يبدو الازدهار الاقتصادي الذي تشهده ألمانيا استثنائياً في نظر خبراء واقتصاديين المان وغربيين، إن في محيطه الأوروبي أو على المستوى الدولي، باستثناء الدول الصاعدة في آسيا مثل الصين وكوريا الجنوبية وماليزيا. وأجمعت معاهد البحوث الألمانية والأوروبية ومؤسسات دولية على تميِّز ألمانيا بزيادة مطردة في معدلات النمو المتوقعة لهذه السنة، وآخرها 3.7 في المئة، وتراجع البطالة إلى ما دون الثلاثة ملايين شخص، وزيادة الأجور بصورة ملموسة، على عكس ما يجرى في معظم دول القارة. وبينت النشرة الاقتصادية الدورية الصادرة عن غرفة التجارة والصناعة العربية - الألمانية، أن المصرف الاتحادي الألماني «بوندسبنك»، لفت في تقريره عن الشهر الماضي، إلى أن الصادرات الألمانية المدعومة بتصاعد الاستهلاك الداخلي، تقف وراء نمو الاقتصاد الحاصل، مضيفاً أن الوضع هذا سيستمر العام المقبل بفضل الطلب المتزايد على الإنتاج الألماني، مشيراً إلى ان استمرار التحسن مرهون بألا تنعكس أزمة الديون في عدد من دول منطقة اليورو، التي بدأت باليونان وامتدت الآن إلى إرلندا وقد تصل إلى البرتغال قريباً، سلباً على عملية النمو في البلد. ورفعت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الأوروبية الشهر الماضي من جديد توقعاتها لمعدل النمو المنتظر في ألمانيا إلى 3.5 في المئة للعام الجاري، و 2.5 في المئة للعام المقبل. ولافت أن توقع خبراء المنظمة لمعدل النمو في ألمانيا العام المقبل، ومعهم الخبير في بنك «أونيكريديت» أندرياس ريس، هو الأعلى حتى الآن بين كل التوقعات التي لم تتجاوز الاثنين في المئة. ورأت المنظمة الأوروبية أن تمسّك المصانع والشركات الألمانية بعمالها في مرحلة الأزمة، وعدم تسريحهم جماعياً، ساعدها على الانطلاق بسرعة من جديد، مع بدء زيادة الطلب عليها، مبشّرة بنحو 250 ألف وظيفة العام المقبل، ما سيشجّع الاستهلاك الداخلي الذي سيرتفع بنسبة واحد في المئة خلال عامي 2011 و2012. وعقّب وزير الاقتصاد الألماني راينر برودرله على تقرير المنظمة، مؤكداً «أن ألمانيا تتحول إلى محرك للنمو ليس فقط في منطقة اليورو، بل في الدول ال 33 الأعضاء في المنظمة الأوروبية». وهذا ما أكدته المنظمة الأوروبية بدورها في تقرير سابق. وأفاد معهد البحوث الاقتصادية في ميونيخ (إيفو) وخبراء آخرون، بأن الصناعة الألمانية تستعيد في شكل حثيث، قوتها التي سبقت اندلاع الأزمة المالية الدولية في خريف 2007، وأن دفاتر المصانع والشركات مليئة حالياً بالطلبات من الخارج والداخل، كما كانت قبل الأزمة، بحيث بلغ معدل عمل آلاتها وأجهزتها الإنتاجية حالياً 82.8 في المئة من كامل قدراتها. وقال خبراء المعهد إن أزمة القروض المصرفية للشركات التي بدأت مع الأزمة المالية الدولية تراجعت كثيراً. ومع أن الطلب على الصناعة انخفض في أيلول (سبتمبر) الماضي بمقدار 4 في المئة، خصوصاً من جانب الدول الأوروبية، ما أخاف الاقتصاديين والخبراء، فإن حصيلة الطلبات التي وصلت في الربع الثالث من هذه السنة ارتفعت بصورة ملموسة. وكشف المعهد أيضاً أن أوضاع الشركات الصغيرة والمتوسطة في ألمانيا تحسنت بقوة في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي حيث ارتفع مؤشر الأجواء فيها 4 نقاط دفعة واحدة إلى 32.2 نقطة. وبعد أن أكد اتحاد غرف التجارة والصناعة الألمانية على منحى تراجع البطالة في البلاد إلى ما دون الثلاثة ملايين عاطل من العمل، أشار في دراسة الى أن قطاع الرعاية الصحية سيؤمن العمل لنحو 60 ألف شخص إضافي العام المقبل. كذلك لفتت الوكالة الاتحادية للعمل في نورنبيرغ الى أن مؤشر العمل لديها بيّن أن الحاجة إلى مزيد من اليد العاملة ازدادت أيضاً، مسجّلاً 143 نقطة بزيادة 32 نقطة على السنة الماضية. واستعاد المؤشر بذلك الحدّ الذي وصل إليه قبل بدء الأزمة الاقتصادية في خريف 2008. وإذا كان الخبراء متفقين على أن الاستهلاك الداخلي سيزداد في ألمانيا في المرحلة المقبلة، بدت الحكومة الألمانية أكثر تفاؤلاً، مشيرة إلى أنه سيحلّ السنة المقبلة مكان الصادرات كمحرك أساسي للاقتصاد. وتوقعت وزارة الاقتصاد أن يؤمن الاستهلاك الداخلي ثلاثة أرباع النمو الذي تتوقعه لعام 2011، وحددته ب 1.8 في المئة.