الأرجح أن الثلوج القليلة التي تجمعت قرب منتجع "دافوس" في سويسرا ساعدت على الدفع بموضوع ارتفاع حرارة الأرض بفعل التلوث الى صدارة اهتمام القادة الذين التقوا، كدأبهم سنوياً منذ عام 1971، ليتباحثوا في ما يعتبرونه قضايا أساسية في صنع القرار السياسي عالمياً. وفي المقابل، تابعت ثورة الاتصالات والمعلوماتية دأبها في نسج علاقاتها الخاصة بپ"منتدى دافوس"، الذي يعتبر من المهود الأولى التي بلورت مفاهيم الاقتصاد الإلكتروني وتجارته، والإعلام الجديد والثورة الرقمية وغيرها. وفي"دافوس"، تحوّل قادة شركات المعلوماتية والاتصالات المتطورة، ورمزهم الأبرز بيل غيتس المؤسس الأسطوري لشركة"مايكروسوفت"، إلى مُشاركين في صنع القرار السياسي والاقتصادي عالمياً. لتلك الصورة سلبياتها وإيجابياتها، لكنها تُعطي نموذجاً من العلاقة بين"منتدى دافوس"وثورة المعلوماتية والاتصالات. دافوس في ظاهرتي "بلوغرز" وپ"بود كاستنغ" في الدورة الراهنة لپ"منتدى دافوس"، الذي امتدت نقاشاته بين يومي 24پوپ28 كانون الثاني يناير الجاري، شهدت العلاقة بين العالم الافتراضي والمنتدى السياسي تبدلات قد لا تخلو من الدلالة. فقد أضيفت"مُدوّنة إلكترونية"بلوغ الى الموقع الإلكتروني للمنتدى، مع المُحافظة على استقلاليتها. ويعني ذلك ان"دافوس"دخل الى ظاهرة"البلوغرز"، التي يعتبرها كثير من الخبراء الشكل الأكثر حيوية راهناً، للصحافة الإلكترونية، وأنها قد تطيح عالم الصحافة كما نعرفه راهناً! وبالترافق مع ذلك، أدخل الموقع خدمة"آر اس اس"RSS، المصطلح الذي يختصر عبارة Really Simple Syndication"التوكيل السهل فعلياً"، وهي برنامج مجاني يُمكّن من الحصول على الأخبار المتجددة من مصادرها مباشرة. وللتذكير، فإن الإنترنت تحتوي على كمّ هائل من المعلومات والبيانات في شكل صحف إلكترونية ومواقع إخبارية وتقارير بورصات وأسهم ونشرات جوية ومُدوّنات وغير ذلك. وفي المقابل، فإن تصفح هذه المواقع كلها بحثاً عن المواضيع المهمة يستغرق وقتاً طويلاً. ولذا، ظهرت مجموعة من البرامج المجانية على الإنترنت التي تُمكّن من تخطي هذه المُشكلة. ومن هنا تأتي أهمية برنامج"نيوز ريدرز" News Readers الذي يتولى جمع المقالات والأخبار المهمة من الشبكة الدولية للكومبيوتر، ويضعها على كومبيوتر المستخدم مع تبوبيها بطريقة سهلة. ويوضح سيغفريد هيرش الخبير الالماني في إدارة المعلومات وبرامج الكومبيوتر، الأمر على النحو الآتي:"تخيل أن لديك سكرتيراً خاصاً يبحث لك عن المواضيع التي تثير اهتمامك". وبصورة خاصة، يمكن ضبط إعدادات هذا البرنامج للتعامل مع المُدوّنات الإلكترونية فيُعطي تنبيهاً في كل مرّة يُنشر مقال جديد في إحدى"البلوغز"التي يُتابعها المُستخدم. كما يمكن ضبط البرنامج حتى يذهب إلى المصدر الأصلي للمقال مباشرة من دون الحاجة إلى الرجوع للمدونة. ولذا، لم يكن مستغرباً ان يلتحق"دافوس"بظاهرة"البلوغرز". وقد برّر خطوته بالسعي الى الانتشار والوصول الى أوسع جمهور عالمياً. وفي السياق نفسه، وللمرة الأولى أيضاً، بُثت جلسات النقاش، بالصوت