نشرت صحيفة "ذي نيشن" مقالاً بعنوان "إعصار كارتر"، كتبه هنري سيغمان، الصحافي ومدير "مجلس العلاقات الخارجية ومشروع الولاياتالمتحدة والشرق الأوسط"والمدير التنفيذي السابق ل"الكونغرس اليهودي الأميركي"، وتمحور حول كتاب الرئيس جيمي كارتر بعنوان"فلسطين، سلام لا فصل عنصري" أبارتيد. وكتب سيغمان، معلقاً على الضجة الكبيرة التي سبقت نشر الكتاب، معتبراً أن الإشكالية طرحها عنوان الكتاب قبل أن يطرحها مضمونه، لا سيما أن العنوان يبدو كأنه يشير إلى أن تجسيد الديموقراطية في الشرق الأوسط يتجه نحو إقامة نظام سياسي يحاكي بطبيعته نظام الفصل العنصري المعروف الذي شهدته جنوب أفريقيا، وإن لم يتعلق الأمر هذه المرة بالفصل العنصري بل بالفصل الإثني - الديني. ولاحظ سيغمان أن صدور كتاب كارتر تزامن مع انتخابات الكونغرس الأخيرة. كما سلط الضوء على موجة الإرباك التي اجتاحت زعماء الحزب الديموقراطي وأدّت الى تنصلهم من كارتر وكتابه الذي انتقد فيه بعض السياسات الإسرائيلية. ويشير سيغمان بسخرية إلى الحد الذي بلغه تنصل الديموقراطيين من الكتاب مع انضمام رئيس اللجنة الوطنية للحزب الديموقراطي هوارد دين، المعروف بتحرره وإقدامه على تحدي أفكار الحزب في العديد من المسائل، إلى زملائه من المتنصلين. وتحدى سيغمان توم لانتوس، الرئيس الجديد للجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب وسلفه هنري هايد أن يسميا السياسي الذي عارض انضمام رحبعام زئيفي، رئيس حزب" موليدات"، إلى حكومة اسحق شامير من خلال قوله إن انضمام الحزب، المنادي بسياسة التسفير الترانسفير، إلى الحكومة هو وصمة عار سياسية وأخلاقية واجتماعية كما أنه أمر من شأنه تلويث الحكومة الإسرائيلية. وقد اعتبر هذا السياسي أن ضم حزب"موليدات"إلى مجموعة الأحزاب الصهيونية الأخرى، يعزز قرار الأممالمتحدة القائل إن الصهيونية هي حركة عنصرية. وقال سيغمان إن من أطلق هذا التعليق المناهض هو بيني بيغن، السياسي اليميني ونجل رئيس الوزراء السابق مناحيم بيغن الذي كان من"أمراء"حزب الليكود. وأكمل مشيراً إلى أن حزب"الليكود"هاجم بلا هوادة"حزب العمل"لاعترافه بمنظمة التحرير الفلسطينية، التي اعتبرت حتى في أعقاب اتفاقية أوسلو، منظمة إرهابية. ثم أضاف أن إيهود أولمرت، وهو"أمير"آخر من أمراء"الليكود"والأكثر تشدداً بين أعضاء الحكومة في معارضته تعيين زئيفي، اعتبر أن من غير المقبول أن يعين رجل مثل زئيفي وزيراً في الحكومة. ولاحظ أنه حين كان أولمرت نائباً لآرييل شارون، كان متخوفاً من تحول الإسرائيليين إلى أقلية بين الفلسطينيين بفعل النمو الديموغرافي الفلسطيني. وحذر من تعرض الدولة الإسرائيلية إلى انتقاد المنظمات اليهودية التي قد تقاطع إسرائيل كما قاطعت نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا. وقال ان أولمرت نفسه الذي كان متخوفاً من وصمة العنصرية التي قد تلحق بإسرائيل، قام منذ أشهر بتعيين أفيغدور ليبرمان نائباً لرئيس الوزراء وهو صاحب النزعة العنصرية والمعادي للمعتقدات الديموقراطية وهو لا يكتفي بالدعوة إلى التطهير العرقي لجميع الفلسطينيين من الأراضي المحتلة، بل يدعو أيضاً إلى التخلص من العرب الإسرائيليين. ويشير سيغمان في هذا الصدد إلى ازدواجية معايير تعامل الحكومة الإسرائيلية مع الفلسطينيين فيتساءل: كيف للحكومة الإسرائيلية أن تفرض عقوبات شديدة على حكومة"حماس"التي لا تعترف بوجود إسرائيل، في حين أن نائب رئيسها ليبرمان لا يعترف بدوره للفلسطينيين بحقهم في بوصة من أرضهم؟ ومن سخريات الجدل القائم حول كتاب كارتر أو عنوانه أنه لا بد للمرء من أن يلاحظ تفوق انتقادات إعلام إسرائيل المكتوب والمرئي لسياسات الحكومات الإسرائيلية على الإعلام الأميركي. ويشير إلى أن معظم المقالات في إسرائيل غير قابلة للنشر في أكبر الصحف الأميركية. ويشدد سيغمان على عدم إلمام الديموقراطيين والجمهوريين الكافي بالنمط الانتخابي لليهود الأميركيين. وفي نظر سيغمان، يعود الذعر الذي أثاره عنوان الكتاب إلى اعتقاد الطرفين أن اليهود الأميركيين يؤازرون السياسة اليمينية المتطرفة لمنظمات على غرار"مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الكبرى"و"الجمعية الأميركية الإسرائيلية لشؤون العلاقات العامة"إيباك، وهي منظمات قد يتوقف عملها إذا قرر الإسرائيليون انتخاب حكومة تستبدل الحل العسكري بالحل السياسي. ويؤكد ان انحياز هذه المنظمات الإسرائيلية