول قامة والده. قال: سأرسلُ له بالوناً محملاً بالقبل. يلتقطه حين يمرّ من هنا، إنه يتنزّه.