رمز متوارث للدولة والوطن.. الراية السعودية خفاقة منذ ثلاثة قرون    مواصفات العلم السعودي عبر التاريخ    العلم السعودي.. احتفاء برمز الوحدة والفخر    تحت رعاية سمو ولي العهد.. مؤتمر مبادرة القدرات البشرية يناقش تسخير الإمكانات للتنمية    2.9 تريليون حجم السيولة في الاقتصاد السعودي    المملكة تُرحّب باتفاق اندماج المؤسسات المدنية والعسكرية السورية    العالم يعوّل على محادثات جدة لإحلال السلام بأوكرانيا.. السعودية منصة وساطة عالمية لإنهاء الصراعات    الاحتلال قطع الكهرباء ودمر محطات المياه ومنع إدخال المساعدات.. تحذيرات أممية من جوع وإبادة جماعية في غزة    استعرضا أوجه العلاقات الثنائية بين البلدين الصديقين.. ولي العهد وزيلينسكي يبحثان تطورات الأزمة الأوكرانية    في إياب ثمن نهائي نخبة آسيا.. الأهلي لتأكيد التأهل أمام الريان.. والهلال لتخطي باختاكور    دك شباك استقلال طهران بثلاثية.. النصر يتأهل لربع نهائي النخبة الآسيوية    التعليم.. و تطبيق تجارب الآخرين    البسامي يراجع خطط القطاعات الأمنية المشاركة بالحرمين    أكد أن الوزارة ستكون حازمة في محاسبة الشركات المقصرة.. الربيعة: القيادة حريصة على متابعة خدمات ضيوف الرحمن    فخامة رئيس جمهورية أوكرانيا يغادر جدة    المملكة تدين بأشد العبارات ممارسة سلطات الاحتلال الإسرائيلي بقطع الكهرباء عن قطاع غزة    جيسوس: لا مجال للخسارة    ليفربول الأوفر حظاً في مواجهة باريس    سمو أمير المنطقة الشرقية يدشّن مبادرة "الشرقية الخضراء"    الفوزان إخوان.. وهَبات من الخير    يوم العلم والكشافة السعودية    بلدية النعيرية تطلق فعاليات رمضان يجمعنا في نسختها الثالثة بمقر بسوق الأسر المنتجة    المملكة واحة استقرار    انطلاق الدورة التاسعة والستين للجنة وضع المرأة في الأمم المتحدة برئاسة المملكة    هل تنسحب أمريكا من حلف الناتو    دعوات إقليمية لرفع العقوبات عن سوريا والمصالحة الوطنية    استضافة نخبة من الإعلاميين والمؤثرين في "إخاء عسير"    رانج المحدودة تنظم إفطارًا رمضانيًا لشركاء النجاح بجازان    عبدالعزيز بن سعد يشيد في القفزات النوعية لأمانة حائل    أمير القصيم يبارك انطلاقة أمسية " تراحم " الرمضانية لدعم اسر السجناء والمفرج عنهم وأسرهم    الخليج وصيف الدوري السعودي الممتاز لكرة الطاولة    التاريخ الشفهي منذ التأسيس.. ذاكرة الوطن المسموعة    أمير حائل يكرّم طلاب وطالبات تعليم حائل الفائزين بجائزة "منافس"    انطلاق منافسات بطولة التنمية الرمضانية السادسة بالبكيرية    11 مارس.. وطن مرفوع الرأس    جمعية الدعوة بأجياد توزع أكثر من 4000 مصحف مترجم على ضيوف الرحمن خلال العشر الأولى من رمضان    هل تخدعنا التفاصيل؟    التستر التجاري ونقص فرص شباب الوطن    لتكن خيرًا لأهلك كما أوصى نبي الرحمة    لقد عفوت عنهم    "البصيلي": يلقي درسًا علميًا في رحاب المسجد الحرام    محافظ الطائف يُشارك أبناء شهداء الواجب حفل الإفطار    أمسية شعرية في ثلوثية الراحل محمد الحميد    مبادرة مواطن تحيي بيش البلد    النصر يدك شباك الاستقلال بثلاثية.. ويتأهل لربع نهائي النخبة الآسيوية    250 مظلة متحركة بساحات المسجد النبوي    %90 مؤشر الرضا عن أمانات المناطق    أبو سراح يطلق مجلس التسامح بظهران الجنوب    تعليم الرياض يحتفي بيوم العَلم    المكملات الغذائية تصطدم بالمخاطر الصحية    8 طرق لاستغلال شهر الصوم في تغيير النمط الغذائي    السعودية تحتفي غدًا بيوم العلم اعتزازًا بقيمه الوطنية    مستشفى خميس مشيط للولادة والأطفال يُنظّم حملة "صُم بصحة"    ملتقى القوى التأهيلي يتوج أبطاله    رئيس جمهورية أوكرانيا يصل إلى جدة    أبها للولادة والأطفال يُفعّل حملة "التطعيم ضد شلل الأطفال" و "البسمة دواء"    مستشفى خميس مشيط العام يُنظّم فعالية "اليوم العالمي للزواج الصحي"    نعتز بالمرأة القائدة المرأة التي تصنع الفرق    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



معرض إستعادي للفنان الإستشراقي "ماجوريل". بين استهلاك الفن التطبيقي ونخبوية اللوحة الإبداعيّة
نشر في الحياة يوم 14 - 03 - 2000

يستقبل متحف الفن العربي المعاصر في معهد العالم العربي معرضاً جامعاً للفنان الفرنسي المعروف جاك ماجوريل 1886-1962، وسيستمر حتى التاسع من نيسان ابريل عام 2000. أُنجز المعرض ضمن مساحة "موسم المغرب" الذي قارب ختامه، وكان المعرض قد اقيم في مدينة ولادته نانسي.