والصورة، عبر تقنية"بود كاستنغ" Pod Casting، ما مكّن جمهور مُشغل الموسيقى"آي بود"iPod، وكذلك مستخدمي خليوي"أي بود فون"I Pod Phone، من متابعة"منتدى دافوس"والتعليق على مُجرياته. ويمكن القول إن الحدث الإلكتروني الأبرز في منتدى"دافوس"لهذا العام، تمثّل في نقل الجلسة الختامية لهذا المنتدى الاقتصادي العالمي مباشرة، على الإنترنت، عبر المُدوّنة الافتراضية المُركّبة التي تحمل اسم"سكوند لايف"Second Life والتي تُعتبر العالم الرقمي"الموازي"للعالم الحقيقي! والمعلوم ان"سكوند لايف"باتت عالماً يضم الملايين من المشاركين الذين"يعيشون"فيه، كما يُنظر إليها كنوع من الإعلام الرقمي المباشر، الى حدّ أن وكالة"رويترز"للأنباء خصصت مكتباً لإدارة صفحتها الإلكترونية "بلوغ" في"سكوند لايف"بعدما فاق عدد المترددين عليها المليون في منتصف العام الماضي! وعبر تلك الخطوات وغيرها، أراد منتدى"دافوس"أن يفتتح محادثاته امام اكبر عدد من الناس، لكي"يتحاوروا"افتراضياً مع مجموع القادة المُشاركين فيه الذين فاق عددهم الپ2400 موفد، باستعمال القدرات الإعلامية للشبكة الإلكترونية الدولية. ولم يتردد بعض الخبراء في وصف تلك الأشياء بأنها تجسيد قوي لمفهوم الشفافية في الممارسة السياسية. وفي السياق عينه، حرص منظمو المنتدى على إنشاء استوديو رقمي يمكن اي شخص دخوله وطرح ما يشاء من الأسئلة، مع وضع صورته الى جانب تلك التي يولدها الموقع أوتوماتيكياً بملفات رقمية، ومن ضمنها مؤسس المنتدى البروفسور كلاوس شواب. وقد حرصت مدوّنة"دافوس"على استضافة كبار المدونين في العالم وإشراكهم في هذه العملية. وعند إبداء أي شخص تعليقاً أو سؤالاً عبر الفيديو، يُنبّه الموقع قادة المنتدى كلهم، حتى لو كانوا رؤساء وزراء أو رجال اعمال كباراً مثل رئيس شركة"مايكروسوفت"بيل غيتس للرد عبر مدونة المنتدى. وعلّق شواب على تلك التطوّرات الإلكترونية بالقول:"هذه تجربة متطورة... فللمرة الاولى تصل الى المنتدى بعض أهم الأصوات في الإعلام الإلكتروني الجديد، كما تستخدم التكنولوجيا للسماح بتوسيع المحادثات بين القادة والناس بصورة فردية ومباشرة". وانتهز ليوميل ليمون، الذي ينتمي الى مجموعة"دا دافوس"Da Davos المُناهضة للعولمة، تلك الفرصة. وبحماسة لافتة، اقتحم ليمون"العالم الافتراضي"للمنتدى ملوّحاً بلافتة تُندّد بالعولمة وبهيمنة الشركات العملاقة على اقتصاد العالم، وقد وضع صوراً تُظهره بلحية كثّة ونظارة شمس! والأرجح ان ممثل تلك الجماعة الاحتجاجية ليجد في الأحوال العادية فرصة لاختراق قوات الأمن المنشرة بكثافة في مركز مؤتمرات دافوس، ولكن التسلل"افتراضياً"شكّل موقفاً مختلفاً. وفي تقويمه لخطوة ليمون الاحتجاجية، اعتبر أحد خبراء المنتدى، في تصريح نشرته"وكالة الأنباء الألمانية"الاقتحام إشارة الى أوضاع العالم، حيث"اصبحت الأشياء مع انتشار تلك الأدوات الإلكترونية مفتوحة تماماً". وجاء البرهان على صحة ذلك القول، عندما عقد المنتدى جلسته الختامية، فإذا بالبروفسور شواب يصعد إلى المنصة فعلياً وافتراضياً"، كما تردد صدى