قبل فترة كتبنا من باريس كيف ان الرفوف المخصصة لبيع الأسطوانات السينمائية المدمجة، في أشهر محلات بيع الكتب والأسطوانات وما شابه، في العاصمة الفرنسية كما في العالم كله، صارت اقل من الرفوف التي تعرض عليها اسطوانات اخرى، كانت في الماضي بالكاد تجد من يشتريها: أسطوانات تضم مسلسلات وأفلاماً تلفزيونية. كان من الواضح يومها ان كل ما يتعلق بالتلفزة، يحتل مكان ما يتعلق بالسينما في شكل تدريجي ومتزايد. ولئن كان في إمكاننا اليوم ان نقول ان الظاهرة تتفاقم اكثر وأكثر، فإن ما يمكن قوله ايضاً هو ان التلفزيون صار، وبالوتيرة المتزايدة نفسها، الشبح الذي يخيم على كل حديث يكون في الأصل حديثاً على السينما. وربما ايضاً على أجواء كل تظاهرة مهرجانية أو غير مهرجانية تقام للفن السابع، لا سيما في المدن العربية... وما أكثر هذه التظاهرات في أيامنا هذه. الحال، أننا الى فترة قصيرة كنا نتساءل عن غياب الاهتمام بالتلفزيون ونتاجاته مهرجانياً، وهو العنصر الطاغي على الحياة اليومية للناس، مقارنة مع اهتمام بالسينما يزداد ويتضخم، بقدر ما يتضاءل عدد رواد صالات السينما، وتتضاءل قيمة العدد الأكبر من الأفلام السينمائية المحققة. غير ان ما نشهد اليوم، إنما هو ذلك"الحضور التلفزيوني"في كل مهرجان سينمائي. حتى وإن كان من الصعب القول ان الحضور ايجابي. ذلك ان أي حديث، وسط الأجواء السينمائية، عن التلفزيون، سرعان ما يتحول الى نقد وهجوم واستصغار من شأنه. ومع هذا، لم تعد الأمور على مثل هذا النحو دائماً. إذ هنا، وبإيقاع تدريجي لا لبس فيه ولا غموض، صار ثمة التفات أكثر واقعية بكثير، مما كانت الأمور عليه في الماضي، من قبل السينمائيين، مبدعين ونقاداً، ناحية التلفزيون. بل ثمة من اهل السينما من بات لا يرى خلاصاً للفن السابع ومستقبلاً له ولنتاجاته خارج إطار الشاشة الصغيرة، التي - كما يقولون باطمئنان ? لم تعد صغيرة تماماً، إذ تملأ الأسواق اليوم شاشات عريضة جداً تؤمن سينما حقيقية في كل بيت، وعروضاً مميزة للأفلام في كل المحطات، مقابل الشاشة الكبيرة التي صارت تصغر اكثر وأكثر من الصالات التي صارت، هي الأخرى، تقسم وتقسم الى صالات اصغر في المجمعات. في هذا كله، واضح اننا نعيش اليوم مرحلة انتقالية في العلاقة بين الشاشتين، مرحلة لا شك انها لن تنتهي إلا بتقاربهما، إن لم نقل بتوحدهما، خصوصاً ان التلفزيون نفسه بات يعيش أزمة إبداع حقيقية، إذ استنفد حتى اليوم معظم ما كان في جعبته، بما في ذلك ألوف الأفلام السينمائية، وبات في حاجة الى ألوف وألوف الساعات، التي لا شك ستكون عنصراً اساسياً في التنافس النوعي بعدما كان التنافس كمياً. فهل يمكن احداً، إزاء هذا كله، ان يشك في ان مبدعي السينما - وبلغاتهم السينمائية المعتمدة على تاريخ صار عريقاً - هم الذين سيدعون اكثر وأكثر لتأمين ألوف البرامج والساعات التلفزيونية؟