يوم السبت - الأول من أيام عيد الأضحى - كان خاصاً بالتأكيد... إذ من النادر جداً أن يتم إعدام رئيس جمهورية سابق أو بالأحرى ديكتاتور مزمن... في شكل رسمي ونظامي وعلني جداً في هذا العالم، وخصوصاً في العالم العربي... كما أنه من الأندر، بل الغريب، أن يتم مثل هذا الإعدام في أول أيام أهم عيد للمسلمين في العالم. هكذا كان يوم السبت... عيداً من جهة... وإعداماً من جهة. وبالطبع، فقد صاحب ذلك تفجيرات كبرى في بغداد وغيرها من المدن... حصدت أكثر من 70 روحاً بريئة... ربما انتقاماً لإعدام صدام. اللدودتان،"الجزيرة"و"العربية"لم تناما تلك الليلة... سهرتا مع ليلة صدام الأخيرة، القصيرة، في هذا العالم. في الصباح كانت مذيعة"الجزيرة"في التغطية المتصلة بتنفيذ عقوبة الاعدام ترتدي السواد... لا أدري عن قناعة ذاتية أم تعبيراً عن موقف المحطة الملتبس. في المساء، لحقت"العربية""بالجزيرة"... وظهرت إحدى مذيعاتها الجميلات متشحة بالسواد أيضاً، ويتسم حديثها بالعصبية... ومن جديد، لا ندري هل كان ذلك بناءً على قناعة ذاتية أم تعبيراً عن موقف المحطة الملتبس. لا يخفى على أحد المنافسة والغيرة بين المحطتين... وكذلك تقليد بعضهما البعض عندما يتطلب الأمر ذلك أو يضيق الخيال... ولا يخفى أيضاً على أحد استقطابهما السياسي/الإعلامي الخفي في الصراعات والقضايا العربية أيضاً."الجزيرة"تصطف مع كل ما هو ضد أميركا في كل مكان: حزب الله، التطرف الإسلامي الدولي، حماس، المحاكم الاسلامية في الصومال، ايران وقنبلتها الذرية، العنف والفوضى في العراق، الحكومة السودانية الرسمية، طالبان... القاعدة... أما"العربية"فتتبنى مواقف جبهة الاعتدال السياسي العربي السعودي/ المصري/ الأردني التي تقترب مواقفها في أكثر الاحيان الى المواقف الدولية... والتي تختلف عن مواقف"الجزيرة"أو تتبعد عنها الى حد كبير. وبالطبع، فإن معظم التغطية الإعلامية انصبت على موعد أو توقيت الإعدام... والدوافع السياسية وراءه أو الطائفية، كما قال بعض المتحدثين. وبالطبع فإن الإعلام"العصري"يضخم الحدث المركزي ويعمل له"دراماتايزيشن"... بحيث يتحول المجرم الى ضحية في النهاية... والقتلى من الابرياء الى ضحايا منسيين. وهكذا كان مقتل سبعين شخصاً غدراً في أول أيام العيد... مجرد خبر على الشريط الإخباري السفلي. أما"البطل"الإعلامي المركزي... فقد كان صدام حسين الذي احتل الشاشات والأحاديث والتغطيات ساعات وساعات... والذي يعرف الجميع تماماً مصيره النهائي منذ اللحظة الأولى لاعتقاله"التلفزيوني"جداً. فقد قتلوا ولديه وحفيده مباشرة بتصميم وإصرار... أما هو فقد تركوه حياً لأغراض اعلامية وسياسية تتعلق بمستقبل الوجود الأميركي في العراق... ولإذكاء الصراع الدموي الداخلي في العراق أيضاً وبالفعل، كانت أيام محاكمته مشهوداً لها بالعنف والإرهاب الأعمى في العراق. وهكذا حصلنا في النهاية على عدالة"متأخرة"... في ظل اوضاع حياتية وأمنية أسوأ من أيام صدام حسين... ما أدى الى جعل مثل هذه العدالة وتوقيتها موضع التساؤل... حتى بين العراقيين أنفسهم. وبدل المسرح والسينما والأوبرا وكرة القدم و"مصارعة الأسود"لمتعة الناس والتنفيس عن احتقاناتهم النفسية والاجتماعية... تلعب المحطات الاخبارية ذلك الدور وبطرق غير نزيهة أو غير عادلة... باتباع مقولة تنسب الى ستالين ولسنا متأكدين تماماً من ذلك: ... موت إنسان واحد مسألة تراجيدية... أما موت العشرات أو المئات فهو مجرد مسألة احصائية... وهكذا - وبفضل السياسات والقرارات الحكومية"الحكيمة"... والمحطات الإخبارية"الشعبوية"المسيسة للنخاع تصبح حتى الاعياد أياماً استثنائية في دمويتها وتعاستها وإثارتها... تنسينا كآبة وشحوب أيام عيد الفطر التي تلي التخمة الدرامية التلفزيونية الرمضانية الهائلة.