يستطيع الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي أن يحقق في زيارته الرسمية إلى المغرب الأسبوع المقبل اختراقاً في حلحلة نزاع الصحراء لم يتسنَ لسلفه جاك شيراك. وفيما كان شيراك يعول على استخدام ورقة النفوذ الفرنسي في شمال افريقيا لاستخلاص فواتير أميركية في الشرق الأوسط والخليج ومناطق التوتر في افريقيا، اختزل خلفه الطريق إلى واشنطن من باب أن كل المصالح تؤدي إلى أميركا، وان صداقتها أفضل من خصامها. كذلك ينسحب الوضع على الانفتاح أكثر على الجزائر ضمن الاحتفاظ بعلاقات استراتيجية مع الحليف التقليدي، المغرب. ومع أن شيراك كان سباقاً الى طرق منافذ المودة الجزائرية على رغم استمرار خلافات التاريخ عالقة، فإن ساركوزي تعمد زيارة الجزائر في خروجه الأول إلى شمال افريقيا وعوض عتب الرباط بزيارة دولة، فيما تبقى عيون الفرنسيين جاحظة على غاز الجزائر وبرتقال المغرب، كون باريس الشريك الاقتصادي والتجاري رقم واحد للرباط. فهذه المعادلة الوفاقية لا تقوم في ذهن ساركوزي على الاختيار بين المغرب أو الجزائر، وإنما عبر جعل البلدين معنيين على قدر المساواة برسم معالم توازن اقليمي أكبر من خلافاتهما حول نزاع الصحراء وتداعيات اغلاق الحدود ومخلفات الصراع. ما يساعد ساركوزي في حلحلة الموقف، أن ملف الصحراء دخل منعطفاً جديداً مع مفاوضات الأطراف المعنية التي ترعاها الأممالمتحدة. وهي إن كانت تقتصر على المغرب وجبهة"بوليساريو"في شقها المباشر، فإنها محكومة بمواقف الجزائر وموريتانيا كطرفين غير مباشرين حضهما مجلس الأمن الدولي على تشجيع هذا المسار ودعمه. ولن يجد الرئيس الفرنسي صعوبة في اقناع الأطراف المعنية بمساندة هذا التوجه الذي يعكس رغبة المجتمع الدولي، بخاصة أن فرنسا العضو الدائم في مجلس الأمن تنظر دائماً إلى موقفها كعنصر مؤثر وسيكون مفعوله أقوى في حال الالتقاء مع الموقف الأميركي الذي يدعم صيغة الحل السياسي للنزاع، وإذا اضيف إلى ذلك موقف اسبانيا التي ما فتئت تدعو إلى حل تشارك فيه دول المنطقة، ثم الموقف الذي التزمه أكثر من 120 عضواً في مجلس العموم البريطاني لناحية اعتبار الحكم الذاتي في الصحراء مبادرة بناءة، من دون اغفال الموقف الصيني الداعم للمغرب والموقف الروسي الذي يرهن الحل بوفاق الأطراف المعنية، فإن الطريق تصبح معبدة أمام رجل الاليزيه التواق للقيام بأدوار مدهشة في الساحة الدولية. كان الفرنسيون دائماً يتجنبون وصف مساعيهم لتقريب وجهات النظر بين المغرب والجزائر بأنها وساطات. وكان ذلك يرضي كبرياء الأطراف المعنية، غير أن تلك المساعي التي تراوحت بين الدعم العسكري والمبادرة السياسية كانت تصطدم بصخرة عناد لا يكون مصدره مواقف الأطراف المتعارضة بقدر ما يكون نتاج معطيات اقليمية ودولية ترى في استمرار النزاع متنفساً من نوع آخر يضمن تدفق الأسلحة والمصالح. ولا يبدو اليوم أن ذلك العناد لا يزال نفسه، فقد اطمأنت اسبانيا إلى أن الوفاق بين المغرب والجزائر يعزز حضورها المتنامي في المنطقة من دون الحاجة إلى مغازلة هذا الطرف أو معاكسة الآخر، وشكلت خطة تمرير الغاز الجزائري إلى اسبانيا عبر الأراضي المغربية نموذج شراكة اقتصادية ثلاثية الأضلاع في إمكانها أن تصمد في مواجهة الهزات السياسية، بل ان روسيا، الأقرب إلى الجزائر، لم تجد ما يحول دون ابرام ميثاق استراتيجي مع المغرب. والحال أن اللاعب الأميركي اختار الانفتاح على البلدين الجارين وحضهما على اعتبار الحرب على الإرهاب تفوق أي اعتبار آخر. وكما أصغى المسؤولون الأميركيون بعناية إلى تجربة الجزائر في مواجهة الظاهرة الإرهابية، فإنهم كانوا يرصدون خيار المغرب في الانفتاح الديموقراطي. ما يريده الرئيس ساركوزي لا يحيد عن ضمان مصالح بلاده بالتزام خط أقرب إلى ارضاء الأميركيين، فقد لوح في يوم انتخابه بعصا فرنسية في مواجهة ليبيا أثمرت تحولاً في انهاء ملف الممرضات البلغاريات، لكنه حين يزور المغرب فإنه قد يلوح بغصن سلام واستقرار لا يمكن أن يتحقق بغير وضع نزاع الصحراء خلف المنطقة، ذلك أن مشروعه المتوسطي الكبير قد لا يكون بالضرورة بديلاً عن الشرق الأوسط الكبير. إلا أنه لن يتأسس في غياب منظومته السياسية والاقتصادية التي تبدأ من تكريس السلام العادل. وأقرب إلى ساركوزي، الذي تشكل بلاده طرفاً أساسياً في حوار 5+5 الذي يجمع العواصم المغاربية إلى جانب كل من فرنسا وايطاليا واسبانيا والبرتغال ومالطا، أن يحقق اختراقاً ايجابياً في هذا الفضاء في حال كانت استجابة الأطراف المعنية بالطموح ذاته. وحتى إن اكتفى بدعم المفاوضات بين المغرب و"بوليساريو"، فإن فرضية أن هذه الأخيرة لم تكن لتبدأ لولا خطة الحكم الذاتي، تقوي حظوظ التسوية بمبادرة فرنسية معلنة أو مغلفة.