يجلس أبو أحمد أمام محله القريب من مسجد عبدالناصر في منطقة كورنيش المزرعة. إلى جانبه يجلس رجل آخر، في يده سبّحة، مردداً عبارات دينية. من الرصيف حيث يجلس الرجلان، يمكن مشاهدة بقايا الأضرار التي خلفها الاحتكاك بين أنصار المعارضة خلال إضرابهم أول من أمس، وبين شبان المنطقة. على بعد خطوات من الرجلين تبدو الحياة شبه عادية. ينظم شرطي المرور السير على جانبي الطريق. وترتفع على الشارات الضوئية أعلام"تيار المستقبل"، وفي الساحة القريبة صور للراحلين الرئيس جمال عبدالناصر والمفتي حسن خالد. النقطة حيث يقف شرطي السير بالضبط، شكلت أول من أمس،"خط تماس"بين الطريق الجديدة ذات الخصوصية السنية وشارع بربور المختلط طائفياً، مع وجود ملحوظ لأبناء الطائفة الشيعية. يرفض أبو احمد الخوض في تفاصيل ما حدث قبل يوم، ويروي ما شاهده بأم العين، خلال وقوفه بجانب إشارة المرور. يقول بلهجة بيروتية وبطريقة تشبه أسلوب الفنان الراحل شوشو بالكلام، تاركاً للمستمع أن يسمي الأشياء بأسمائها:"المنطقة تنتمي إلى طائفة معينة. استفاق أهلها على إحراق الدواليب، ووجدوا أبناء طائفة ثانية من بربور يقطعون الطرق المؤدية إلى منطقتهم. لم يتحمل شبان المنطقة من أبناء الطائفة الأولى الاستفزاز، فنزلوا إلى الشارع ليدافعوا عن منطقتهم. أزاحوا الإطارات المشتعلة، وعندها أطلق شبان الطائفة الثانية شتائم بحق الطائفة الأولى، فرد شبان الطائفة الأولى بالمثل". ويلمح إلى أن"عناصر الجيش وقفوا يتفرجون على الشبان في البداية، إلى أن كبر المشكل وبدأ التراشق بالحجارة". في تلك اللحظة يقول أبو أحمد انه غادر إلى منزله، وشاهد عن الشرفة"سيارات على جانبي الطريق تتحطم، جرحى واعتقالات من الفريقين، وتدخل الجيش في مرات كثيرة، لكن تواصلت الاشتباكات وظلت تتجدد حتى الليل". تقود تفرعات الكورنيش إلى الطريق الجديدة، حيث الحياة أمس، كانت تشبهها في أي يوم عادي. فتحت المحال والمدارس والجامعات أبوابها، وإن بدت حركة السير خفيفة إذا ما قورنت بأيام أخرى. ترتفع صور الرئيس الشهيد رفيق الحريري ونجله النائب سعد الحريري ورئيس الحكومة فؤاد السنيورة، وتكثر لافتات وعبارات مثل:"سيبقى فؤاد السنيورة نجمة في سماء لبنان". من الشرفات أيضاً، تتدلى أعلام لبنان، ويتوسط الطريق إطاران مثبتان على الأرض، وعلم"تيار المستقبل". على مداخل الطريق الجديدة وبربور في المقلب الآخر، حيث الحياة أيضاً عادية وصور زعماء من المعارضة والموالاة، يتكثف وجود عناصر الجيش اللبناني والآليات العسكرية تحسباً لاشتباكات محتملة. يقع فندق"الديبلومات"في أحد تفرعات منطقة الروشة حيث وقع أحد اعنف الاشتباكات وسقط جرحى بإطلاق نار متبادل، على مقربة من تلفزيون"المستقبل". يقول أحد الموظفين إن الفندق لم يقفل خلال الإضراب، لكنهم اضطروا إلى إسدال الستائر، ومراقبة"شبان من المنطقة يتصدون لشبان كانوا يقطعون الطريق"، من دون أن يعرف من الذي بدأ المشكل. لا يبدو الموظف معنياً بسرد تفاصيل كثيرة. ويقول إن"في الفندق غرفتين محجوزتين فقط". آثار الإطارات المحترقة على الأرض، تقود إلى المبنى المدمر مقابل مطعم أميركي للوجبات السريعة، حيث كانت اشتباكات متنقلة. على ركام المبنى رميت سيارة أحرقت خلال الاحتجاجات أول من أمس. من الروشة إلى وسط البلد، ما زالت آثار الدخان الأسود ورائحة الحريق تعبق في الأجواء. وكلما اقتربنا من الوسط ازداد لون الدخان العالق على الجدران والأرض اسوداداً وكثافة. وبقيت نوافذ منازل كثيرة مقفلة أمس. في بشارة الخوري كما في البسطة والطيونة، الحياة شبه عادية. على جوانب الطرق ترتفع تلال من الردم والبقايا المحروقة كانت أزيلت عن وسط الطريق تمهيداً لرفعها إلى مكان آخر. على الجوانب أيضاً مستوعبات"سوكلين"المحروقة، وعمال الشركة بلباسهم الأخضر يكنسون الطرق. في شوارع كثيرة من بيروت لم يترك الأهالي عبء التنظيف على عمال سوكلين وحدهم. مدوا خراطيم المياه من المنازل وغسلوا الطرق والحيطان. أمس، غطى السائل الأسود شوارع العاصمة، وقال شاب يرش الماء أمام محله في الضناوي إن"يوماً واحد لن يكفي لنزيل دخان الأمس".