يشهد لبنان جولة جديدة من المواجهة بين الأكثرية والمعارضة قد تكون الأعنف منذ ان بدأت الأخيرة اعتصامها في الوسط التجاري لبيروت في الأول من الشهر الماضي، مع الدعوة غداً الى الإضراب العام احتجاجاً على تجاهل مطالبتها بتشكيل حكومة وحدة وطنية وعلى الاستخفاف بتحركها "المليوني" ضد حكومة فؤاد السنيورة والقوى الداعمة لها،"وإمعان الوزراء فيها بارتكاب مخالفات يعاقب عليها القانون". إلا ان دعوة المعارضة للإضراب العام كخطوة على طريق قيامها بتحرك تصعيدي لا مثيل له كما تقول مصادر قيادية فيها، ولن يتوقف ما لم ترضخ الأكثرية لمطالبها، قوبلت بمجموعة من التساؤلات حول الجدوى من اللجوء الى التصعيد أخذت تطرحها قيادات في الأكثرية رأت ان المعارضة تخفي وراء تحركها مشروعاً انقلابياً اضافة الى انه يستهدف مؤتمر"باريس -3"الذي يعقد الخميس المقبل في العاصمة الفرنسية، وينطوي على الاستجابة الطوعية لطلب القيادة السورية بجر البلد الى حال من الفوضى وصولاً الى المجهول لمنع تشكيل المحكمة الدولية لمحاكمة المتهمين في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري. ضد إدارة الظهر وأكدت مصادر في المعارضة لپ"الحياة"ان الأكثرية حشرتها ودفعت بها الى الحائط المسدود عندما رفضت الاستجابة لمطالبها وأمعنت في إدارة الظهر لها، وأهملت الحشود المليونية التي تقاطرت الى ساحتي رياض الصلح والشهداء تضامناً مع مواقفها ضد الحكومة. وأضافت المصادر نفسها"انه لم يكن امام المعارضة من خيار سوى اللجوء الى التصعيد بعدما تجاهلت الأكثرية الإنذارات التي وجهتها إليها، وأخذت تعد العدة للذهاب الى"باريس -3"من دون ان تكترث لملاحظاتنا على الورقة الاقتصادية التي أعدتها الحكومة لهذا المؤتمر مع اننا نرحب بأية مساعدات عربية ودولية يمكن ان تعطى للبنان شرط ألا تكون مقرونة بشروط سياسية". وتابعت ان الأكثرية"لم تكترث للتحرك التصعيدي التدريجي الذي بدأناه في الوسط التجاري وامتد منه الى عدد من الوزارات والإدارات الرسمية وأخذت تتصرف منذ فترة وكأننا غير موجودين ولا تبالي للصرخات الاحتجاجية التي نطلقها، اضافة الى انها تعتقد بأن عودتها من باريس -3 محملة بالمساعدات والوعود ستتيح لها التفرد في إدارة شؤون البلد وفي تقرير مصيره بمنأى عن مشاركة قوة أساسية فاعلة في الحياة السياسية". وأكدت المصادر نفسها ان الدعوة الى الإضراب العام"ستكون بمثابة الإنذار الأول على طريق التصعيد، لا سيما ان عندنا مجموعة من الخطوات سنلجأ إلى الإعلان عنها ليل غد الثلثاء لنباشر تطبيقها على الأرض بدءاً من الأربعاء". وإذ لم تجزم المصادر ما اذا كانت الدعوة الى الاضراب العام ستقتصر على الإقفال السلمي للمؤسسات والمحال التجارية ولن يتخللها قطع الطرق الرئيسة في بيروت وسائر المناطق وإحراق الإطارات، قالت أوساط في لجنة المتابعة المنبثقة عن المعارضة لپ"الحياة"ان أي قرار بهذا الشأن لم يتخذ"لكننا لن نمنع المشاركين من القيام بأي رد فعل اعتراضي بما فيه قطع الطرق وإحراق الإطارات". ونفت هذه الأوساط الاتهامات الموجهة إليها بأنها سارعت الى التلويح بقطع الطرق وإحراق الإطارات اعتقاداً منها بأن الدعوة الى الاضراب العام ستتعرض الى خروق في مناطق عدة وأن