الأعمى لم يشكل قط مقياساً دقيقاً لطريقة تفكير اليهود الأميركيين أو تصرفهم. فما من شك ان الغالبية الساحقة من اليهود الأميركيين تهتم بأمن إسرائيل وبوجودها، غير أن ذلك لا يحتم بالضرورة، بحسب قوله، دعماً أعمى للسياسات التي تنتهجها الحكومات الإسرائيلية المتلاحقة والتي يبدو أنها تستخف بأمن إسرائيل. ويضيف سيغمان أن غالبية اليهود الأميركيين تدرك تماماً استخدام الديموقراطيين والجمهوريين المتهور لملف الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي وفقاً لما تمليه عليهم مصالحهم. ويعود سيغمان إلى كتاب كارتر ليشير إلى أن الرئيس الأميركي السابق استعاد في صفحات الكتاب الدور الفاصل الذي لعبه من خلال مطالبته بعقد محادثات كامب ديفيد سنة 1978 والتي نتج عنها اتفاق السلام التاريخي بين مصر وإسرائيل. ويستعيد سيغمان"المقتطفات التاريخية"التي سبقت وتلت توقيع الاتفاق وبعض المواقف لأهم شخصياتها على غرار الرئيس المصري انور السادات ومناحيم بيغن والانطباعات التي كتبها كارتر عن هذه الحقبة. وفي سياق استعراضه للمقتطفات التاريخية خلال مرحلة مباحثات كامب دايفيد، توقف سيغمان عند فترة مفصلية من مسيرة الاتفاق. فبموجبه أسس الفريقان المصري والإسرائيلي لجنة مشتركة لتطبيق الشروط المتعلقة بإقامة سلطة فلسطينية ذات حكم ذاتي. ومثّل كل من موشي دايان وعازر وايزمن إسرائيل في اللجنة، إلا أنهما استقالا حين أدركا أن بيغن لم تكن لديه النية الجدية لتنفيذ شروط الاتفاق. ويشير سيغمان إلى أن كارتر يحمل مناحيم بيغن مسؤولية فشل إسرائيل في تطبيق"الحكم الذاتي الفلسطيني"بسبب عدم التزامه وعد تجميد النشاط الاستيطاني. كما أن كارتر، وبحسب سيغمان، يلوم نفسه لعدم حصوله على وعد خطي من بيغن. ويعتبر أن النتيجة الكارثية لاستمرار السياسة الاستيطانية الإسرائيلية هي الفكرة الموجهة التي تتكرر في جميع فصول كتاب كارتر الذي استعاد اتفاق أوسلو وقمة كمب ديفيد سنة 2000 واقتراحات السلام التي تقدم بها الرئيس بيل كلنتون و"خريطة الطريق"، ومعاهدة جنيف سنة 2003، وفك الارتباط الأحادي الجانب في غزة من جانب شارون"إضافة إلى الانتخابات التشريعية التي فازت فيها"حماس"والحرب على لبنان وتدهور الحالة في غزة. ويشير سيغمان إلى أن أي محاولة جادة من الرئيس جورج بوش، المنحاز لإسرائيل، لدفع عملية السلام من شأنها أن تخيف أولمرت وحكومته. وفي رأي سيغمان، فإن تفادي الطابع الثنائي لعملية السلام شكل الهدف الاستراتيجي لحكومة شارون"الليكودية"وحكومة أولمرت الائتلافية لتتمكنا من ترسيم أحادي الجانب للحدود الإسرائيلية. ويرى أن إدانة كارتر للسياسات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة ليست نابعة من تبنيه لتوجه إيديولوجي معين أو نزعة معادية لإسرائيل"بل على العكس فهو يكن للشعب الإسرائيلي وإنجازاته فائق التقدير كما أنه يتعاطف مع معاناته من الهجمات التي يشنها الفلسطينيون بواسطة القنابل ويحرص على تحذير الفلسطينيين من أن الإرهاب لن يساهم سوى في تفريغ قضيتهم الوطنية من صدقيتها. ويذكر سيغمان أن كارتر كرر ثلاثة شروط ضرورية لاستئناف عملية السلام وحل الصراع القائم. الأول هو ضمانات لأمن إسرائيل، والثاني توفير وضع حد نهائي للعنف الفلسطيني، والثالث اعتراف إسرائيل بحق الفلسطينيين في قيام دولتهم ضمن حدود 1967. إلا أن سيغمان يؤكد من جهة أخرى تعاطف كارتر مع معاناة الشعب الفلسطيني الرازح تحت حصار شهده هو نفسه عن قرب خلال زياراته العديدة الى المنطقة. وينهي مقاله متناولاً الاتهامات التي وجهها المحامي آلن ديرشوفيتز وآخرون إلى كارتر بأنه لا يهتم بأمن إسرائيل. ويؤكد سيغمان أن كارتر هو الوحيد حتى اليوم الذي ساهم في تعزيز أمن إسرائيل من خلال إخراج مصر من المحور المناهض لوجودها. ومن المعلوم ان اتفاق السلام بين مصر وإسرائيل أدى إلى إلغاء إمكان اعتداء عربي مشترك على الدولة العبرية. ولم يغفر الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد لأنور السادات هذه الخطوة حتى بعد اغتياله. ويختتم سيغمان مقاله باعتبار كتاب كارتر رسالة تذكير مهمة بأن اتفاق كمب ديفيد ساهم في إقامة سلام دائم بين مصر وإسرائيل كما أنه شكل نموذجاً لمعظم مبادرات السلام الفلسطينية - الإسرائيلية التي تلته. ويعتبر أخيراً أن ضخامة هذا الإنجاز من شأنها أن تضع الانتقادات التافهة للرئيس كارتر وكتابه الأخير في الإطار المناسب.