كلماته وأفكاره عبر الانترنت بصورة مباشرة. وفي سياق مواز، عرضت مُدونة"دافوس"الالكترونية في موقع"سكوند لايف"تسجيلات تلفزيونية للكثير من جلسات المنتدى. كما تظل تلك الأشرطة وغيرها"معروضة على ذلك الموقع المُركّب. ثورة رقمية في محتوى التلفزيون في منتدى"دافوس"2007، حضر بيل غيتس الى المنتدى مع زوجته ميلندا وهي شريكته في صندوق خيري عالمي. وانتهز غيتس الفرصة للقول إن الإنترنت في طريقها الى إحداث ثورة في عالم التلفزيون في غضون خمس سنوات بسبب انفجار في محتوى الفيديو على الإنترنت، والميل المتواصل الى الاندماج بين الكومبيوتر والتلفزيون والأجهزة المتفرعة منهما. وأبلغ غيتس المنتدى الاقتصادي العالمي أنه"مذهول كيف لا يتوقع الناس هذا مع التلفزيون... خلال خمس سنوات من الآن سيضحك الناس على ما نحن فيه راهناً"! وفعلياً، ادى ظهور الإنترنت، بسرعته الفائقة في الوصول الى شرائح متوسّعة باستمرار من الناس في مجتمعات مختلفة، الى تغيير في العلاقة مع المواد المرئية - المسموعة. ولعل النموذج الأبرز يأتي من موقع أشرطة الفيديو"يو تيوب"You tube التابع لمحرك البحث الشهير"غوغل". وقيل في"دافوس"أن"يو تيوب"، وهو جزء من ظاهرة"بلوغرز"، يساهم في تراجع عالمي في عدد الساعات التي يقضيها الشبان امام جهاز التلفزيون. وفي هذا السياق، توقّع غيتس ان يزيد عدد المشاهدين لمواقع مثل"يو تيوب"وأن يتخلوا عن التلفزيون التقليدي، خلال السنوات القليلة المقبلة. وأرجع ذلك الى المرونة التي تتيحها مواقع الفيديو على الإنترنت"والمشاهدة الثابته المواعيد للبرامج"والإعلانات التي تقطع متعة المشاهدة. وأضاف ان"أموراً محددة مثل الانتخابات أو الألعاب الأولمبية توضح في شكل حقيقي مدى فظاعة التلفزيون... فحينها، يفرض عليك التلفزيون الانتظار الى ان يتحدث الشخص عن الشيء الذي يهمك، أو لظهور الحدث الذي تتابعه، تحت طائلة فقدان القدرة على المتابعة... فيما تقدّم الإنترنت إمكانات أكثر تفوقاً بكثير". واستطرد غيتس ليلاحظ ان مشاهدة الفيديو على جهاز الكومبيوتر تعتبر تجربة منفصلة عن مشاهدة المسلسلات او الأفلام الوثائقية في التلفزيون. وفي المقابل، فإن التلاقي بين الكومبيوتر والإنترنت والفيديو والخليوي، قد يُشكّل تحديات خطيرة لشركات التلفزيون والإعلان. واعتبر غيتس ان التلفزيون في طريقه الى"الإقامة"على الإنترنت. وتعمل بعض شركاته الكبيرة على تجهيز البنية الأساسية لهذا الأمر. وعلّق تشاد هيرلي، الشريك المؤسس لموقع"يوتيوب"على كلام غيتس بالقول ان"التأثير في الإعلان سيكون عميقاً، مع توقع ان تكون الإعلانات في المستقبل اكثر استهدافاً وملاءمة لبيانات كل مشاهد". وأضاف:"في الأشهر المقبلة سنجري تجارب لمعرفة كيف يتفاعل الناس مع تلك الإعلانات لبناء نموذج فعال ناجح بالنسبة الى المعلنين وإلى المستخدمين". ولاحظ هيرلي ان شركات الإعلان تتسابق لتكييف استراتيجياتها مع القوة المتزايدة للإنترنت. وكذلك توقّع ان تتجه اموال الدعاية من التلفزيون الى مواقع الإنترنت في المستقبل، بصورة مطردة. [email protected]