تسود الوضع السياسي اللبناني حال من الفوضى والغموض والتشابك في التوجهات الى درجة التناقض في المواقف حتى ضمن قوى الصف الواحد. وإضافة الى الانقسام السياسي العمودي بين فريقين، مع كل التلاوين الطائفية والمذهبية لهذا الانقسام: المعارضة من جهة والأكثرية من جهة ثانية، تصطدم المساعي القائمة من أجل معالجة المأزق الذي يعيشه لبنان بفعل انعدام الثقة بين الطرفين بصعوبة تسويق المخارج من هذا المأزق لدى حلفاء القوى الأساسية في الفريقين، لا سيما داخل فريق المعارضة. وكان لافتاً أمس، وقبله، صدور مواقف عدة لا سيما من"تكتل التغيير والاصلاح"النيابي الذي يتزعمه العماد ميشال عون الذي اعتبر بعد اجتماع أعضائه أول من أمس أن"المبادرات الخارجية لا تؤتي ثمارها الا اذا جاءت داعمة لوفاق داخلي حقيقي وليس لتحقيق مصالح وتسويات اقليمية أو دولية تتخذ من الأزمة اللبنانية معبراً لها". كما كان لافتاً اعلان مصادر في"حزب الله"عبر تلفزيون"المنار"أول من أمس تعليقاً على ما نشر عن المساعي السعودية من أجل ترتيب لقاءات ثنائية وثلاثية بين رئيس المجلس النيابي نبيه بري وقيادة"حزب الله"وزعيم تيار"المستقبل"النائب سعد الحريري"ان الفريق الحاكم يحاول ايجاد شرخ بين أطراف المعارضة الوطنية من خلال الايحاء بأن"حزب الله"وحركة"أمل"يعملان على انجاز تسوية بعيداً عن بقية فرقاء المعارضة". وأشارت المصادر القيادية في الحزب لتلفزيون"المنار"الى أن الحزب"رفض هذا النوع من اللقاءات". كما أن الحزب نفى المعلومات عن لقاء السفير السعودي عبدالعزيز خوجة ورئيس المجلس النيابي نبيه بري والمعاون السياسي للأمين العام للحزب حسين الخليل بعد الاشكال الذي تسبب به تسريب نبأ الاجتماع الذي كان السفير خوجة طلب أن يكون بعيداً من الإعلام. وهو اجتماع، بحسب بعض المراقبين، أزعج بعض حلفاء"أمل"و"حزب الله"نظراً الى أنه تم من دون التشاور مع هؤلاء الحلفاء ومنهم العماد عون الذي ارتاب من المفاوضات التي يجريها بري والحزب. كما أن ما نقل عن تأكيد بري أن لا مبادرة سعودية يعود أيضاً الى ما بلغ بري عن انزعاج سعودي من تصنيف لتحرك السفير خوجة من أجل تحقيق انفراج بين الأفرقاء المختلفين عبر عقد لقاءات بين بعض الزعماء الرئيسين تمهيداً للبحث في المخارج الممكنة التي يمكن للأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى العودة الى بيروت من أجل انجاحها. وزاد في ارتياب عون من اللقاءات التي تجرى ومن خط التفاوض الذي فتح بين الحزب والمملكة العربية السعودية، في موازاة الاتصالات الايرانية ? السعودية الجارية حول الوضع في المنطقة ولخفض نسبة التوتر الشيعي ? السني في لبنان وغيره، اعلان رئيس كتلة"المستقبل"النائب الحريري استعداده للاجتماع مع نصر الله في أي وقت مشترطاً أن يكون منتجاً، في تصريحه بعد اجتماعه مع الرئيس الفرنسي جاك شيراك في باريس الأحد الماضي. فإضافة الى أن موقف الحريري أتى تجاوباً مع رغبة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز كان التقاه الأسبوع الماضي التي أبداها أمام وفد"حزب الله"الذي زار المملكة آخر عام 2006 في أن يلتقي قادة الحزب الحريري ورئيس الحكومة فؤاد السنيورة للتوصل الى حلول للخلافات القائمة، فإن المراقبين وجدوا في اعلان مصادر قيادية في الحزب عبر"المنار"أنه"رفض هذا النوع من اللقاءات لأن الخلاف سياسي وليس شخصياً"تطميناً لعون ازاء الريبة التي أملت عليه موقفه الذي انتقد المبادرات الخارجية و"التسويات الاقليمية". وفي المقابل قالت مصادر معارضة ان اعلان الحريري استعداده للقاء نصر الله أدخل الريبة الى عقل حليفه رئيس"اللقاء النيابي الديموقراطي"وليد جنبلاط الذي تابع التصعيد ضد"حزب الله"والمعارضة، لكن مصادر الأكثرية اشارت الى أن جنبلاط، وخلافاً لوضعية عون تجاه"حزب الله"هو على تنسيق يومي مع الحريري، وعلى اطلاع كامل على التحرك السعودي لتحقيق لقاءات تؤدي الى الانفراج وهو لا يمانع في عقدها، فضلاً عن تأييده مساعي السفير خوجة من أجل اعطاء دفع جديد لمهمة عمرو موسى، وأنه مطمئن الى موقف الرياض ونظرتها الى الوضع اللبناني ودعمها للسنيورة. ولا تقتصر أسباب الفوضى في المواقف السياسية من جهود التهدئة والعودة الى التفاوض على هذه الوقائع، التي