الاستجابة ستأتي ناقصة، وبالتالي فإن لا مفر امامها سوى التهويل بهذه الخطوات لمنع الناس من الخروج على قرار المعارضة وبالتالي اضطرارهم الى ملازمة منازلهم. سيناريو حصار للأكثرية وأكدت ان المعارضة لن تتصدى لمن يحاول تطوير الحركة الاحتجاجية كاشفة عن أبرز العناوين التي ستتضمنها الخطة التي وضعتها لإنجاح الإضراب العام. وإذ أحجمت عن الدخول في تفاصيلها، علمت"الحياة"من مصادر في المعارضة انها أعدت ليوم غد الثلثاء سيناريو للتحرك"يأخذ في الاعتبار فرض حصار شديد على الأكثرية والحكومة حتى لو اضطرت الى صرف النظر عن خطوات ستنفذ على الأرض ليست ملحوظة في خطتها الأصلية للتحرك". وفي هذا السياق، تردد ان بعض قوى المعارضة توافقت في ما بينها على توزيع الأدوار ليوم الثلثاء ليأتي التحرك على النحو الآتي: - تنظيم حشود كبيرة عند المداخل الرئيسة المؤدية الى بيروت وإحضار تجمعات بالألوف سيطلب منها قطع اوتوستراد الدورة المتن الشمالي ووسط مدينتي جبيل والبترون الساحليتين والشوارع الرئيسة في قضاء الكورة. - يترك لقوى المعارضة في طرابلس والبقاع الغربي اتخاذ القرار المناسب لإنجاح الدعوة الى الإضراب العام. - تجنب الدخول الى الأحياء السنية في وسط العاصمة، وتفادي قطع الطرق على طريق الساحل الذي يربطه بقرى الشوف، مع تكليف قوى في المعارضة باتخاذ ما يلزم لإنجاح الاضراب في منطقة عاليه. - وبالنسبة الى الوضع في صيدا وجوارها، فإن النقاش الدائر بين قوى المعارضة يدور على خطين متعارضين: الأول يدعو الى شمولها بقطع الطرق وإحراق الإطارات بخلاف الآخر الذي يفضل تحييد عاصمة الجنوب نظراً الى تداخل العامل الفلسطيني في أوضاعها وبالتالي تجنب أي ردود فعل قد تكون غير محسوبة. - التيار الوطني الحر بزعامة العماد ميشال عون سيتصدر التحرك الاحتجاجي في المناطق المسيحية وهو كان أعلم حلفاء له النائبان ميشال المر وإيلي سكاف والوزير السابق سليمان فرنجية وقيادة حزب الطاشناق بقرار المعارضة الدعوة الى الاضراب العام من دون ان يعترضوا على تحركه، لكن يبقى السؤال حول مدى قدرته على إنجاح الإضراب في منطقة زحلة، وهل يخرج رئيس"الكتلة الشعبية"النيابية ايلي سكاف عن تردده ويقرر في اللحظة الأخيرة الاستجابة كلياً لطلب المعارضة؟ موقف بري وفي معرض الحديث عن توزيع الأدوار داخل قوى المعارضة، لا بد من التوقف عند الموقفين الميداني والسياسي لرئيس المجلس النيابي نبيه بري. وعلى رغم ان مسؤولين في حركة"أمل"منهم النائب علي حسن خليل يشاركون بقوة في اجتماعات المعارضة ولجنة المتابعة المنبثقة عنها، فإن هذا لا يمنع السؤال عن موقف بري وهو مشغول البال حيال ما آلت إليه الأوضاع في البلد ويبدي أكثر من غيره قلقه على المستقبل انطلاقاً من سؤاله ماذا بعد الاضراب العام والى أين سنذهب؟ وإذا كان بري كما يقول مراقبون للمشهد السياسي العام في البلد، يأخذ على الأكثرية انها لم تتجاوب مع المعارضة ويحمّلها مسؤولية الذهاب بعيداً في موقفها وصولاً الى إقفال الباب في وجه مشاريع الحلول، فإنه يتصرف في المقابل وكأنه الأشد قلقاً على مصير البلد إذا ما استمرت المواجهات من دون ان تلوح في الأفق بوادر انفراج على الأقل في المدى المنظور. فبري المشغول باله، لا يقوّم موقفه من باب الربح والخسارة فحسب وإنما من زاوية السؤال عن مدى قدرة الجميع على ضبط الوضع من ناحية وعلى قطع الطريق على من يحاول الدخول على خط التصعيد لأغراض لا تمت بصلة على الأقل الى القوى الرئيسة في المعارضة. ناهيك بأن رئيس المجلس النيابي يرفض بحسب المراقبين انفسهم، الدخول في لعبة الربح والخسارة في معركة كان يفضل عدم الوصول إليها او الاقتراب منها، خصوصاً ان المستفيدين، وعلى ذمة المراقبين، هم الذين لا يملكون ما يخسرونه وأن التسوية ستمنحهم موقعاً كانوا خسروه في الانتخابات الأخيرة. كما ان بري الذي لم يقل"لا"صريحة للدعوة الى الاضراب العام، لا يزال يتعرض لموجة من الانتقادات من بعض حلفاء سورية بذريعة ان مواقفه المترددة كانت وراء تمييع تحرك المعارضة منذ ان قررت الاعتصام في وسط بيروت، اضافة الى ان رئيس الجمهورية اميل لحود يتساءل عن السر الذي لا يزال يكمن عند بري ويمنعه من التناغم معه او حتى الاتصال به بخلاف القوى الأخرى في المعارضة. "حزب الله" وبالنسبة الى"حزب الله"فإنه يحمّل الأكثرية مسؤولية مباشرة إزاء اضطراره اللجوء الى التصعيد كخرطوشة سياسية اخيرة يطلقها بغية تحريك الجمود لفتح آفاق جديدة للتسوية، نافياً على لسان مصادره ان يصنف تحركه في خانة الوفاء الأخلاقي لحليفه العماد عون على مواقفه منه، خصوصاً في فترة العدوان الإسرائيلي على لبنان، مؤكداً ان التحرك يأتي للرد على محاولات الاستخفاف بحجم المعارضة من جانب الأكثرية، ومستغرباً ما يقال على لسان الأخيرة من ان القيادة السورية فرضت عليه التصعيد كأمر واقع غير قادر على تجاوزه. جنبلاط والمبادرة العربية وبالعودة الى موقف الأكثرية أكدت مصادر قيادية فيها ان"حزب الله"كان وراء إطاحة المبادرة العربية التي حملها معه الى بيروت الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى، مستغربة تحميل رئيس"اللقاء النيابي الديموقراطي"وليد جنبلاط مسؤولية ايصال البلد الى التصعيد بذريعة ان الحزب التقدمي الاشتراكي الذي يتزعمه هاجم في بيان رئيس مجلس الأمن القومي الإيراني محمد علي لاريجاني. وأضافت ان جنبلاط لم يعترض على المشاورات الجارية بين السعودية وطهران ممثلة بلاريجاني وإنما انتقد الحزب الأخير في معرض الرد على حملاته ضد الأكثرية. وكشفت ان رد الحزب التقدمي جاء بعدما تبلغ السفير السعودي في بيروت عبدالعزيز خوجة وتحديداً الخميس الماضي من مسؤولين بارزين في"حزب الله"رفضهم أية تسوية تقوم على صيغة تشكيل حكومة جديدة من 19 وزيراً للأكثرية في مقابل عشرة وزراء للمعارضة ووزير ملك يتفق بين الطرفين على اختياره. ولفتت الى ان"حزب الله"اكد تمسكه بالأكثرية الضامنة، أي الثلث المعطل، اضافة الى إصراره على إجراء انتخابات نيابية مبكرة وذلك حرصاً منه على حماية تحالفه مع العماد عون وعدم التفريط فيه، مؤكدة ان رمي المسؤولية على جنبلاط يأتي من باب الهروب الى الأمام، خصوصاً ان"حزب الله"رفض المخرج الذي طرح من اجل تجاوز السجال حول المحكمة الدولية والذي ينطلق من تكليف لجنة مشتركة للاتفاق على الملاحظات الخاصة بهذه المحكمة على ان تتولى الحكومة الجديدة حسم هذه المسألة بعد التوقيع على ورقة تفاهم بين الأطراف المعنية.