على رغم عقوبات مجلس الأمن المحدودة ضد إيران التي لن تثنيها عن التصميم على امتلاك قدرة نووية سلمية وقد تفتح المجال امامها للتهرب من التزامات دولية ووعود لجيرانها كرد فعل على هذه العقوبات التي أيدها العضو العربي في المجلس تعبيرا عن إجماع عربي مع موقف المجموعة الدولية وتأكيدا على السياسة العربية الثابتة التي تنادي بجعل منطقة الشرق الأوسط خالية من السلاح النووي، على رغم ذلك كله فإن إسرائيل ستظل تحتكر لسنين قادمة امتلاك هذا السلاح من دون منازع إقليمي أو صرخة احتجاج دولية، وهذا الاحتكار لن ينتهي بعقد اتفاق سلام بينها وبين جيرانها بعد ان اتضح ان امتلاكها هذا السلاح لا علاقة له بالصراع العربي - الإسرائيلي، وان التهاون الدولي إزاء هذا الانفراد النووي في المنطقة يعود إلى أن إسرائيل دولة محمية من قبل الولاياتالمتحدة وينظر إليها في الغرب كدولة ديموقراطية لن تستخدم هذا السلاح. وعادة ما يجد الغرب مسوغات سياسية للخروج من الحرج الدولي والوطني ضمن توافق يسهل التوصل إليه عندما تكون مصلحة إسرائيل متعارضة مع مبدأ قانوني دولي يوسع مبدأ حق الدفاع عن النفس خارج تعريفاته وممارساته المعهودة لخدمة سياسة دأبت على انتهاك القانون الدولي منذ نشأة إسرائيل. وكان هذا هو تبرير البعض نفسه من هذه الدول لتأييدها او لسكوتها عن إدانة جدار الفصل العنصري. ورغم ترسانتها العسكرية التقليدية والنووية وتفوقها العسكري المطلق فإن إسرائيل لا تزال تزعم أنها مهددة من جيرانها"غير الديموقراطيين"الذين قد يستخدمون السلاح النووي ضدها إذا امتلكوه مثال إيران. ولم تكن إسرائيل صادقة مع نفسها ومع المجتمع الدولي إلا في ناحية واحدة وهي أنها لم تتفوه بكلمة واحدة في يوم ما عن نيتها تفكيك ترسانتها النووية في حالة التوصل إلى سلام مع العرب أو عن رغبتها في أن تتحول إلى دولة نووية سلمية شأنها شأن بعض دول المنطقة التي اعلنت أخيراً رغبتها في الاستفادة السلمية من الطاقة النووية اليمن ومصر والسعودية. الغرب عموما والولاياتالمتحدة خصوصا لا يضعان القلق الأمني العربي في الحسبان، لذلك لم يكن موضوع السلاح النووي الإسرائيلي على جدول الاعمال كما هي حال الجدول الحالي النشط إزاء الصناعة النووية الإيرانية التي لايطمئن الكثيرون أنها لأغراض سلمية، إما لأن أمننا ليس ذا أهمية أو لأن هناك تعهدا إسرائيليا سريا لا نعلمه لدول غربية بعدم استخدام اسرائيل لهذا السلاح مهما بلغت حدة الصراع العسكري بينها وبين العرب من شدة وعنف. ولكن افتراض وجود هذا التعهد يفقد الترسانة النووية قيمتها ويجعلها خارج نطاق الخدمة. وفي الأونة الأخيرة صب التهويل الإسرائيلي - الغربي للمساعي الإيرانية لاستخدام الطاقة النووية سلميا لصالح إسرائيل ونتجت عنه زيادة في تفهم وجود ترسانتها النووية لمواجهة السلاح النووي الإيراني الذي قد يصبح حقيقة قائمة في عام 2010 طبقا لتقديرات"موساد". وتوظف إسرائيل ما تراه خطرا إيرانيا على كيانها للتدليل على وجود مصدر تهديد إضافي جديد من خارج المنطقة العربية يبرر امتلاكها هذه الترسانة التدميرية. ومن جهة ثانية، خدمت زلة لسان اولمرت في المانيا المسبوقة بإقرار أميركي على لسان وزير الدفاع الجديد روبرت غيتس بأن إسرائيل دولة نووية، سياسة إسرائيل النووية لأنها لم تستنكره وهذا الإقرار يجب أن يسجل كشهادة أميركية سياسية وعسكرية عالية المستوى على ان إسرائيل تمتلك حقا السلاح النووي. الصمت الدولي كان بمثابة قبول أيضا لهذه الترسانة ودليلا على أن الأمن العربي غير ذي أهمية لكل الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن