لم تحجب عطلة الأعياد الأنظار عن السجال الذي لا يزال يدور بعيداً من الأضواء حول المبادرة التي يستعد رئيس المجلس النيابي نبيه بري لاطلاقها قريباً والتي يتعامل معها، بحسب زواره، على أنها ليست بديلة من المبادرة التي طرحها الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى، بمقدار ما انها تأتي بمثابة رد مباشر على المواقف التي صدرت عن بعض الشخصيات في المعارضة وأبرزها النائب السابق سليمان فرنجية والتي نعى فيها المبادرة العربية متوقعاً اندلاع حرب جديدة في لبنان. ويؤكد زوار رئيس المجلس أنه اضطر شخصياً للرد على ما صدر عن فرنجية من مواقف ليست ملزمة للقوى الرئيسة في المعارضة، نافياً أن يكون في نيته الالتفاف على المبادرة العربية التي حملها الى بيروت عمرو موسى لإيجاد مخرج للتأزم السياسي المستمر في البلد. ويضيف هؤلاء أن بري كان واضحاً بدعوته موسى الى العودة الى بيروت فور انتهاء عطلة الأعياد وأنه سيكون اذا ما اضطر الأمر على رأس مستقبليه في مطار بيروت اذا عاد حاملاً ما يبعث على التفاؤل بأن الأجواء العربية تشهد انفراجاً وتحديداً بين الرياض والقاهرة من جهة وبين دمشق من جهة ثانية من شأنه أن يوفر الغطاء العربي لإنجاح مبادرته. وإذ يحمّل بري على طريقته، كما تقول أوساطه، رئيس"اللقاء النيابي الديموقراطي"وليد جنبلاط مسؤولية تصويب النار بالمعنى السياسي على مبادرته، يؤكد في المقابل أن من غير الجائز الاستسلام للتصعيد السياسي، وبالتالي لا بد من التحرك للتأكيد أن الأبواب لم توصد كلياً في وجه استنباط الحلول للأزمة اللبنانية. ويرى أيضاً أن البلد في حال استمر التصعيد السياسي، سيذهب الى الفوضى وأن المسؤولية تقع على عاتق الجميع ليس للجم التدهور فحسب وإنما للإبقاء على الحوار والتواصل بين القيادات اللبنانية. وفي هذا السياق، يوضح بري كما تقول أوساطه، أن مبادرته تنطلق من تشكيل حكومة أقطاب من عشرة، تتمثل فيها القيادات الرئيسة بصورة مباشرة أو من ينوب عنهم، وأن المقصود بوزراء حياديين اشراك من لم يكونوا طرفاً في تبادل حملات التشكيك والتخوين. ويضيف:"أظن أن ليس هناك من وزراء حياديين في ضوء ما يدور في لبنان، لكن هذا لا يمنع الاستعانة بكتلة من الشخصيات القادرة على لعب دور ضاغط على أطراف النزاع ليس من أجل السيطرة على الوضع للحؤول دون تصاعد التأزم السياسي فحسب، وإنما أيضاً لدفعهم الى تقديم تنازلات متبادلة كأساس لإنتاج تسوية متوازنة". ويؤكد بري أن حكومة الأقطاب قادرة على طرح كل الملفات على طاولة مجلس الوزراء لايجاد الحلول لها، بدءاً بالمحكمة الدولية، لكنه يسأل عن الجدوى من توجيه اتهام الى حزب لبناني حزب الله بأنه شريك في الجرائم التي ارتكبت في البلد، وعما اذا كان هذا يسهم في الإسراع في حسم الموقف من قانون المحكمة، وخصوصاً أن لدى هذا الحزب مجموعة من الهواجس والمخاوف تستدعي التعاون لتبديدها كمدخل لإقرار المشروع الخاص بالمحكمة. كما يستغرب بري كيف استعجل بعضهم"اطلاق النار"على المبادرة التي لا يزال يتشاور في الأفكار التي ستحملها وأن طرحه للبعض منها على عدد من السفراء لا يعني أنه في وارد تجاهل القوى الأساسية بما فيها الأكثرية"ولا سيما