ينتهج الأميركيون والأوروبيون في سعيهم الى بعث عملية السلام الإسرائيلية - الفلسطينية الخطة التالية: تضييق الخناق على حكومة "حماس"، ووقف تدفّق الأموال والأسلحة إليها. ومحاولة قلب الموازين العسكرية وتخصيص عشرات ملايين الدولارات لتدريب قوات "فتح" وتزويدها بالعتاد العسكري. - دعم الرئيس الفلسطيني محمود عباس سياسياً، وحمل الإسرائيليين على تقديم تنازلات فعلية كالسماح بتحويل الأموال الى الفلسطينيين وإطلاق سراح الأسرى وإزالة الحواجز. - حمل الجانبين، في مرحلة لاحقة، على الاتفاق على انسحاب إسرائيل من بعض مناطق الضفة الغربية وإنشاء دولة فلسطينية تعترف حكومتها بإسرائيل وتنبذ العنف. وأخيراً، يصادق المجتمع الدولي على الاتفاق الاسرائيلي - الفلسطيني، ويقام احتفال بحضور كبار المسؤولين الأميركيين والأوروبيين والعرب. ويتعهد هؤلاء تمويل الدولة الجديدة. وحينها يجد الفلسطينيون نفسهم امام مفترق طرق، ويضطرون الى الاختيار بين تأييد"حماس"ومواجهة ما يترتب على هذا الخيار من عزلة ومصاعب وبين العيش في سلام وازدهار في ظل حكومة جديدة يدعمها المجتمع الدولي. وقد ترفض"حماس"دعوة الرئيس عباس الى تنظيم انتخابات مبكرة أو استفتاء شعبي، وتدخل في مواجهات عنيفة مع"فتح". ومن المتوقع أن تكون الغلبة لفريق الرئيس عباس، وهذا يحظى بدعم عسكري ومحلي عظيم. ولا شك في أن نظرية الأوروبيين والاميركيين منمقة ومثيرة للاهتمام، ولكن تطبيق هذه النظرية وتنفيذ مراحلها مستحيلان. فهي تفترض إقدام إدارة بوش خلال العامين المقبلين على ما سبق لها أن أثبتت عجزها عن الاقدام عليه، وما عزفت عن القيام به في الاعوام الستةّ الماضية، أي الاهتمام بالصراع الإسرائيلي - الفلسطيني، وانتهاج ديبلوماسية فعّالة والنجاح في انتزاع التنازلات من الإسرائيليين. وتفترض هذه التنازلات إقدام اسرائيل على خطوات مهمة في ظل ظروف أمنية هشّة. وتقوض الاضطرابات الأمنية فرص هذه الخطوات في النجاح وفي حصد النتائج المرجوة. ومن المرجح أن تفشل الخطة الاميركية - الاوروبية. وفي حال حقق فريقه"الفتحاوي"الحلم الغربي ونجح في تهميش"حماس"والحلول محلها، تجرع الرئيس عباس كأس الغدر الأميركية والإسرائيلية، وذاق طعم خيانتهما له للمرة الثالثة على التوالي. فاسرائيل وأميركا سبق لهما الاخلال بوعود قطعاها لعباس يوم حمل الاميركيون ياسر عرفات على تعيينه رئيساً للوزراء في 2004، وحين انتخب خلفاً لعرفات. ولا يزال الفلسطينيون ينتظرون وفاء الإسرائيليين والاميركيين بهذه الوعود إلى يومنا هذا. والحق أن أخطر ادعاءات الخطة الاميركية - الاوروبية يرتبط بالواقع الفلسطيني. فنتائج الحرب الأهلية الوشيكة كارثية على الشعب الفلسطيني. وفي حال أصبحت قوات الحرس الرئاسي أقوى من"حماس"، افتقرت الى النفوذ بسبب اعتبار معظم الفلسطينيين أنها تنفذ التعليمات الأميركية والإسرائيلية. وجليّ أن الفشل سيكون من نصيب المساعي الغربية. ووجب علينا إدراك ذلك والاعتبار من تجربة العراق ولبنان وفلسطين نفسها. وفي حال انتصرت"فتح"، عادت"حماس"الى العمل السري، واستأنفت العمليات الانتحارية والهجمات الصاروخية. وهل يعقل أن تنجح مسيرة المفاوضات في مجتمع منقسم على نفسه ومهشم، ويتحمل الرد الاسرائيلي العنيف على عملياته العسكرية؟ ويخطئ من يحسب أن التوصل الى سلام ممكن مع حكومة فلسطينية تستبعد"حماس". فهذه الحركة ليست ظاهرة عابرة يُقضى عليها بقوة السلاح، بل هي، شأن فتح"، قوة أساسية في المجتمع الفلسطيني. ولن يفضي تجاوز"حماس"الى تغيير العلاقات الإسرائيلية - الفلسطينية والى إنهاء العنف واستئناف مفاوضات السلام بعد انسحاب إسرائيل من أجزاء كبيرة من الضفة الغربية. وثمة حل بديل، وهو غير مضمون النتائج، ولم يطرق أحد بابه بعد. ف"حماس"ترغب في أن تبسط سيادتها فعلياً، وأن تدير دفة الحكم من دون حصار دولي ومن دون عمليات عسكرية إسرائيلية. وعلى رغم عدم نبذها العنف رسمياً، أعربت"حماس"عن استعدادها لالتزام وقف إطلاق نار شامل. وأبدت"حماس"استعدادها، كذلك، للتعامل مباشرة مع إسرائيل في معالجة شؤون الحياة اليومية، وبطريقة غير مباشرة في حل القضايا المصيرية. وتقبل"حماس"مفاوضة عباس رئيس الوزراء الاسرائيلي إيهود أولمرت، وتحترم اتفاقاً اسرائيلياً - فلسطينياً شرط ان يصادق عليه الفلسطينيون في استفتاء شعبي. ولكن"حماس"لن تعترف بإسرائيل. وهذا مدعاة أسف. وإنما هل من فائدة في إغراق الشرق الاوسط بالعنف والفوضى بسبب رفض"حماس"الاقرار بشرعية إسرائيل في حين تعترف معظم دول العالم بالدولة الاسرائيلية؟ والحق أن محمود عباس اقترح هذا الحل منذ البداية. وأيد مشاركة الإسلاميين في الحياة السياسية، ورفض الدعوات الموجهة اليه، وهي دعوات خارجية ومحلية، للدخول في مواجهة عسكرية مع"حماس". ولكن عباس محاصر، ويواجه صرامة الموقف الغربي من جهة، والتعنت الإسلامي من جهة أخرى. ولا ريب في أن الرئيس الفلسطيني يجد نفسه مرغماً على انتهاج ما ليس من شيمه، أي العنف. ومن المرجح ألا يخرج عباس من المواجهات العسكرية مع"حماس"منتصراً. ولا شك في أن رئيس السلطة الفلسطينية هو المخول تشكيل حكومة وحدة وطنية مع"حماس"والتوصل إلى حل سلمي مع إسرائيل. ولا شك، كذلك، في أن مساندة مساعي الرئيس الفلسطيني السلمية أكثر حكمة مما تقترحه واشنطن. فاقتراحات واشنطن تنم عن جهل الواقع العربي. والدليل على ذلك مآل الامور بالعراق. عن روبرت مالي وهنري زيغمان، "انترناشونال هيرالد تريبيون" الدولية، 27 /12/ 2006