تستبد الحيرة بالمراقب حين يقرأ عن مناسبات عرض الأفلام التسجيلية والقصيرة في شكل عام، ويرصد كيف أن صانعي هذه الأفلام والمهتمين بها، لا يزالون يصرون على أنها أعمال سينمائية، حققت للسينما، بلغة السينما وأكثر من هذا... لجمهور السينما. ومصدر الحيرة هو أن أياً من كل هذه الأفلام - وإذا استثنينا عروضه المهرجانية -، لا يعرض لا في صالات السينما ولا لذلك الجمهور الوهمي الذي لا وجود له والذي يسمى جمهور هذا النوع الخاص من «السينما». ترى.. ألم يحن الوقت بعد لوضع الأمور في نصابها. لوضع النقاط على الحروف والنظر الى الأمور بعين الواقع.. الواقع الذي يقول إننا هنا - بالنسبة الى هذه الأفلام وعروضها - إنما نحن في صلب عالم التلفزيون وعروضه؟ ألم يحن الوقت، على الأقل، لإثراء العالم التلفزيوني بنتاجات هذا الإبداع، الذي لم يعد له من البعد السينمائي المستقل أي قسط؟ هل هو ترفع أهل السينما التسجيلية والقصيرة، على الشاشة الصغيرة وجمهورها؟ ان كان الأمر كذلك فهو يُضحك حين نتذكر أن جزءاً أكبر حتى من الأفلام الروائية الطويلة بات يصنع والشاشة الصغيرة نصب أعين صانعيها أكثر من الشاشة الكبيرة؟ أم هو محاولة اضافية لإقناع جمهور الصالات العريض بأن عليه أن يقصد هذه الصالات لمشاهدة شرائط يعرف هذا الجمهور أنه في أي لحظة من اللحظات يمكنه أن يشغل جهازه التلفزيوني فيشاهد منها العشرات... وفي حالات كثيرة يشاهد ما هو أفضل بكثير؟ يقيناً انه لم يعد ممكناً الحديث عن سوء تفاهم. فالأمور باتت واضحة: نادرة هي الفرص المتاحة لعرض الأفلام التسجيلية والقصيرة على شاشات السينما.. أو حتى لايصالها من طريق اسطوانات مبرمجة تطرح في الأسواق. فرصها الوحيدة، في 99 في المئة من الحالات، هي الشاشات الصغيرة (الإنترنت) أو الصغيرة والمتوسطة (التلفزيون).. فلنتوقف عن المكابرة. ولنحتفل، في هذا المكان على الأقل، بتوحد صحي ومفيد للطرفين، بين مبدعين يريدون التعبير عن أنفسهم من طريق ما يتاح لهم من امكانات تقنية ومادية - تصب كلها خارج اطار الشاشة الكبيرة -، وبين شاشات صغيرة، ستكون أذكى وأجمل وأكثر فنية، ان هي رفدت بمثل تلك الشرائط ولا سيما منها ما ينتمي الى تلك النتاجات المستقلة، التي نود لو يفيدنا أحد يوماً، بتجرد وثقة، عما اذا هي مستقلة؟ في النهاية: أو ليس أفضل لمثل هذه الأعمال أن تُقدم معززة مضمونة المشاهدة - وإن بحدود - على الشاشات الصغيرة المتاحة، من أن تقدم عبثاً غير مرحب به دائماً، على شاشات أخرى بالكاد تبدي ترحيباً بالأعمال الكبيرة، بالأفلام الطويلة... اي بتلك النتاجات التي لها جمهور حقيقي، قد لا نحبه ولا نقدر اختياراته، لكنه موجود، ولا يبالي، هو، بمئات الشرائط التي تريد توعيته وإيقاظه، فيما هو غير راغب لا في هذا ولا في ذاك؟