تحمل لحظة الانتقال إلى المرحلة الجامعية الكثير من الآمال والأحلام للشباب اللبناني. فالتلميذ الذي كان يدرس مواد محددة سلفاً لا يحق له حتى إبداء رأيه فيها، يصبح في المرحلة الجامعية أكثر حرية خصوصاً في اختيار الاختصاص وإن كان دون ذلك بعض الحي رة. لكن اختيار الاختصاص ليس فقط ما يعيق الطلاب، فإضافة إلى الواقع الامني الذي يعيشه لبنان، بدأت تظهر مشكلة جديدة منذ سنوات هي الجامعات والمعاهد غير المرخصة. وإذ يعترف وزير التربية والتعليم العالي خالد قباني بوجود هذه المشكلة، إلا أنه يؤكد أن وزارته بدأت منذ سنوات تتخذ إجراءات صارمة في هذا الإطار، خوفاً على الطلاب وعلى سمعة الجامعات في لبنان. ويقول ل"الحياة":"أصدرت تعميماً حذرت فيه الجامعات والمعاهد من افتتاح فروع جديدة أو اختصاصات بلا ترخيص مسبق لأن الوزارة لن تعترف بها وبشهادتها". وتظهر الأرقام الرسمية أن في لبنان 40 جامعة ومعهداً جامعياً، وإن كان العدد الفعلي أكثر من ذلك بكثير باعتراف الوزير نفسه الذي يضيف"هذه مشكلة قديمة ومزمنة، ففي عام 2000 صدر قرار عن مجلس الوزراء بترخيص عدد كبير من مؤسسات التعليم العالي للعمل كجامعات. وجاءت المراسيم التي صدرت بالترخيص لهذه الجامعات من دون الدخول في المواصفات المطلوبة أو كيفية عملها وفقاً لاحكام القوانين النافذة". ويؤكد الوزير أن هذا الملف شائك، إلا أن هناك ملفاً آخر أكثر تعقيداً وصعوبة هو ملف المعاهد الجامعية المرخصة،"وهي عديدة وكثيرة. وتقدمت بطلبات إلى وزارة التربية منذ أكثر من خمس سنوات لتتحول إلى جامعات، بسبب ما تعانيه من عدم اعتراف بشهاداتها سواء لدى جامعات أخرى أم في سوق العمل. لذلك أعدنا دراسة طلبات هذه المعاهد واتخذنا قراراً وزارياً بالبحث في كل ملف واحالة الملاحظات التي أبدتها اللجنة الفنية وتبليغ أصحابها لتصحيح ما يمكن تصحيحه". وهكذا منح معهد الإدارة والكومبيوتر، الشهير باسم"هاواي"والذي اثار جدلاً واسعاً في لبنان، رخصة ليتحول إلى جامعة الآداب والعلوم والتكنولوجيا، بعد صدور مرسوم رسمي بذلك في 28 آب أغسطس الماضي. ويوضح المسؤول الإعلامي في هذه"الجامعة"الدكتور هادي الزين:"اضفنا كلية الآداب والعلوم الانسانية إلى جانب كلية ادارة الاعمال وكلية العلوم والفنون وبذلك منحنا اسم جامعة". ويضيف:"لدينا اجازة وماجستير. والجامعة أبرمت اتفاقيات تعاون مع عدد من الجامعات في الخارج. ومن خلال هذا التعاون يتم ارسال واستقبال الطلاب والاساتذة. ويحصل الطالب على تسهيلات في تاشيرة الدخول الاميركية". مشيراً إلى أن"الجامعة حصلت على الاعتماد الاميركي وفق التصنيف الاميركي للجامعات". وعلى رغم الاعتراف الرسمي بجامعة الآداب والعلوم والتكنولوجيا واعتمادها أميركياً، إلا أن نقابة المهندسين في لبنان لا تعترف بشهادتها حتى اللحظة. والفرق بين الجامعة والمعهد الجامعي في لبنان، حدده المرسوم الرقم 9274/96، الذي ينص أن الجامعة تتضمن 3 كليات مرخصة على الأقل بمرسوم في مجلس الوزراء. والشروط المطلوبة للجامعة تتضمن توافر مساحات خضر أكبر من المعهد الجامعي وقاعات نشاطات وملاعب وتجهيزات أخرى. ويقول الزين إن كلية الآداب والعلوم الانسانية لم تبدأ العمل رسمياً"التحضيرات تستغرق نحو سنة من العمل قبل أن نستطيع بدء العمل". لكن كيف يمنح لقب جامعة من دون أن تستوفي الشروط كلها؟ يشرح الوزير قباني:"الترخيص يقسم إلى مرحلتين، الأولى صدور مرسوم عن مجلس الوزراء، والثانية مرحلة ما يسمى بقرار مباشرة العمل الذي يصدره الوزير بعد التأكد من أن الشروط المفروضة في القانون اكتملت في مؤسسة التعليم العالي. لكن يتم التعامل معها كجامعة منذ صدور المرسوم". في المقابل، لم تعان"الجامعة العربية المفتوحة"من مشكلة الترخيص."منذ البدء تم الترخيص لنا على أساس أننا جامعة ولا صحة لكل ما يقال بأننا لا نملك تصريحاً ونحن لا نعتمد التعليم عن بعد الذي لا تعترف به وزارة التربية"، تقول رئيسة الجامعة الدكتورة فيروز فرح سركيس. وتضيف:"الجامعة المفتوحة تمنح شهادة بكالوريوس أي إجازة من لبنان وأخرى صادرة عن الجامعة البريطانية المفتوحة". الشهادة البريطانية أو الاعتماد الأميركي أو غيرهما من الشهادات يلجأ إليها بعض الجامعات والمعاهد في لبنان لجذب الطلاب مستغلين ثقة الطلاب بكل ما هو أجنبي. وتقوم أكثرية المعاهد الجامعية بعقد اتفاقيات مع جامعات في الخارج لهذا الهدف إضافة إلى المنفعة الأكاديمية، ومن هنا كانت اتفاقية معهد الإدارة والكومبيوتر الجامعي مع جامعة"هاواي"التي لا تزال تشتهر بهذا الاسم حتى اليوم رغم أنه لم يعد له علاقة بها. ويقول الزين:"اليوم صار لدينا اتفاقيات تعاون مع ست جامعات أجنبية". وتشير الدكتورة سركيس إلى أنه إضافة إلى مستوى التعليم الذي تقدمه"الجامعة العربية المفتوحة"، فإن"الشهادة البريطانية التي نقدمها للطلاب تشكل عامل جذب قوي". أما بالنسبة إلى منح ترخيص بفتح فروع وكليات جديدة، وهل يتم ذلك بعد درس السوق من جانب الوزارة، فيجيب قباني:"أولاً، يحق لكل جامعة ان تزيد من اختصاصاتها وفقاً للأصول من اللجنة الفنية المختصة ويتبع في إعطاء الإذن الخطوات التي تفرضها القوانين. ولكن سوق العمل ومدى استيعابه لهذه الاختصاصات يترك لتقدير هذه الجامعات". وعن ذلك تقول سركيس:"عندما ننوي فتح اختصاصات جديدة، ندرس سوق العمل لأننا ندفع كلفة تعليم الطالب أكثر مما يدفع أقساط ونحن نسعى لتنمية المجتمعات ونحضر الطالب للسوقين اللبناني والعربي في الوقت نفسه". ويشير الوزير قباني إلى أن التاريخ اللبناني يؤكد حاجة السوق العربي للعنصر اللبناني في مختلف الاختصاصات، حيث يساهم اللبناني في التنمية والبناء في المجالات كافة في الخليج العربي،"إضافة إلى أن افتتاح فروع جديدة هو لاستيعاب الطلاب العرب الذين يأتون إلى لبنان لتحصيل علمهم. فضلاً عن ان المنافسة اذا كانت إيجابية تنتج نوعاً من التحدي وهو من شأنه ان يرفع مستوى التعليم". وبالنسبة إلى ما تتناقله الأخبار يومياً سواء على الساحة السياسية أم الأمنية يشدد قباني على أن وزارته تعمل على"تحييد الجامعات والمدارس عن الصراعات الداخلية لإنجاح العام الدراسي المقبل".