يجمع المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس كل سنة عدداً من رؤساء الدول والحكومات والوزراء والمسؤولين ما لا يجتمع مثله الا في نيويورك ودورة الجمعية العامة للأمم المتحدة هناك، وفي حين يزيد العدد في نيويورك عليه في دافوس، فإن الثانية تضم ايضاً قادة المال والأعمال في العالم كله، مع جو جميل في جبال الألب والثلج يهدئ أي أعصاب متوترة. جبال الألب خلت من الثلج هذه السنة حتى وصول المشاركين الى دافوس مطلع الاسبوع الماضي، وبقي الثلج يهطل بعد ذلك حتى الأحد، عندما انتهى المؤتمر، وتركنا والسماء زرقاء صافية، وبقي بعض الاصدقاء للتزلج على الثلج في دافوس او سانت موريتز المجاورة، وعاد"الغلابة"مثلي الى العمل. رؤساء الدول يثيرون الاهتمام دائماً، وهناك مرافقون وحشود، ورأيت قادة من زوايا العالم الأربع، الا انني اكتفيت بسماع الملك عبدالله، عاهل الأردن، ثم الملكة رانيا، فشعبيتهما كبيرة، وأهملت رئيس الوزراء توني بلير الذي كان يتحدث عن مساعدة أفريقيا، فهي تستحق المساعدة، الا انني رب أبلي، وعندي من المصائب العربية ما يكفي ويزيد. الرئيس فؤاد السنيورة لم يأت، مع ان اسمه كان مسجلاً للحديث، الا انه أبلى البلاء الحسن في باريس، وسمعت دينا باول حبيب، نائبة وكيلة وزارة الخارجية الأميركية، تحدث أختنا شدا عمر عما أُنجز في باريس، وعن الموقف الأميركي والنية على مساعدة لبنان. كانت الحسناء دينا، وهي مصرية الأصل، واضحة السعادة، فخورة بجذورها، ونحن نقول"الدم ما بيصير مي". كان من الجالية المصرية الكريمة في دافوس رئيس الوزراء أحمد نظيف ووزير التجارة والصناعة رشيد رشيد، وآخرون كثيرون، وهم تنقلوا بين الجلسات السياسية والاقتصادية بنشاط. وطبعاً لا أعتبر اخانا عمرو موسى مصرياً فقط، فهو مواطن من كل بلد عربي بصفته الأمين العام لجامعة الدول العربية، وجلست معه والصديق العزيز عبدالاله الخطيب، وزير خارجية الاردن، وحيدين على عشاء كان الصحن الرئيسي فيه تبادل المعلومات والآراء، فأقول للقراء: ترقبوا هذه السطور. الدكتور محمد البرادعي أيضاً مصري الا انه مواطن عالمي، او بعدد الدول الاعضاء في وكالة الطاقة الذرية الدولية، وعادة ما أهاتفه طلباً للمعلومات، الا ان الجلسة وجهاً لوجه أفضل، ولعلي سمعت شيئاً جديداً أو مفيداً فأقول للقراء مرة ثانية: ترقبوا هذه السطور. وأعترف بأنني فوجئت بسعة اطلاع السيناتور جون كيري، الذي خسر انتخابات الرئاسة أمام جورج بوش، فهو حتماً يعرف الفارق بين السنّة والشيعة، وهذا انجاز لأي مسؤول أميركي، وتحدث حديث العارف عن فلسطين وإيران، والموقف من العراق. وبقي متمكناً في رده على الاسئلة، ما يعني ان معرفته أوسع من مجرد قراءة كلمة مكتوبة او حفظها. الأميركيون انتخبوا جورج بوش الابن، ما يكفي حجة ضد الديموقراطية وممارستها. أسمع ان جيب بوش، حاكم فلوريدا، ذكي وأفضل اطلاعاً من أخيه الكبير. وفي دافوس رأيت نيل بوش، الشقيق الصغير، فقد انضم الى الصديق خالد علي رضا، ونحن نستعد للتوجه الى زوريخ صباحاً، وشرب فنجان شاي، وسأل أسئلة كثيرة أظهرت دقة متابعته الاحداث، ومعرفته بأماكن الخلل. وهو قال ان حديثنا ليس للنشر ونبهته الى انه لم يتحدث وإنما سأل، وتحدث خالد وأنا. في دافوس ارتدي قبعتين، حوار الاسلام والغرب، أو ما يسمى مجموعة المئة، والعضوية في قادة الميديا، وهم ايضاً في حدود مئة. وقد اختار المنتدى من العرب اربعة فقط هم راغدة درغام وعبدالرحمن الراشد ووضاح خنفر وأنا. وتضاربت مواعيد الجلسات أحياناً، وحضرت بعضاً وغبت عن بعض آخر، وحاولت جهدي. كان هناك من هو أنشط مني، ولا أريد ان أختار أحداً من العرب حتى لا يتهموا بي او أتهم بهم، ولكن ارفع قبعتي، او القبعتين، للبروفسور كلاوس شواب، رئيس المنتدى ومؤسسه، فهو كان ينتقل من جلسة الى أخرى، ويدير جلسات ويهتم بالضيوف ويستقبل ويودع. وكنتُ معه يوماً على فطور في السابعة والنصف صباحاً لاختيار"قادة العالم الشباب". واستيقظت في السادسة والنصف، ووصلت في الموعد تماماً، لأجده في انتظار الاعضاء. كتبتُ مرة ان كلاوس شواب يستحق جائزة نوبل للسلام، وأرشحه مرة اخرى اليوم. أرفع القبعتين ايضاً للسيدات العربيات المشاركات، وفي حين غابت هذه السنة أختنا الشيخة لبنى القاسمي، فقد كان هناك تمثيل عربي كافٍ، والأميرة لولوه الفيصل عملت بجهد واجتهاد كعادتها، وتابعت نشاط لبنى وهشام سليمان العليان، ففيهما من ذكاء أبيهما الصديق الراحل رحمه الله، والأخت حسنى رشيد التي تدير"بزنس"العائلة منذ تولي أخيها الوزارة، وأيضاً الزوجات اللواتي رافقن ازواجهن واخترن متابعة الجلسات، بدل"السّكي"والتسوّق لو أردن. أخيراً، كنتُ في حفلة الاختتام الكبرى التي قدمتها ماليزيا مع الأصدقاء الدكتور حمزة الخولي ومسلّم مسلّم وسمير لحود وجيمي الخازن، وبعض الزوجات، عندما جاءنا رئيس وزراء ماليزيا السيد عبدالله بدوي، وهو يحمل صحناً من اللحوم المشوية بيد، وصحن صلصة باليد الأخرى، وقدمه لنا بنفسه مؤكداً انه لذيذ، أو"طِعِم"كما يقول المصريون. وسأل الاخوان هل يقدم رئيس وزراء عربي الطعام لضيوفه في حفلة عامة، وقلت: ولا حتى شوفير رئيس الوزراء.