تراجع الهلع الذي أصاب كثراً في ألمانيا بعد انفجار الأزمة المالية الدولية، على خلفية أزمة الرهن العقاري الأميركي، مع صدور عدد غير قليل من البيانات الاقتصادية الجيدة في ألمانيا وأوروبا وآسيا، وإلى حد ما في الولاياتالمتحدة، لكن من دون أن تتبدد المخاوف من انتكاسة مالية جديدة. وحلت محل التفاؤل العارم السابق والتشاؤم الأخير، عودة إلى الواقعية في التقدير والتحليل. وأعادت الشفافية التي أظهرها أخيراً قسم مهم من القطاع المصرفي الأوروبي ? الألماني، للإعلان عن حجم تأثره بالأزمة في قطاع العقارات الأميركية، وقبل ذلك التدخل السريع للمصرف المركزي الأوروبي في الأسواق المالية، جزءاً كبيراً من ثقة المودعين والمستثمرين فيه. ويرى خبراء أن الدرب لا يزال طويلاً لمحو معظم انعكاسات الأزمة المالية الدولية، خصوصاً أن الشكوك حول قدرة الاقتصاد الأميركي على تجاوز محنته لم تبدد. وحذر التقرير الاقتصادي الدوري الأخير لغرفة التجارة والصناعة العربية الألمانية، من أن تجدد أزمة العقارات الأميركية"سيدخل الاقتصاد الغربي في مرحلة تراجع خطرة، قد يوصله إلى مستوى الركود". وفي كل الأحوال خفض خبراء ألمان منذ الآن، وكذلك خبراء أوروبيون ودوليون، توقعاتهم المتفائلة جداً لهذا العام والعام المقبل، في ما يخص معدلات النمو الاقتصادي المنتظرة. وفي هذا المجال، أفادت المعاهد الاقتصادية الألمانية الستة الأهم في البلاد، في تقرير الخريف الذي عرضته في برلين، أن معدل النمو الاقتصادي في ألمانيا سيحقق 2.6 في المئة هذه السنة، في مقابل 2.9 في المئة العام الماضي، و 2.2 في المئة عام 2008. أما المعهد الألماني لبحوث الاقتصاد، فتوقع معدل نمو أقل لهذا العام، لا يتجاوز 2.4 في المئة، و2.1 في المئة للعام المقبل، و1.7 في المئة لعام 2009. وبذلك تراجع التفاؤل السابق الذي ساد تقديرات معاهد البحوث الألمانية بتحقيق نسب نمو أعلى قبل اندلاع الأزمة المالية الدولية. ولفت رئيس معهد البحوث الاقتصادية"إيفو"في ميونيخ هانس فرنر زن إلى أن الاضطرابات الحاصلة في أسواق المال بفعل أزمة الرهن العقاري الأميركي، أظهرت آثار الكبح الأولى في الاقتصاد الألماني، والى أن رجال الأعمال بدوا أقل ارتياحاً من السابق إزاء وضع أعمالهم. واعترفت وزارة المال الألمانية بأن ارتفاع سعر اليورو"انعكس سلباً"على الصادرات، خلال الشهور السبعة الأولى من العام الجاري، لكنها انطلقت من واقع"أن نمو الصادرات سيستمر ولو بوتيرة أقل عام 2008". ورأى خبراء ماليون ألمان، أن الأزمة المالية الدولية"أثرت سلباً على الاقتصاد الألماني بصورة جزئية، لكن تراجع النمو في العالم، وارتفاع قيمة اليورو إزاء الدولار من جهة، والارتفاع المستمر لسعر النفط، الذي وصل إلى عتبة 90 دولاراً من جهة أخرى، يكبح نشاط الشركات الألمانية أكثر مما كان منتظراً. وإضافة إلى كل ذلك، فان التضخم المالي المتزايد، الذي تجاوز بكثير عتبة ال 2 في المئة المسموح بها في دول الاتحاد الأوروبي يتراوح حالياً بحسب الخبراء بين 2.2 و 2.5 في المئة، بدأ يسبب للمسؤولين في المصرف المركزي الأوروبي صداعاً قوياً، ما حذر منه أيضاً رئيس اتحاد غرف التجارة والصناعة الألمانية لودفيغ غيورغ براون الذي رأى أن التضخم"بدأ يضغط على جيوب المواطنين ورجال الأعمال". وبعد أن أشار إلى أن اتحاده"يرى في الأفق مؤشرات سلبية عدة في ألمانيا"، أضاف أن النمو الاقتصادي"لا يزال جيداً، لكن الاتجاهات الأولية تشير إلى تراجع".