يقدم المعرض مئة لوحة وعشرين رسماً، والكثير من الديكورات والتصاميم الاعلانية والملصقات، وبعض الصور الفوتوغرافية عن افريقيا.
استوحت معظم رسوم هذا الفنان لعوالم جنوب المغرب وبعض قرى الاطلس التي كان يجوب ربوعها، واستوحت بالتحديد بمدينة مراكش التي استقر فيها منذ 1917. ثم شيد قصره الذي تحول اليوم الى متحف للفن الاسلامي وحدائقه الشهيرة عام 1923 وهي تدعى "بو صفصاف" وهي واحة من النخيل تحتوي على الكثير من النباتات المدارية والإستوائية وبكثافة عجيبة مترفة تجاوز الثلاث هكتارات، وقد اشتراها بعد وفاته "إيف سان لوران" مصمم الازياء.
كان فناننا قد اكتشف الشرق العربي والإسلامي من خلال زيارته الاولى لمصر عام 1910، ثم تكررت زياراته لمصر، ثم إستغرقه العمق الافريقي إبتداءً من السودان وإنتهاءً في غينية.
يمثّل المعرض ميراثاً تشكيلياً ثرياً، أُستعير من اصحاب المجموعات الاستشراقية المتباعدين، كما انه يضم الكثير من اللوحات الثمينة والأصيلة، ولكنه إجمالاً يملك قيمة وثائقية اكثر منها إبداعية، ذلك انه يعكس مفاهيم الإستشراق الفني الإستعماري لشمال افريقية في بداية القرن.
ويزداد إحساسنا السلبي بركام الصور المتعسّفة والملفقة حول الشرق العربي الاسلامي بما فيه المغرب وإنطوائية الاسلوب وذلك بمقارنته بمعرض "مغربيات ماتيس" الذي سبقه، فقد جمع المعرض السابق بين صدفتيه ابرز مفاتيح الفن المغربي الشعبي التي ساهمت في اكتشاف رحابة الفن المعاصر وأشكاله الشمولية.
اثار المعرض اعجاب الكثيرين من الزوار فالفنان ماجوريل رفيع المستوى في الرسم والتلوين، والمستوى التقني او الأدائي، ولكن روح الصنعة والحرفية نفسها اعطت لحذاقته طابع الزخرفة التطبيقية او الصناعية، وأحياناً الطابع الكرافيكي الاعلاني. ولا شك ان لسيطرة زخارف "الآرنوفو" التي سيطرت في بداية القرن على فرنسا وإنكلترا دوراً كبيراً في شيوع روح التصميم الزخرفي داخل اللوحات الفنية خاصة الاستشراقية "وما بعد الرفائيلية" منها، والتي استعادها بعض الفنانين العرب اليوم طلباً للتسويق السهل.
