تسعى واشنطن من خلال رزمة العقوبات الاقتصادية الجديدة التي فرضتها على ايران، والتي تستهدف أعمدة النظام العسكرية والمصرفية، إلى اطلاق تحالف جديد مع الأوروبيين لتضييق الخناق الاقتصادي على طهران، في ظل صعوبة حصد الإجماع المطلوب وراء خطوة مماثلة في مجلس الأمن، ومعارضة روسياوالصين. وأكد مسؤولون سابقون ومستشارون للإدارة الأميركية ل"الحياة"، أن واشنطن ستحاول إقناع أطراف دولية، خصوصاً ألمانيا وإيطاليا واليابان، بخفض تعاملاتها الاقتصادية مع طهران، تمهيداً لحشر النظام وإجباره على إعادة التفكير في طموحاته النووية. وأعلن وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس أن الولاياتالمتحدة تعمل على تخطيط عسكري يستهدف ايران، لكنه تخطيط روتيني. وأضاف لدى مغادرته هولندا حيث شارك في اجتماع وزاري لحلف الأطلسي، أن"هدفنا جميعاً هو استخدام الضغط الديبلوماسي والعقوبات الاقتصادية لإقناع الحكومة الإيرانية بأنها معزولة ويتعين عليها تعديل سياستها وطموحاتها". واعتبر الرئيس الأميركي السابق جيمي كارتر، بعد لقاء مع الأمين العام للأمم المتحدة بان كي- مون، تمحور حول مسائل الصحة الدولية:"اعتقد بأن اي هجوم عسكري على ايران سيكون خطأً رهيباً ومأساة". وأضاف:"ما يتعين علينا فعله، هو إجراء مفاوضات شاملة ومشاورات مع المسؤولين الإيرانيين، لطمأنتهم الى اننا لا ننوي مهاجمتهم عسكرياً". كذلك عبّر بان عن قلقه من التطور النووي الإيراني، مبدياً في حديث إلى صحيفة"لا ستامبا"الإيطالية عن استعداده للقاء الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد إذا دعت الحاجة. وقال"على الولاياتالمتحدة التشديد على ان لا وجود في ايران لمحاولة حيازة اسلحة نووية". بناء تحالف في غضون ذلك، يشير الخبير في الشؤون الإيرانية في مجلس السياسة الخارجية الأميركية، المقرب من البيت الأبيض، إيلان برمان، إلى أن إدارة الرئيس جورج بوش ستسعى إلى بناء تحالف جديد لتبني عقوبات اقتصادية مشددة على النظام في طهران. ويلفت برمان إلى أن خطوة أول من أمس التي قضت بإدراج الحرس الثوري وفيلق القدس ومصارف ايرانية ضمن لائحة الارهاب،"ستتبعها حملة ديبلوماسية لإقناع الأوروبيين بتبني هذا التوجه ومقاطعة هذه الهيئات"، بهدف إجبار طهران على تقديم تنازلات في الملف النووي. وفيما توقع الباحث الأميركي موافقة من بريطانيا وفرنسا لسياسة العقوبات، رأى أن مهمة إقناع ألمانيا وايطاليا تشكل"التحدي الأصعب"للإدارة، اذ يفوق حجم الصادرات الألمانية إلى طهران خمسة بلايين دولار. وتراجعت الصادرات بنسبة 20 في المئة في السنة الجارية، في ظل التشنج بين المجتمع الدولي وطهران، وعلى خلفية قراري مجلس الأمن 1737 و 1747 اللذين فرضا عقوبات اقتصادية على النظام. ويقول بيرمان إن صعوبة اقناع الصينوروسيا بتبني عقوبات محددة تستهدف أعمدة النظام من خلال مجلس الأمن، جعل واشنطن تتحرك أحادياً، على أن توظف هذه الخطوة في"استراتيجية أوسع"، تستقطب أطرافاً دوليين. ويقدر حجم التبادل التجاري بين الصينوإيران ب 14 بليون دولار. ويراهن مسؤولون أميركيون على نجاح سلاح العقوبات في ردع طموحات ايران النووية، ولتفادي اللجوء إلى خيار عسكري أميركي"صعب"ضد طهران. وتعمل الإدارة الأميركية على تكثيف العقوبات الأحادية على طهران، والتي يمكن أن تتضمن، بحسب الخبير الاستراتيجي من معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، باتريك كلوسون، الذي اجتمع بمسؤولين يعدون لها،"استهدافاً لحقلي الاستثمار والتجارة وليس فقط عقوبات مادية"، بهدف اجبار طهران على اظهار"ليونة أكبر في الملف النووي". واعتبر أن ليونة مماثلة ستكون"متأخرة نسبياً، بسبب نجاح أسعار النفط المرتفعة من تعويم الاقتصاد الإيراني، والحد من تأثير العقوبات في الوقت الراهن". والعام الماضي، تجاوزت أرباح ايران من صادرات النفط عتبة ال 58 بليون دولار، أي بزيادة 21 بليوناً عن الثلاث سنوات السابقة، لكنها تبقى صاحبة أكبر عجز في الموازنة بين دول مجموعة أوبك. ويعني أي انخفاض في أسعار النفط عن مستوى ال65 دولاراً للبرميل، مزيداً من المشكلات للاقتصاد الايراني. ويضيف الخبير الأميركي أن تاريخ إيران"يعطي انطباعاً بأن النظام على استعداد لتقديم تنازلات تحت الضغوط"كموافقة المرشد الأعلى السابق الخميني على انهاء الحرب مع العراق في 1988، وبالتالي" قد يقتنع بتأجيل برنامجه النووي لعقد أو عقدين، اذا أثبت له المجتمع الدولي خطورة طموحاته". ويعتبر كلوسون أن الشهور الستة المقبلة ستكون مهمة لتقويم أثر العقوبات في الاقتصاد الإيراني. وانتقدت بكين العقوبات الأميركية واعتبرت فرضها"خطوة متسرعة". وفي برلين، وصفت مصادر وزارة الخارجية الألمانية الاجتماع المفاجئ الذي عقده وزير الخارجية فرانك فالتر شتاينماير ليل أول من أمس مع كبير مفوضي البرنامج النووي الإيراني الجديد سعيد جليلي، وسلفه علي لاريجاني في هامبورغ، واستمر ساعتين ب"البناء والصريح". وذكر المراقبون أن الوصف هذا يعكس في العادة إشارة إلى أن الاجتماع الذي عقد بطلب من الجانب الإيراني، لم يتوصل إلى نتائج ملموسة. ورداً على العقوبات الأميركية، خففت الناطقة باسم الخارجية الألمانية يوليا غروس، من أهميتها، وقالت إن جزءاً منها سبق وأقره مجلس الأمن. وبعد أن لفتت إلى أن بيان الإدارة الأميركية"يشير إلى أن واشنطن تتمسك بالعمل للوصول إلى حل ديبلوماسي للملف النووي، نفت غروس أن يكون القرار الأميركي اعتبر الحرس الثوري منظمة إرهابية"بل وضعها في مرتبة المتنامية الخطر". وقالت مصادر حكومية في برلين إن شتاينماير، الذي يمثل الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن وألمانيا إزاء البرنامج النووي الإيراني، عرض أمام جليلي ولاريجاني موقف الستة، و"حض طهران على التعاون وتمنى على ممثليها العمل الوثيق مع الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي خافيير سولانا ومدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي للوصول إلى حل مقبول من المجتمع الدولي".