يدحضها كل فريق ويرمي أسبابها على الفريق الخصم. فالتحرك الذي بدأته المعارضة باعتصامها في وسط بيروت في الأول من كانون الأول ديسمبر السنة الماضية يخضع لتقويم منذ أسبوعين لدى بعض أفرقائها في شكل متواصل. وتقول مصادر سياسية واسعة الاطلاع إن عدداً من قادة المعارضة من حلفاء دمشق عكفوا على تقويم نتائج التحرك الذي قامت به الى الآن في جلسة عقدوها مع بعض المسؤولين السوريين في السادس من الشهر الجاري، خصوصاً أن الاعتصام في وسط بيروت طال من دون نتائج وأن التصعيد المرتقب يواجه اصراراً من أفرقاء آخرين وخصوصاً الرئيس بري، على التريث فيه لمصلحة جهود الاتصالات السياسية الجارية من أجل اعطائها فرصة ايجاد المخارج الممكنة سواء داخلياً أم على صعيد العلاقة السعودية - السورية التي يحرص بري على وجوب بذل الجهود من أجل تحسينها. بري والمواقف الوسطية وأوضحت المصادر نفسها أن عدداً من القيادات المعارضة اشتكى من أن بري يعتمد سياسة وسطية ولينة تجاه الأكثرية وأنه لو أخذ موقفاً متصلباً منذ بداية التحرك لكانت المعارضة استطاعت حسم الموقف في سرعة أكثر لجهة سقوط حكومة السنيورة، وأن ما أخر الخطوات التصعيدية التي دعا اليها الوزير السابق سليمان فرنجية خصوصاً، انها أثارت انزعاج بري و"حزب الله"اللذين وجدا في الدعوة الى اقفال الطرقات الى المطار والمرفأ إضراراً بالمعارضة وجمهورها وبصورتها المعارضة في الخارج. كما تردد أن رئيس الجمهورية اميل لحود اشتكى لدى دمشق من أن بري لا ينسق معه ويتجاهله على رغم أن مواقفه تنسجم مع المعارضة، وأن هذا ما دفع برئيس المجلس الى انتقاد الأكثرية لرفضها التعاطي مع لحود ومع دمشق. وتفيد الأوساط التي اطلعت على هذا التقويم أن بعض المسؤولين السوريين أخذ به وأن بري تبلّغ الانتقادات التي وجهت الى أدائه المعارض. وفي وقت ذهب بعض قادة الأكثرية الى تفسير تصعيد بري لهجته تجاه الأكثرية، واتهامه اياها بافشال مبادرته التي سعى الى اطلاقها مع بداية السنة قيام حكومة من 10 تضم الاقطاب على قاعدة 3 للأكثرية و 3 للمعارضة و 4 حياديين، بأنه يعود الى حاجته الى الرد على اتهامه بالتهاون مع الأكثرية، ولارضاء بعض حلفائه حتى يقلعوا عن خوض الحملات ضده أمام المسؤولين السوريين، فإن أوساطاً سياسية أخرى، حيادية وأخرى في الأكثرية رأت في تصعيد بري الأخير ضغطاً من أجل تسريع الحلول خصوصاً أن بقاء أبوابها مقفلة سيضطره الى السير في ركاب الداعين الى التصعيد بالتزامن مع عقد مؤتمر"باريس ? 3". إلا أن أوساطاً أخرى مراقبة تعزو تصعيد بري وطرحه مبادرته الى عدم ارتياحه الى فتح خطوط التفاوض المستقل من جانب"حزب الله"بمعزل عنه، عبر زيارة وفد الحزب المملكة العربية السعودية، ثم زيارة السفير المصري حسين ضرار نصر الله حاملاً رسالة من الرئيس حسني مبارك، بعد أن كان بري هو المفوض الرئيس بالتفاوض باسم المعارضة مع القوى التي تبذل المساعي الخارجية ومع سفراء الدول الكبرى المتابعة لتفاصيل الوضع اللبناني. وتقول هذه الأوساط أنه مثلما كان العديد من القادة اللبنانيين في الأكثرية غير عارفين بزيارة وفد"حزب الله"السعودية، فإن بري بدوره علم بالزيارة بعد أن أصبح وفد الحزب في الرياض. وترى الأوساط نفسها أن هذا الأمر شجع بري على طرح أفكاره المستقلة بالتوازي مع هجومه على قادة الأكثرية حين تقدموا بعريضة طلب فتح دورة استثنائية للمجلس النيابي وهو ما تضمر من خلاله دعوة البرلمان الى مناقشة مشروع المحكمة الدولية، لكن الأوساط نفسها أشارت الى أن قيادة"حزب الله"تنبهت الى موقف بري وهواجسه، وأنها عادت وأكدت حرصها على التنسيق معه في كل المواقف وعمليات التفاوض على المخارج للحلول السياسية بما فيها العلاقة مع أطراف خارجية مثل السعودية ومصر. وهذا ما ظهر في اجتماع خوجة مع بري والخليل السبت الماضي. ويلغط الوسط السياسي بالكثير من المعطيات عن مصاعب الملاءمة بين الحلفاء سواء في المعارضة أم في الأكثرية، وانعكاس ذلك صعوبة في التوصل الى حلول نظراً الى ارتياب الحلفاء من بعض تحركاتهم. وتخشى أوساط مراقبة من أن يقود ذلك، خصوصاً في صفوف المعارضة، الى معالجة هذه الاشكالات عبر الهروب الى الأمام بالمزيد من التصعيد الذي يزيد من تعقيدات المأزق السياسي الذي يعيشه لبنان.