لأن أحدا منها لم يثر الموضوع أو يطالب الولاياتالمتحدة بالمزيد من التوضيح، أو يصر على إنهاء سياسة الغموض وكان مما يساعد على ذلك ان إسرائيل لم تعترض على ما قاله الوزير الأميركي. على كل حال فإن الإقرار من أكبر دولة حليفة لإسرائيل يعد بمثابة إقرار إسرائيلي لأن الولاياتالمتحدة لا تلقي الكلام كيفما كان في موضوع خطير كالموضوع النووي خصوصاً عندما يتصل الأمر بإسرائيل. اليمين الإسرائيلي هو وحده الذي انزعج وما عداه تعامل مع الأمر كخبر عادي. وقد طالب اليمين الإسرائيلي اولمرت بالاستقالة. أما الحلفاء فلم يجرؤوا على أن يطالبوا إسرائيل باتباع سياسة الوضوح النووي لأن خطورة هذا السلاح تتعدى منطقة الشرق الأوسط وتتطلب أقصى قدر من الشفافية ولأنه موضوع خطير يهم الإنسانية كلها ولا يخص إسرائيل وحدها التي بدلا من أن تعامل معاملة أقسى من معاملة إيران فإنها تتمتع بسياسة تفضيلية وبتسامح دولي استثنائي، رغم تهديدها لكل الدول العربية ولمنابع النفط شريان الحياة الغربية. وكل ما قيل كرد فعل على زلة اللسان الإسرائيلية أن منسق السياسة الخارجية الأوروبية أيد جعل منطقة الشرق الأوسط منطقة خالية من السلاح النووي من دون أن ينبس بكلمة اعتراض واحدة على سلاح أصبح سرا مكشوفا. ولقد فوت المجتمع الدولي الذي ينطق باسمه دوما الرئيس بوش ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير اكثر من الأمين العام للأمم المتحدة فرصة ذهبية للتعامل مع الترسانة النووية الإسرائيلية والبرنامج النووي السلمي الإيراني وفق معايير واحدة تبدأ من الرقابة وحتى فرض العقوبات، واجبار إسرائيل على التوقيع على معاهدة حظر الانتشار النووي والضغط على اسرائيل وإيران معا لتتعهد الأولى بفتح منشآتها للوكالة الدولية للطاقة الذرية وتفكيك ترسانتها النووية وتحويلها إذا أرادت للأغراض السلمية تحت إشراف الوكالة والثانية بالتعهد بعدم تحويل طاقتها النووية السلمية إلى سلاح مدمر، وان تؤيد الدولتان الإجماع العربي بجعل منطقة الشرق الأوسط منطقة خالية من هذا السلاح لخدمة الاستقرار المفقود في هذه المنطقة. وكان حريا بإيران التعامل بذكاء وسحب التعاطف الدولي مع القدرة النووية لإسرائيل الذي بدأ يبرز بعد الحملة الإسرائيلية - الغربية المكثفة والمستمرة على طموحها النووي الذي قد يكون ذا وجهين والذي يثير قلقا وريبة حقيقيتين في المنطقة العربية. وكان من المفترض ان يهب العالم كله لمطالبة إسرائيل بما يطالب به إيران التي لم تمتلك هذا السلاح بعد، وان تعامل قواه الرئيسية بعد بيان روبرت غيتس وزلة لسان ايهود اولمرت المتعمدة على قدم المساواة وان يتم تفعيل دور الوكالة الدولية للطاقة الذرية إزاء الدولتين معا. ولم يكن من الصدف أن تحدث زلة اللسان في الدولة التي لليهود معها تاريخ غير مريح فتح باب الإبتزاز اليهودي والإسرائيلي برعاية اميركية على مصراعيه للدولة المهزومة عام 1945. وفي واقع الأمر لقد أراد اولمرت بهذه الزلة المقصودة أن يهيئ المجتمع الدولي وخاصة الدول الخمس الاعضاء"الرسميين"في النادي النووي بالقبول التدريجي لإسرائيل كعضو تاسع في الأسرة النووية. ولو اتبعت إسرائيل مع اولمرت نفس ما اتبعته إزاء موردخاي فانونو لاستحق المحاكمة والسجن، وعدم اتخاذ إجراء ضده يؤكد أن ما قاله لم يكن زلة لسان وأنه تعمد قول ما قال. فقدرة إسرائيل النووية معروفة لدى فرنسا التي زودتها بالبنية التحتية النووية في الخمسينات، ولدى النرويج حيث ضاع في عرض البحر وقود نووي ثقيل عائد لاسرائيل، ولدى بريطانيا التي تعاونت سرا مع اسرائيل لتمكينها من امتلاك السلاح النووي، ولدى