خففت الخرطوم أمس من لهجتها إزار قرار مجلس الأمن الرقم 1706 الداعي إلى نشر قوات دولية في دارفور. وعلى رغم أن الرئيس السوداني عمر البشير جدد رفضه القاطع للوجود الأممي في الإقليم في أول تعليق له على القرار، فإنه ضبط خطابه وتخلى عن لهجته الحماسية، مؤكداً أن بلاده تتطلع إلى"علاقات دولية متوازنة تقوم على التقوى، لا على الإثم والعدوان". وأوفد وزير خارجيته لام أكول في جولة أفريقية، في إطار حملة ديبلوماسية لاحتواء تبعات القرار الدولي. وكان لافتاً أن الرئيس البشير قرأ أمام مؤتمر للعلماء والدعاة في الخرطوم ليل السبت - الأحد خطاباً مكتوباً للمرة الأولى، وخفف من تشدده في ما يخص التعامل مع الاممالمتحدة، على رغم تجديده رفض حكومته القاطع إرسال قوات دولية. وقال إن"قرارنا هو الرفض القاطع ثم الاستعداد للمواجهة. وهو لم يأت مرتجلاً او انفعالياً، بل بعد دراسة وتمحيص وشورى واسعة مع مؤسسات الدولة والاحزاب ذات المواقف الوطنية المشرفة". وشدد على تطلع الخرطوم إلى"علاقات دولية متوازنة تقوم على التقوى، لا على الاثم والعدوان". ورأى البشير أن الدعوة إلى تدخل دولي في دارفور هي"جزء من مخطط شامل لاستلاب السيادة، والوصاية على الشعب السوداني ... وهي استعمار قديم في ثوب جديد". وانتقد الاحزاب المؤيدة للقرار، معتبراً أنها"تسعى إلى العودة إلى كراسي الحكم عبر أسنة رماح القوات الاجنبية. ولكن هيهات لها ذلك". وفي موازاة ذلك، أوفدت الحكومة وزير الخارجية في جولة أفريقية تعزيزاً لحملتها الديبلوماسية لاحتواء القرار1706. وسيزور أكول غانا التي كانت رئيس الدورة الماضية لمجلس الامن واعطى مندوبها غطاء أفريقياً للقرار، قبل أن ينتقل إلى جنوب افريقيا وتنزانيا، باعتبارهما دولتين مؤثرتين في ما يتعلق ببعثة الاتحاد الأفريقي المنتشرة في دارفور. وأعلنت الرئاسة أن البشير سيتوجه إلى طرابلس الجمعة المقبل، للمشاركة في الاحتفال بمرور ستة أعوام على تأسيس الاتحاد الأفريقي. ويُنتظر أن يجري الرئيس السوداني مشاورات مع القادة الافارقة في شأن تطورات الاوضاع في دارفور وسبل إيجاد مخرج من الازمة الحالية. وفي نيويورك، شرعت إدارتا حفظ السلام والشؤون السياسية في الأممالمتحدة في إجراء اتصالات مع الدول التي تسهم بقوات في بعثات حفظ السلام. وقالت مصادر غربية فى الخرطوم إن الاتصالات"ستشمل الدول المتوقع اسهامها بجنود وتلك التي تسهم بمعدات لوجستية". وأكدت أن"واشنطن واثقة من موافقة السودان على قبول القرار 1706". غير أنها نفت علمها بمصدر ثقة واشنطن، لافتة إلى أن فريزر العائدة أخيراً من زيارة للخرطوم أكدت أول من امس في لقاء جمعها مع بعض نواب الكتلة السوداء في الكونغرس ثقتها في أن"موافقة وشيكة على القرار"ستصدر من الخرطوم، من دون ان تقدم تفاصيل اضافية. وفي تطور لافت، احتفى حزب المؤتمر الوطني الحاكم بإعلان رئيس"حركة العدل والمساواة"المتمردة في دارفور الدكتور خليل ابراهيم، رفضه الشديد للقرار الدولي. وأفردت صحيفة"الرأي العام"المقربة من جناح الإسلاميين في السلطة، عنوانها الرئيسي لتصريحات أدلى بها إبراهيم، ونصح