عالم أفضل يحلم به شباب العالم أينما كانوا، وتقلقهم آهات أمهات يترحمن على ايام خلت. لذا اجتمع ممثلون عنهم قبل المؤتمر العام لهيئة الأممالمتحدة للتربية والثقافة والعلوم اليونيسكو وأسمعوا صوتهم للمؤتمر الذي يعقد كل سنتين في باريس. شبان البلدان الأكثر تقدماً، طالبوا بضمان مشاركة الشباب في رسم السياسات في بلدانهم، التعليمية منها والاقتصادية. ووفقاً للمثل القائل:"عندما ترى مصيبة غيرك تهون عليك مصائبك"، استمع هؤلاء لممثلي البلدان الأقل تقدّماً وهو الوصف الذي تقدمه اليونيسكو تفادياً لتعبير آخر قد لا يراعي حساسية هذه الدول. وخلص البيان الختامي لمؤتمر الشباب الخامس هذا، إلى ضرورة توفير التعليم المجاني لكل المراحل، والمساواة بين الجنسين، وإدخال مادة التربية الجنسية على المناهج تفادياً لأمراض قاتلة. وبما أن عيون الشباب المستشرفة للمستقبل، تُقلق فكرَهم بما تتخيله من مصاعب قد تواجههم خصوصاً في سوق العمل، أرسل الشباب المجتمعون، وعددهم 174 يمثلون 116 دولة ومنظمة دولية، مندوباً عنهم ليسمع صوتهم في مؤتمر اليونيسكو وفي اجتماع الطاولة المستديرة الذي عقده 80 وزير تربية تحت عنوان: التعليم والتنمية المستدامة. وإذا كان صوت الشباب قد وصل عالياً إلى المؤتمر عبر ممثلهم فإن الوزراء ومندوبيهم أيضاً تحدثوا عازفين على وتر حاجات الشباب وضرورة تأمين مستقبلهم عبر التعليم، لكن كلاً من المتحدثين غنى على ليلاه! أفريقيا جنوب الصحراء مثلاً لفتت إلى مشكلة عدم توافر المياه النظيفة لديها وأكدت أنها تبذل ما في وسعها لتزرع في طلابها"شباب المستقبل"ضرورة الحفاظ على المياه والبيئة، مشتكيةً من أن المساعدات التي وصلتها غير كافية لتطبيق برامجها التعليمية ومطالبة بالمزيد. أما لبنان فاستعرض، وبالفرنسية، نسبة الالتحاق العالية بالمدارس لافتاً إلى ضرورة محاربة الطائفية، من خلال إدراج قيم المواطنة في مناهج التعليم, شاكراً المساعدات التي يقدمها المجتمع الدولي. فنزويلا الدولة المعروفة بضخامة إنتاجها النفطي تحدثت عن ثورتها التي طاولت التعليم ورفعت شعار"التعليم من أجل الإبداع"، متحدية"سلطوية الدول العظمى". ودعا الوفد الفنزويلي الى أن تتضمن المناهج في كل العالم احترام حقوق الإنسان والمساواة بين الدول. وفي المناسبة فإن هذا الخطاب الذي يشبه في نبرته الخطابات الثورية شحن الجو في قاعة الصحافيين، خصوصاً أن الوفد الإعلامي المرافق تلقف الخطاب بحماسة وبقي طوال الوقت يلتقط صور الوزير الممثل. دول أخرى، ككندا وألمانيا وفرنسا، استعرضت انجازاتها وازدياد عدد"المدارس الخضر"التي تراعي المعايير البيئية، فيما أعربت النمسا عن ارتباكها إزاء صوغ المناهج المرنة التي تحث على التعليم المستمر مدى الحياة. ومصدر الارتباك بحسب وزير التربية النمسوي ينبع من أن المناهج التي ستصاغ اليوم يجب أن تفيد شباب المستقبل في تجربتهم في سوق العمل، وهي السوق التي يصعب علينا تخيل شكلها بعد خمسين عاماً،"فالتقدم التقني سريع لدرجة أننا لم نعد نعرف ماذا نعلم أبناءنا... وكيف نرسم مناهجنا"قال الوزير. ومن هذه الدول المتقدمة من أراد أن يدخل قيماً جديدة على النظم التعليمية، تتمثل خصوصاً بقيم الاعتدال وأراد ان يقود حملة للتوعية من مخاطر البدانة والتشديد في المناهج التربوية على أن المال ليس هو سر السعادة. شعارات عدة أطلقت في هذه الطاولة المستديرة تطالب بربط المناهج التعليمية بمتطلبات التنمية وخصوصاً المستدامة منها، أي التي تراعي صحة كوكب الأرض البيئية والمناخية. شعارات طنّانة رنّانة، لكن القالب الذي قدمت به بيّن بوضوح الشرخ الكبير بين الدول. فهل ينتظر الطفل الأفريقي مثلاً أن تعلمه المناهج التربوية كيف سيقتصد في استهلاك المياه وهو لا يحصل عليها أصلاً؟ وهل يكتفي بلد كالولايات المتحدة الأميركية مثلاً بالافتخار بعدد المدارس التي تحرص على تنمية قيم الحفاظ على البيئة فيما تقوم مصانعه ببث غازاتها السامة عالياً وترفض إدارته السياسية توقيع اتفاقية كيوتو! وإذا كان هذا هو شكل النقاش العالمي حول مستقبلنا ومستقبل أبنائنا، وإذا كانت أحلام الدول الفقيرة التي تطمح الى تحقيقها عبر اليونيسكو لن يرصد لها إلا نحو ثلاثمئة مليون دولار سنوياً، فما جدوى الحديث عن تنمية مستدامة؟ ولعل مداخلة وزير التربية الهندي أبعدت بعض التشاؤم فهو أشار إلى المراجعة المستمرة في بلاده للمناهج التعليمية وإدخال مواد تقنية تساعد الطالب على الاندماج السريع مستقبلاً في سوق العمل، وبحسب الوزير فإن الهند تشكل أكبر نظام تعليمي للعالم مع 125 مليون طالب وهي تشجع باستمرار الإبداع وتكافئ من يجد طرقاً مبتكرة للاستفادة من تجمعات المياه الكبيرة فيها وموارد المياه العذبة التي ستنضب، لافتاً الى الدور الموازي للمدرسة الذي يلعبه رجال الدين في الهند خصوصاً في التوعية البيئية. وختم الوزير الهندي بجملة للمهاتما غاندي يقول فيها:"في العالم ما يكفي لحاجاتنا وما لا يكفي لأطماعنا".