بعد أكثر من مئة سنة على التأسيس وبعد عشر سنوات من الترميم والتوسيع افتتح متحف لعله الأشد جذباً للذائقة العامة وهو "متحف الفنون الزخرفية" الخاص بالديكور والتصاميم وپ"العمارة الداخلية" والغرافيك. ليست مصادفة أنه ملتصق ب"متحف لوفر" ومطل من طرفه كاروسيل على حدائق التويلري وعلى الشارع الرئيسي ريفولي الذي شق به بونابرت العاصمة بشريان رئيسي. فالفكرة تعود في أساسها الى تكليف بونابرت عدداً من المصممين تزيين أحد أجنحة اللوفر عام 1850 وفرشها، ثم انتقلت ثروة اللوفر وتراث الأثاث فيه الى المتحف الجديد منذ بداية القرن التاسع عشر. وحتى ندرك التضخّم في ثروته يكفي أن نراجع ثمن محتوياته عام 1925، اذ قُدرت بنحو 2.8 مليون فرنك فرنسي فقط، ليصبح عام 1993 ثروة وطنية تراثية لا تقدّر بثمن. وعندما أغلق المتحف لم تكن مساحته تتجاوز الپ500 متر مربع ليصل اليوم الى خمسة أضعاف هذه المساحة، ولم تكن محتوياته تتجاوز الألفين وتعدّ اليوم بأكثر من ستة آلاف تحفة وطنية نادرة. هو ما سمح بإعادة ترتيب محتوياته وفق تسلسلها التاريخي، ومنذ العصور الوسطى وحتى اليوم. تبرز في هذا السياق قوة طراز 1900 المعروف بپ"الآرنوفو"الذي اتصل بما يعرف بعد ذلك"بالآرديكو". لا يمكن تجاوز الذوق الياباني وتسربه الى تصاميم هذه الفترة. أُعيد انشاء شقّة نموذجيّة كاملة مصممة من جانب فنانين كثيرين عام 1920. غرفة النوم والمطبخ والمكتب، معروفة باسم"جان لانفان". يعانق المتحف أيضاً نماذج من تاريخ"الغرافيزم"وأنواع الطباعة. ناهيك عن قسم العرائس والدمى ومسارحها، وتعتبر مجموعة الجواهر من أكمل ما تملك المتاحف النظيرة مثل متحف لندن فيكتوري وفيينا وبودابست. انه"متحف الذوق العام"كما تعلن المديرة الجديدة بياتريس سلمون وتقول ان فلسفة"متحف"الفنون الزخرفية"في باريس تقوم على ازالة الحدود المصطنعة تاريخياً بين الفن النخبوي والفن التطبيقي، بين الصناعة الذوقية التصميم والفن الصرف. هي البشارة التي شاعت بعد أزمة تسويق الفن المعاصر في التسعينات وزلزلت مؤسسات وصالات كبرى وأربكت معيشة الفنانين حتى انقطع بعضهم عن الإنتاج. تسربت هذه اللعبة في حينه لتتحول أنظار المقتنين من أصحاب المجموعات بطرق إعلانية مافيوية من اللوحة والمنحوتة الى الأثاث والعاديات والأقنعة والآثار. تابعنا سابقاً الاعتراف من متحف مركز بومبيدو بشراكة التصميم الديكور في لبوسات"ما بعد الحداثة"، واقتنى المركز مجموعة ثمينة منها، وبدأنا نعرف أسماء مصممين مهمين في أسواق المزادات في مهرجان"الفياك"الأخير. هو ما يفسّر الأهمية والاقبال الجماهيري عند افتتاح هذا المتحف من جديد، فتزامنت عروضه مع متاحف ومؤسسات رديفة في فرنسا متمثلة في ثلاثة متاحف: الأول متحف نيسيم دوكاموندو في باريس وهو قصر من القرن الثامن عشر تحول متحفاً عام 1914 وفيه مجموعة ثرية من السجاد والأثاث والبورسلين والمجوهرات. أما الثاني فهو"متحف الطباعة الإعلانية"وفيه مجموعة اعلانات وصور فوتوغرافية ثرية ونادرة. ثم"متحف الأزياء والأقمشة"ويعانق أبرز تصاميم الأزياء في القرن العشرين، ويستمر عرضه الراهن حتى نهاية الشهر الجاري. تكاد تصطبغ العروض الفنية الباريسية بقوة حضور اعلانات هذه المتاحف وخصوبة مكتبتها واصداراتها الحديثة، فهي تجتاح المكتبات اضافة الى اعلانات التلفزيون والبرامج الثقافية. ندرك من خلال هذا الحشد أن الضيف القديم لفن الديكور أصبح شريكاً للفن المعاصر ومنافساً سهلاً للتذوق والتوظيف الاستثماري بل وقد يتفوق في حضوره التسويقي والثقافي على أنواع التعبير التشكيلي المألوف. نعثر اليوم في متحف الفن المعاصر لمركز بومبيدو على قسم للتصميم من رسوم الأثاث الحديث الى الموتوسيكلات جنباً الى جنب عروض"البوب آرت"بمجسماتها الديكورية المنقولة عن المنازل الحية. واقتنى هذا العام من التصاميم والديكورات ما يكمل مزاعم تيارات ما بعد الحداثة. الوحيدون الذين لم يسلموا بديموقراطية هذا الخلط حتى الآن هم الفنانون التشكيليون، ولكنهم آخر من يستطيع الاعتراض على الأرجح، فالسلطة الثقافية - الاقتصادية تحل وتربط.