الولاياتالمتحدة التي لم تبخل على اسرائيل بالعون والحماية الديبلوماسية ومعروفة ايضا من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي ترفض إسرائيل ولايتها الدولية. فاسرائيل"الديموقراطية"لها حق امتلاك السلاح النووي أما إيران غير الديموقراطية فلها حق استخدام الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح إذا سمح لها بنقل تكنولوجيا الطاقتين، وإذا أرادت دولة عربية أن تحذو حذو إسرائيل فإن السقف المسموح به هو الطاقتان الأخيرتان بشرط استمرار التبعية التكنولوجية للمصدر. إسرائيل المتفوقة تفوقا عسكريا مطلقا في المنطقة لا تحتاج الى السلاح النووي كإيران الغنية بالنفط التي من المبكر لها أن تفكر بمصدر بديل. لقد تحدث اكثر من مسؤول غربي عن العلاقة الغرامية بين الديموقراطية والسلاح النووي الذي يكون في أيد أمينة إذا كان في ترسانة دولة ديموقراطية، رغم أن التجربة الأميركية عام 1945 في هيروشيما وناغازاكي تكذب هذا المنطق إضافة إلى ما هو معلوم للجميع عن نية إسرائيل استخدام السلاح النووي في حرب اكتوبر عام 1973 كسلاح أخير. إن امتلاك أي سلاح سواء كان تقليديا أو نوويا هو لاستخدامه لحماية الأمن الوطني وليس للتباهي أو للردع فقط. وقد بلغت وقاحة اسرائيل واستخفافها بالمجتمع الدولي بأن تزعم متحدثة حكومية اسرائيلية بعد زلة اللسان الأولمرتية أن إسرائيل لن تكون الدولة الأولى التي تدخل السلاح النووي الى الشرق الأوسط. يحدث هذا والعالم كله يعرف ما كشفت عنه صحيفة"ذي صانداي تايمز"في آب اغسطس عام 1987 ولو كان ما كشفت عنه الصحيفة عارياً عن الصحة لاكتفت بتكذيبه ولما اختطف جهاز"الموساد"موردخاي فانونو وسجنه ثمانية عشر عاما ومنعه بعد اطلاق سراحه عام 2005 من مغادرة اسرائيل او الاتصال بوسائل الإعلام. السلاح النووي الإسرائيلي لم يكن سرا منذ إفشاء سر التجارب النووية المشتركة مع النظام العنصري في جنوب افريقيا، والتقديرات الدولية الحصيفة تفيد بأن لدى إسرائيل مئتي رأس نووي على الأقل وأنها قادرة على إنتاج ست قنابل نووية سنويا. ويُدهش المرء عندما يسمع عضوا في الكونغرس الاميركي يفسر سبب اعتراض بلاده على ما تظنه محاولات إيرانية لامتلاك السلاح النووي عندما يقول إن إيران ليست ديموقراطية. فالديموقراطية تسمح بالتالي بالدوس على اتفاقية حظر الانتشار النووي وبالبقاء خارج المحاسبة والرقابة الدولية وفوق القانون الدولي. هذه هي نتيجة وضع الامتياز الفريد الممنوح من قبل الولاياتالمتحدة لإسرائيل وسر عدم مساءلتها او معاقبتها على استمرار احتلالها للأراضي العربية في فلسطين وسورية ولبنان وقمعها واستيطانها وعقوباتها الجماعية ضد الشعبين الفلسطيني واللبناني في عدوانها الأخير. الأمن القومي أمر حساس ولا يفرط فيه أو يتهاون بشأنه إلا الضعفاء أو من يستضعفون أنفسهم. لقد بلغت حساسية البريطانيين الأمنية حد مطالبة بعض الاصوات في بريطانيا بأن يتم التعامل مع النقاب كقضية أمن قومي بريطاني لأن إرهابيا استخدمه للإضرار بهذا الأمن. وعلى العرب من جانبهم السعي الجاد لقيام تأييد دولي متعدد المستويات لجعل منطقة الشرق الأوسط خالية من السلاح النووي والقيام بحملات ونشاط إعلامي متواصل تقوم به جمعيات أهلية ومنظمات عربية والهيئات التي تنادي بتخليص العالم من السلاح النووي مثل منظمة حملة نزع السلاح النووي CND ودعم كل قوى السلام في العالم التي ترى في السلاح النووي تهديدا بيئيا يؤخر السلام ويديم الصراع ويهدد السلام العالمي وتشكيل فرق عمل تنشط في اكثر من عاصمة غربية لهذا الغرض. ألا يستحق أمننا هذا الجهد؟ * كاتب يمني