عندما أراد متحف أورسي الفرنسي أن يكرّم الفن الإيطالي المعاصر، لم يجد أشدّ من مادة «التصميم الزخرفي» تعبيراً عن الازدهار الاستثنائي في النصف الأول من القرن العشرين، والمقصود هنا «العمارة الداخلية» وتصاميم الأثاث (من أسرّة وخزائن وطاولات وفيترينات ومقاعد وأكسسوارات ديكور، بما فيها صناعة السيراميك والسجاد)، والتي نجملها بمصطلح غير دقيق هو «الديزاينر» أو التصميم الصناعي. التحم في الحركة الفنية المسيطرة في هذه الفترة وهي «المستقبلية»، هذا النوع من التصاميم النخبوية مع اللوحة والمنحوتة، فانطبق عليها إبداعياً وجمالياً ما يساوي بين الفنون النخبوية التشكيلية والفنون التطبيقية، تماماً كما دعا إلى ذلك الناقد مارينتي ببيانه باسم المجموعة، دالاً على ولادة المعرض الأول لهذه الحركة عام 1909 في صحيفة «لوفيغارو» الباريسية، مع الاعتراف بتأثير المعماري المثقّف لوكوربوزييه، بخاصة في كتابه «نحو مستقبل العمارة» الصادر عام 1923. تأثير متأخر ولكنه عميق الجذور. لأنه الأول الذي بشّر بوحدة شتى الفنون، بما فيها الديزاينر حول العمارة. نعثر في المئتي تحفة التي جمعها المعرض الموسوعي، على أسماء مصوّرين مستقبليين كبار من مؤسسي الحركة، بمستوى جياكومو وبالا وكارلو كارا وجينو سفريني ومانيلي، والنحات أوميرتو بوتشيوني، الذي يعود إليه فضل معرض النحت المستقبلي بعد عام في ميلانو أيضاً. يدعو مارينتي إلى فن يرفع الحدود ليس فقط بين أنواع الفنون والمبدعات من الفن التشكيلي إلى المسرحي والموسيقي والمعماري والتصميمي (الديزاينر)، وإنما أيضاً يحرّض على شيوعه خارج ضيق الخارطة القومية الإيطالية، بدليل أن معارضهم المختلفة التصميمية انتقلت ما بين ميلانووباريس، لندن وبرلين. كما اقترحوا أمسيات مستقبلية ومعارض نظيرة متنقلّة، مستعيرين من الفن الفرنسي تقنيّتين: التجزيئية اللونية (التنقيطية) والتكعيبية. وذلك للتعبير عن عوالم وتكوينات من الحركة الديناميكية شبه التجريدية، لأنها متعدّدة المناظير ومتزامنة الألوان، بحيث تستخدم أبحاث الفوتوغراف الخاصة باقتناص الحركة المتدرجة في الجسد البشري (الكرونو فوتوغرافيك). لا شك في أنها أيديولوجية طوباوية تؤمن بسعادة التقدّم الآلي، إلى درجة الدعوة إلى طمس ذاكرة عصر النهضة والكلاسيكية، فرمزها الطائرة والسيارة والقطار، الى درجة أن أحدهم أقام محترفه في مقصورة قطار يصوّر ويصمّم وهو في حالة تسارع. هذا الفن العاصفي والهائج قارب بين فنون وتصاميم هذه المجموعة والفاشية الإيطالية. وحتى نكون أدق، فإن علاقة المستقبلية المسالمة بموسيليني لا تناظر موقف هتلر من نظائرها التي دعاها بالفن الفاسد، وأحرق آثارها منذ عام 1923، وأغلق مدرسة الباهاوس، وذلك على رغم تفضيل كل من الاثنين الفن الرسمي الملحق سياسياً بالبروبغندا الأيديولوجية. نعثر في المعرض على تصميم فنان أصيل ولكنه ملتزم، ولا أعرف ما إذا كان انضمّ إلى جماعة المستقبلية، وهو ماريو سيروني. وذلك لأنه عرف بتكويناته التأملية الهادئة، مثله مثل الذين تبعوه: مارينو ماريني وموراندي وألبرتو بوري، وصولاً الى ما بعد الحرب مع غوتوزو والآربوفيرا. إذا عدنا إلى العنوان، استدركنا أن اختيارات العرض لم تقتصر على المستقبلية، إذ إنها تبتدئ من «ليبرتي» إشارة إلى صالة العرض اللندنية المختصّة بالطراز الأوروبي الشائع والمدعو 1900 أو بالأحرى الآرنوفو، فإذا كان هناك توليف أكيد مع المستقبلية الإيطالية، فإن بعض التصاميم المعروضة كانت تميل صراحة إلى منحنيات وتعريقات طراز الآرنوفو الإنكليزي. من دون أن ننسى الصراع الأسلوبي مع الآرت ديكور الإيطالي، بخاصة أن معرض التصميم ينتهي بحركة نقيضة تأسست متأخرة منذ عام 1920، تُدعى «نوفيسانتو» وتمثل الحكمة بالدعوة إلى العودة إلى الفنون النخبوية الموروثة عن تألقات فنون عصر النهضة والكلاسيكية، والتي تصل في ازدهارها وشيوع تأثيرها حتى التقاليد اليونانية الرومانية. بعض هؤلاء الفنانين مثل كورادو وبلادلي، حاول إقامة علاقة توأمية بين مفهومين متناقضين: الحداثة والمعاصرة. لكنّ أبرزهم كان جيو بونتي (1891 - 1979). فقد اختصّ ببعث تراث تقاليد السيراميك والفايانس القومية، ووصل إلى إعادة استخدام العناصر الجامدة التي تعانقها أكسسوارات لوحات فيروينز وتنتوريتو الإيطاليين. وهكذا انبثقت تصاميم هؤلاء من حرفيات الذاكرة الصناعية المحلية. لعلّه من أبرز العارضين، تصميم عناصر صالة داخلية بمساحات تجريدية وألوان صريحة لجاكومو بالا، صالة طعام مع بوفيه وطاولة مقعد وكرسيين وسجادة، كلّها بالخشب الملوّن برهافة نخبوية. ثم المصمّم المعروف كارلو بوغاتي (1856 - 1940)، يعرض مجموعة أثاث (موبيليا) مدهشة، نال عليها في حينها أول جائزة عالمية كبرى عن التصميم. هو نفسه يجدّد شهرته في معرض 1925، فيعرض «الصالون الحلزوني» بكراسيه، وكذلك تلميذه أوجينو كارتي (1867 - 1929) الذي استقلّ بالتدريج عن أسلوب معلّمه، ليصمم أثاثاً يقع بين الاستشراق والكرافت. ثم مازوكوتيللي (1865 - 1938) الذي برع في الطرق على المعدن متأثراً بسيراميك المعماري البرشلوني غاوودي. وعدد من الأسماء التي لا يمكن حصرها في هذه العجالة، اختلط بعضها بلوحات التصوير والمنحوتات البرونزية، بخاصة أن خصوبة المواد المستخدمة لا تخرج عن حساسية النحت المعاصر. إذاً، ثمة نصيب وافر في عروض هذا الموسم للتصميم الزخرفي وترسيخ الاعتراف به كفن تشكيلي بالنسبة إلى المتاحف وأصحاب المجموعات. يستمر العرض حتى منتصف أيلول (سبتمبر).