أضافت مسقط الى معالمها التاريخية نقطة جديدة تضىء تاريخها العتيد، فأعيد بيت البرندة الواقع في مدينة مطرح جارة مسقط القديمة الى الحياة مرة أخرى بعد تهيئته ليكون معلماً سياحياً يستقبل زوار المدينة. وأعادت بلدية مسقط الحياة الى هذا البيت ليكون متحفاً يتضمن تفاصيل الحياة المسقطية القديمة بما يشكل ذاكرة للمدينة، معرفاً بتاريخها ومنشطاً لحركة السياحة اليها، مستقبلاً زائري المكان من داخل السلطنة ليكون نشاطاً ثقافياً، ومن خارج البلاد من أجل التعريف أكثر بمقومات المكان عبر مراحل التاريخ المختلفة. ولن يقف دور هذا البيت في محور السياحة فقط، بل سيقدم على مدار العام برامج لتعليم صغار الزوار من طلاب المدارس المبادئ الأساسية في اختصاصات معرفية مثل رسم الخرائط وقراءتها، وخصائص العمارة الإسلامية، والصناعات الحرفية وغيرها لتطوير مدارك الطلاب وتنمية مهاراتهم. وحرصت بلدية مسقط في تصميم وتجهيز بيت البرندة أن يكون ملائماً لتنظيم واستضافة الفعاليات الثقافية المختلفة مثل القراءات التاريخية والأدبية والمعارض الفنية المحلية والعالمية، وأدخلت فكرة الكتاب الناطق الذي يسرد بمجرد تقليب أوراقه التسلسل التاريخي لأهم الأحداث لتي عاشتها عمان منذ مليوني سنة وإلى عصرنا الحالي مروراً بعلاقات عمان التجارية القديمة مع السومريين والبابليين والرومانيين والساسانيين إضافة إلى نشأة مسقط والأصل اللغوي في تسميتها. وكلمة البرندة تحريف محلي للكلمة اللاتينية Veranda التي تعني الشرفة، وجاءت تسمية البيت من الشرفة الممتدة على طول واجهته في الطابق الأول. ويعرف هذا المبنى أيضاً ب"بيت نصيب"نسبة إلى التاجر نصيب بن محمد الذي بناه في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي ليكون مقراً لسكنه الثاني إلا انه لم يسكنه. وشيد بيت البرندة على مرحلتين أما النقش في أعلى باب البيت والمؤرخ في عام 1350ه -1931م فيرجح انه يوثق تاريخ بناء الجزء الأمامي من البيت. وقامت البعثة الأميركية باستئجاره عام 1909 واتخذته مستوصفاً حتى سنة 1933 تاريخ بناء مستشفى الرحمة في مطرح. ولأن اعتقاداً بأن البيت كلن مسكوناً بالجن راج بين الأهالي، فإن البيت لم يسكنه سوى الأجانب حتى سنة 1952 عندما استأجره حجي عبدالرضا سكنا لعائلته إلى سنة 1967، وفي سنة 1972 استأجر المبنى المجلس البريطاني ورممه. وشملت أعمال الترميم هذه تخصيص قاعات للدراسة وقاعة للمكتبة ومكاتب للإدارة وملحقات أخرى. وفي سنة 1979 رشّح بيت البرندة لجائزة الآغا خان المعمارية. أما في الفترة الممتدة من عام 1984 إلى 1989 فقد استأجر المبنى مكتب"تشاك بريجل"للاستشارات الهندسية ثم ظل مهجوراً إلى أن تولت وزارة التراث والثقافة صيانته. وفي سنة 2004 تسلمته بلدية مسقط التي رأت تحويله إلى متحف يعرف بتاريخ مسقط. حكاية اسمها مسقط عبر حركة الجيولوجيا فوق سطح المكان يسرد بيت البرندة في حلته الجديدة قصة مسقط منذ ما يزيد عن مائة مليون سنة وصولاً الى حاضرها، مروراً بعصر الديناصورات والمستوطنات البشرية منذ عشرة آلاف سنة قبل الميلاد والفترة الإسلامية المبكرة. ويقدم البيت لمحات عن تاريخ السلطنة وعاصمتها مسقط في كتابات الرحالة والجغرافيين وتاريخ مسقط من القرن الأول الميلادي إلى سنة 1744 مستعرضاً تاريخ أسرة البوسعيد الحاكمة، ومعرجاً على تفاصيل الحياة في يومياتها المختلفة من فنون شعبية وغيرها. وعادت دفة القيادة الى مسقط بمجىء هذه الأسرة بعد أن تنقلت عواصم الحكم العماني بين صحار ونزوى والرستاق، فاستعادت المدينة مكانتها ومنها انطلق الأسطول العماني الى شرق افريقيا ماداً نفوذه هناك في عصر السلطان سعيد بن سلطان. ويعرض البيت هذه الفترة المهمة من تاريخ مسقط من خلال جداريات عرض لبعض الوثائق وصور أهم الشخصيات التي كانت فاعلة خلالها إضافة إلى مجسم لمسقط ومطرح مستوحى من رسم يعود إلى القرن الثامن عشر الميلادي، كما يفصل البيت عبر الصور أهم المراحل التي مرت بها دولة البوسعيد بداية من عهد الإمام أحمد بن سعيد البوسعيدي ودوره في القضاء على الفتن الداخلية وتوحيد العمانيين ومحاربة الفرس. يحكي البيت سيرة مسقط من القرن الأول إلى 1744 حيث تبين الخرائط والمصادر القديمة أن مسقط ذاقت طعم الفرح بأمجادها كما ذاقت ويلات الاحتلال، لكنها كانت تقوم دوماً من كبوتها. وتوضح الرسوم الموجودة بالبيت الاحتلال البرتغالي لمسقط ودور العمانيين في إجلائهم عام 1650. يعتمد البيت في شرحه للتاريخ على مجموعة من المفردات ومنها اللوحات التي رسمها فنانيون أجانب. وتقدم تلك الرسومات والخراطئ واللوحات الطرق التجارية من القرن 17 وحتى القرن 19 حيث خص عدد من رسامي الخرائط ميناء مسقط برسومات تمييزية في حواشي خرائطهم باعتباره إحدى المحطات الرئيسية في طرق التجارة الدولية في تلك الفترة، وبينها خارطة توضح طريق التوابل من رأس الرجاء الصالح إلى منطقة البنغال في الهند 1649. وتبين الرسومات في قاعة مسقط التنافس الدولي على ميناء مسقط واحتجاز السفينة ماري عام 1759 وخازن الفحم على شاطئ المكلا الذي تم تقسيمه بين فرنسا وبريطانيا في تسوية للنزاع الذي استعر بينهما على تخزين الفحم في مسقط سنة 1900. ويتتبع بيت البرندة عبر احدى قاعاته وبواسطة الرسوم الحياة الفطرية القديمة لمدينة مسقط، ملاحقاً تغير النباتات والحيوانات التي كانت تعيش في المنطقة. وتروي أحافير عظام الديناصورات التي كانت ترتع على ضفاف الأنهار المتحدرة آنذاك من أعالي جبال عمان جانباً من تاريخ الحياة الفطرية القديمة، فقبل 66 مليون سنة كانت الديناصورات والتماسيح تعيش في منطقة الخوض الجافة الآن حيث كان المناخ شديد الرطوبة وكانت الأنهار والوديان تشق المنطقة وسط الأشجار الغابية. وبعد عصر الديناصورات امتد البحر ليغطي المنطقة نفسها تاركاً رسوبات بحرية قبل أن يتراجع وتتداخل رسوباته مع المخروطات من رسوبات وادي الخوض.