أني لست منقطعاً عن التواصل معها". وعلى صعيد آخر، تؤكد مصادر قيادية في قوى 14 آذار أنها تأخذ على الرئيس بري أنه بادر الى استمزاج رأي عدد من السفراء ومن بينهم سفيرا الولاياتالمتحدة الأميركية جيفري فيلتمان وفرنسا برنار ايمييه، قبل أن يتشاور مع الشريك الآخر في الوطن أي الأكثرية. وسألت هذه المصادر:"كيف تسمح المعارضة لنفسها وعلى رأسها رئيس المجلس بأن تتشاور في أفكار مع السفيرين الأميركي والفرنسي في لبنان في الوقت الذي تتهمهما بالتدخل في الشؤون اللبنانية؟". فيما استبعدت أن يكون لعودة سفير المملكة العربية السعودية في لبنان عبدالعزيز خوجة الى بيروت قاطعاً زيارته للمملكة أي علاقة بالمبادرة التي ينوي بري اطلاقها. وكشفت هذه المصادر لپ"الحياة"أن السفير خوجة اضطر الى قطع زيارته للمملكة بناء لتوجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز الذي رغب بأن يكون السفير خوجة على مقربة من التطورات في لبنان، ليشارك في الجهود الآيلة الى التهدئة، والعمل من أجل دعم المبادرات لانقاذ الوضع والعودة بالبلد الى حالته الطبيعية. وتتوافق أوساط بري مع ما تقوله المعارضة في شأن الأسباب الموجبة لعودة السفير خوجة على وجه السرعة الى بيروت، لكنها تغمز من قناة بعض الأطراف في الأكثرية بذريعة مخاوفها من احتمال التوصل الى تسوية. ناهيك بأن الأكثرية نقلت عن أن سفير دولة كبرى كان سأل بري عن الجدوى من مبادرته وما اذا كانت بديلة من مبادرة موسى، كما سألته عن الأسباب التي دفعته الى عدم طرح أفكاره على قوى الأكثرية؟ وعلى رغم أن بري أكد دعمه تحرك موسى، فإن السفير نفسه قال له صراحة إن بلاده تدعم التحرك العربي وبالتالي ما زالت تراهن عليه كأساس للحل. ويشار الى أن موسى الذي سيحسم في اليومين المقبلين موعد عودته الى بيروت، كان تشاور أول من أمس في آخر التطورات مع رئيس الحكومة فؤاد السنيورة وعدد من الوزراء اضافة الى تشاوره مع بري. ونقل وزراء ل"الحياة"عن موسى تساؤله عن خلفية المبادرة التي يستعد بري لطرحها، وما اذا كانت مرادفة للمبادرة العربية أو منافسة لها، خصوصاً أنه ابلغهم بأنه لم يستقل من دوره في تقريب وجهات النظر بين اللبنانيين. وأكد الوزراء أيضاً أن ما تسرب اليهم عن مبادرة بري يتعارض من حيث الأولويات مع مبادرة موسى لا سيما لجهة أن الأول يعطي الأولوية للحكومة الجديدة ثم الخلاف حول المحكمة الدولية، بخلاف الثاني الذي يشدد على ضرورة التلازم بين المحكمة وحكومة الوحدة الوطنية على أن يشكل الانتهاء من المحكمة المدخل الطبيعي لولادة الحكومة العتيدة. لذلك، فإن الأسبوع الأول من العام الجديد سيكون بمثابة اختبار ليس للنيات السياسية فحسب وإنما للتطورات التي سيشهدها لبنان، وما اذا كانت ستسلك اتجاهاً تصعيدياً مع استعداد المعارضة للبحث في تزخيم تحركها، أم أن الظروف ستكون مؤاتية لإعادة الاعتبار للحوار وصولاً الى التفاهم على تسوية قد تكون صعبة في رأي أوساط من الطرفين، لكنها قطعاً ليست مستحيلة شرط وجود استعداد لتقديم تنازلات متبادلة انما ليس على حساب اقرار قانون المحكمة الدولية واخراجه بصورة نهائية من التداول كمدخل للتوافق على مجمل النقاط السياسية العالقة.