دعونا نتأمّل المعرض بمعزل عن إغراءاته، وتذويقاته وأكاديمية مهاراته وإثارات موضوعاته. لقد ابتدأ احتراف "ماجوريل" لفن اللوحة كإستمرار لمهنة والده في تصميم الاثاث، ثم درس الفنون التطبيقية قبل دراسة التصوير وممارسته، وبقيت اعماله تراوح بين الميدانين، مثل نشاطاته التسويقية التي كانت تتحرك بدورها بين التصاميم الطباعية والديكورات الوظيفية مثل تصميمه رسوم سقف "فندق الميمونية" في مراكش. كذلك فقد كان يمارس صناعة الجلود والمفروشات والخشب المدهون والمصدّفات. تبدو ابرز لوحة في المعرض وأكبرها عن "السوق" وكأنها استعراض تزييني للأزياء المحلية، مثلها مثل غيرها من مشاهد الاسواق المحلية الحافلة بالعناصر الإستهلاكية الجاهزة، ومثلها مثل الاشكال المعمارية التي تصوّر قرى الاطلس، وقد يكون رسام الصور المتسلسلة "هيرجي" قد استقى بعض مناخات مغامرات تام تام في دار المغرب من موتيفاته التي تصلح لكل زمان ومكان في المغرب العربي.
لعله من الجدير بالذكر ان امثال هذه اللوحات الفولكلورية الإستشراقية أغرت قبل عقدين الموسرين العرب فأقبلوا على شرائها وجمعها حتى ان الصناعي الجزائري المعروف السيد مهري اقام صالة عرض زاهية من اجل تسويق مجموعته صالة دينية، ثم تراجعت هذه الموجة الاستهلاكية وهبطت اسعار لوحاتها.
تتكشّف ابرز تعثّرات المعرض في استخدام النقل الآلي عن الصور الضوئية الفوتوغرافية. يتبدّى ذلك في طريقة رسم التفاصيل وتوثيق الظلال خاصة في مجموعة صور النساء الزنجيات العاريات، والتي كان الطلب عليها كبيراً في صالة عرضه في باريس شارتيري، مستخدماً التحلية بالذهب والفضة والمعادن البراقة ترسيخاً للصفة التزيينيّة والتسويقيّة في تسهيل بيعها، وقد عُرف انه باع ما يقرب من مئة لوحة في الموضوع نفسه خلال فترة وجيزة، ومن يتأمل عوالم هؤلاء النساء التي يعنونها بالمرأة النمرة يستعيد أجواء العبودية وأسواق النخاسة.
لعلها من اشد المجموعات التي تصدم المتفرج في المعرض بسبب عدوانيّة تصويرها المبتذل والمنقول حرفياً عن الكارت بوستال مع تلفيق اجتماع عدد منهن في تكوين مشهدي واحد.
يملك المعرض كل اسباب النجاح ما عدا الفن والإبداع الاصيل الحر والمنفلت من ربقة، وادران الايديولجيا الاستعمارية. ويملك ماجوريل كل انواع السلطة الفنية والثقافية ما عدا موهبة الخلق ورهافة البحث الشمولي والرؤيوي ضمن تمفصلات سياق تاريخ الفن. وتدغدغ هذه الاساليب المنمقة والمنمطة ذات الحس الاجتماعي والمداهنة الذوقية الحساسية الفنية المتواضعة الخبرة، والتي تبحث دوماً عما تعرفه وتألفه من العادات الجمالية في هوامش تاريخ الفن. لا تصلح مثل هذه المخاطبة الجمالية للعرض في مكان يملك تاريخ عرض اصيل منذ الثمانينات، وبما يتناقض مع اقرب معرض وهو هنري ماتيس ومغربياته. ترتبط سلبيات المعرض اساساً بسلبيات المنهج الاستشراقي السهل التناول، فاللوحة الاستعمارية التي ندعوها بالإستشراقية درجت على تخيّل الآخر وهو الشرق العربي والاسلامي بما فيه المغرب في موقع الجزيرة العجائبية الهجينة: عالم غامض يحفل بكل ما لذّ وطاب من خصوبات الوحشة وغيطان التخلف والاثارة الجغرافية والطقسية والاجتماعية والحسّية. فالتعسف يتجاوز حدود الترويض الاستباحي لثقافة الآخر الى اعادة صناعته بما يتوافق مع الصورة الاختزالية لقيمه. ولو اقيم المعرض في متحف الفنون الافريقية وفنون المحيط الهادي لكان منسجماً مع طبيعة المكان الى جانب اقفاص التماسيح وأحواض الاسماك. ولكن أهمية العرض في متحف المعهد تأتي من ماضي العرض الرفيع الذي تعوّدنا عليه. وقد انتزع احترام المهتمين بالفنون العربية والاسلامية. ونأمل ان يكون المعرض سحابة استشراق عابرة وألا يتحول المعرض الى سابقة نموذج يحتذى لأنه كما يملك قيمه توثيقية اكثر ممّا يمالك قيمة فنية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.