فيها الحكومة بمعالجة سريعة لأزمة دارفور، لتفادي دخول قوات دولية إلى الإقليم. وطالب إبراهيم المعروف بمواقفه المتشددة السلطات بالمبادرة بالدخول في مفاوضات سلام مع متمردي"جبهة الخلاص الوطني"التي يعد أحد قادتها. ورأى ان"القرار 1706 يحمي أهل دارفور لكن على حساب سيادتهم وحريتهم". ووصفه بأنه"خطير"في حق الشعب السوداني، لأن"فيه بوادر استعمار جديد". واكد عدم حاجة البلاد إلى"قوات دولية ولا حتى افريقية". واعتبر أن"لا مصلحة في تدخل دولي في دارفور وعلى القوى الوطنية العمل على تفاديه". واضاف:"نحن كقوى وطنية لا نبدل وحدة وسيادة السودان بأي شكل". وشدد على أن القوات الأممية"إذا دخلت دارفور، فلن تخرج في سهولة"، داعياً الحكومة إلى"عدم اضاعة الوقت والدخول في مفاوضات مع جبهة الخلاص الوطني ... مطالبنا واضحة. ويمكن ان نصل إلى السلام في يوم واحد. ونحن حريصون ومستعدون للتوصل الى سلام". وحض البشير على قيادة المفاوضات وإبعاد"من يريدون تسلق سلالم السلطة عبر قضية دارفور". وانتقد في شدة موقف رفاقه السابقين فى"حركة تحرير السودان"التى يتزعمها مساعد الرئيس مني أركو مناوي المؤيد نشر قوات دولية فى الإقليم. غير أن موقف إبراهيم تناقض وإعلان زعيم"التحالف الفيديرالي"الدكتور شريف حرير، وهو أحد قادة"جبهة الخلاص"تأييد الجبهة القرار الدولي. وقال حرير:"نرحب بقرار مجلس الامن ونباركه. القرار انتصار لانسان دارفور وتأكيد لقوة القانون الدولي". ورفض اعتبار القرار سعياً إلى تحويل السودان إلى"مستعمرة تحت الوصاية". واضاف أن"السودان جزء من المنظمة الدولية". وأعرب عن دهشته"لقبول قوات في الجنوب وجبال النوبة ورفضها في دارفور". وتساءل:"هل دارفور ليست جزءاً من السودان الذي ينتشر فوق ترابه اكثر من 10 الاف جندي أممي؟". من جهة أخرى، كشفت مصادر ديبلوماسية عن تحركات أوروبية لبلورة مبادرة لحض رافضي اتفاق ابوجا على توقيعه. وعلمت"الحياة"أن مبعوث الاتحاد الاوروبي بيا هافيستو يقوم بتحركات مكثفة في أوساط رافضي ابوجا، سعياً إلى توحيد الحركات الرافضة في إطار"حركة تحرير السودان"، بالتنسيق مع"جبهة الخلاص". وأكد حرير أن"اتصالات اوروبية تجري حالياً لبلورة موقف جديد بعدما أيقن كثيرون فشل اتفاق ابوجا في تحقيق السلام في الاقليم". في غضون ذلك، أعلن الوزير دينغ الور، تأييد"الحركة الشعبية لتحرير السودان"، وهي الشريك الاساسي في حكومة الوحدة الوطنية، القرار 1706. وقال للصحافيين عقب اجتماع اللجنة السياسية للحركة أمس:"نحن مع القوات الدولية وموقفنا ثابت من ذلك. ونعتقد ان قرار مجلس الامن لصالح إنسان دارفور، وهو قرار يحمي المدنيين". وهدد الناطق باسم"حركة تحرير السودان"التي يتزعمها مناوي، إن"الحركة ستتجه الى فض الشراكة في حال أعلن المؤتمر الشعبي الحاكم الجهاد"ضد القوات الدولية المرتقبة في دارفور. وقال محجوب حسين خلال ندوة جماهيرية في الفاشر، كبرى مدن شمال دارفور:"نرفض أي تصعيد ضد القوات الدولية. وأي اتجاه نحو الجهاد يعني انهيار اتفاق ابوجا". ودعا إلى"رفع الطوارئ في دارفور والغاء القوانين الاستثنائية".