منذ فيلم "نتوورك"، حتى سنوات قليلة، مروراً بأفلام مثل"كويز شو"وپ"ترومان شو"، دأبت السينما، منذ عقود على انتقاد اختها الصغرى المتلفزة. بالنسبة الى الفن السابع، كانت الشاشة الصغيرة تبدو، ومنذ تلونت ثم حين صارت مغنائية متقدمة التقنية غازية كل بيوت الكون، منافسة رئيسة همها الوحيد ان تقضي على الاخت الكبرى، السينما، في شكل فرويدي. بكلمات اكثر بساطة شعرت السينما دائماً ان التلفزة لكي تعيش وتنفرد بساحة الصورة المتحركة، لا بد لها من ان تزيل السينما اولاً. وعلى هذا النحو حققت عشرات الافلام التي حاولت ان تحطم التلفزيون وسمعته وان تفضح ضروب احتياله ونصبه، سوسيولوجياً وعلمياً وجمالياً وأخلاقياً. وعلى هذا النحو ازدهر نوع سينمائي جديد، وعنيف، كان يمكن تسميته"سينما مكافحة التلفزة". غير ان هذا النوع، يبدو اليوم انه تضاءل وتيرة، بل يكاد يختفي من التداول. فهل آثرت السينما السلامة وألا تواصل هجومها على التلفزيون، لعلمها ان هذا اقوى منها كثيراً في المعركة المفترضة؟ ما يوحي به هذا السؤال ليس دقيقاً تماماً. فاذا كانت السينما قد استسلمت وخففت من حدة هجومها الحاد على التلفزيون، فإنما يعود هذا الى ان المعركة في الاصل كانت دونكيشوتية. معركة وهمية نتجت من سوء تفاهم نميل الى الاعتقاد بأن اهل السينما انفسهم كانوا، هم، المسؤولين عنه. ذلك انه بعد عقود طويلة من"الصراع"اكتشف اهل السينما ان فنهم، كفن مبدع، لم يمت. قد تكون تعززت الاقنية التي كانت توصل هذا الفن، تقليدياً، الى الناس نتحدث هنا، طبعاً، عن الصالات، غير ان وصول الفيلم نفسه، مهما كان شأنه ونوعه، الى الجمهور لم يتوقف. بل أكثر من هذا: سرعان ما تبين ان التلفزيون نفسه هو المكان الافضل والأسلم الذي تصل الافلام، كل الافلام عبره الى الناس. وليس فقط من طريق عرض الافلام على الاقنية المختلفة، بل خصوصاً، من طريق الاسطوانات المدمجة وشرائط الكاسيت، وحتى الانترنت وما شابه. اهل السينما اكتشفوا هذه الحقيقة، التي قد تبدو اليوم بديهية. ولعل هذا ما خفف من غلواء هجومهم على التلفزة خلال السنوات الاخيرة على الاقل حتى من دون ان توقع"ورقة تفاهم"بينهما. ومنذ شهور، اذا كان البعض قد حاول ان يعزو التضاؤل في حركة سوق تجارة الاسطوانات والشرائط، الى ازدهار اضافي في التلفزة، ما كان من شأنه ان يمهد لأعمال جديدة تستهدف الحط من شأن الشاشة الصغيرة، فإن التحليلات سرعان ما انطلقت لتقول ان هذا التضاؤل قد يؤثر في صناعة الاسطوانات والشرائط كما كانت صناعة الاولى وازدهارها أثراً في صناعة الثانية، لكن هذا لن يطاول فن السينما. بل سيربطه بشقيقه الفن التلفزيوني اكثر وأكثر، خصوصاً انه بمقدار ما يصغر حجم الصالات ومساحة شاشاتها، يكبر حجم شاشات التلفزة... ما يعني، في التحليل الاخير، ان السينما والتلفزيون يقتربان من ان يصبحا شيئاً واحداً. وفي مثل هذه الحال هل يمكن احداً ان يشك في ان"الغلبة"، ان كان هناك، بعد، من صراع ستكون للسينمائيين، طالما ان"التنافس"المقبل سيكون على النوعية لا على الكمية، وعلى الفن لا على التقنية التي توصله الى الناس... اصحابه الحقيقيين.