مهرجان مدينة مالمو الجنوبية هو أحد أهم مهرجانات السويد وأكثرها جذباً للزوار، إذ يزيد عددهم عن المليون ونصف المليون خلال الايام الثمانية لهذا الإحتفال الصيفي. وقد اقيم المهرجان هذا العام بين 18-25 آب أغسطس،واشترك فيه نحو 6000 مشارك، نظموا أكثر من 250 حفلاً موسيقياً، قدمها أفضل الموسيقيين والمغنين والراقصين السويديين والأجانب، بينهم لينا فيليبسون أشهر مغنيات البوب السويديات، وإسحق دِلغادو ملك السالسا الكوبي، وفرق مختلفة وموسيقيون من الولاياتالمتحدة وكندا والدنمارك وفنلندا والنرويج وبريطانيا وبلجيكا وفرنسا والجزائر والسنغال وغيرها. والى جانب العروض الموسيقية هناك كثير من النشاطات مثل المعارض الفنية المختلفة وأسواق الحرفيين وألعاب الأطفال وندوات الشباب وغيرها، بالإضافة إلى المأكولات اللذيذة والحلوى التي تباع في منطقة المدينة القديمة. ويمكن حضور كل فعاليات المهرجان مجاناً. وكان المهرجان انطلق في 1985 بهدف عرض التنوع الثقافي في المدينة وتقديم برامج تناسب مختلف الأعمار والأذواق، وفوق ذلك يطمح إلى إشراك المشاهدين والزوار في بعض فعالياته. وتكاد الساحة الكبيرة Stortorget أن تكون مركز المهرجان، فهي أكبر ساحة في مالمو، يتوسطها تمثال الملك كارل العاشر غوستاف، وهو الملك السويدي الذي انتزع جنوبالسويد سكونه وهالاند وبليكنغه من الدنماركيين في اتفاقية سنة 1658. وقد انشأت الساحة قبل ذلك في 1536، وكانت أكبر ساحة في شمال أوروبا لفترة طويلة. في هذه الساحة نصب المسرح الكبير الذي قدمت فيه العروض على مدار الساعة، وقد غطى المسرح الجزء الكبير من واجهة بناية بلدية مالمو الجميلة التي شيدت في سنة 1546، إلا أن واجهتها الحالية تعود إلى ستينيات القرن التاسع عشر وقد بنيت على طراز عصر النهضة الهولندي. وفي الطرف المقابل للمسرح وضعت أجهزة وألعاب فأصبح هذا القسم من الساحة وكأنه مدينة ملاهي بامتياز، لتجتذب ألعابها الأطفال وحتى الكبار. وتقع في الساحة نفسها صيدلية ليونيت الجميلة التي بنيت في أواخر القرن التاسع عشر وقد ظلت على حالها الأصلية، وهي مشيدة وفق طراز عصر النهضة الألماني وزخرف داخلها بنقوش دقيقة على الطراز الغوطي. وعلى رغم الجو المتقلب الماطر الذي ميز اسبوع المهرجان هذا العام، فقد حالفنا حظ كبير أثناء تجوالنا في ثاني أيام المهرجان، عندما خلت السماء من الغيوم وسطعت الشمس الإسكندينافية دافئة ليعلن محرار ساعة الساحة الكبيرة عن تسع وعشرين درجة. وقبيل مغادرتنا هذه الساحة المكتظة بالبرامج والألعاب والناس الظرفاء، مر فارس بملابس حمراء قديمة الطراز على فرسه الأنيقة الرشيقة التي ألبسها بمثل ما لبس، متبختراً كعارضات الأزياء على المسرح. وسرعان ما تحولت حيوية وازدحام الساحة الكبيرة إلى حميمية وأناقة فور دخولنا واحدة من أجمل ساحات مالمو وأكثرها سحراً، وهي الساحة الصغيرة Lilla Torg التي انشأت في العام 1592. وتنتشر المطاعم والمقاهي في هذه الساحة التي تعود مبانيها إلى عصور مختلفة، فقد شيد أقدمها قبل حوالي خمسة قرون. وتتميز في هذه الساحة بناية هدمانسكا غوردن وباحتها الداخلية التي تشكل مزيجاً من بنايتين، الأولى تعود إلى القرن السادس عشر، والثانية شيدت في أواخر القرن التاسع عشر وتحولت إلى معرض للتصميم والديكور. ونُصب في باحة هذه البناية العتيقة مسرح انبعثت منه أنغام موسيقى الجاز تقدمها فرقة تشترك في المهرجان، اصطفت أمامه مقاعد بسيطة جاورت طاولات مطعمٍ غصتّ بالزبائن. وأقيمت نشاطات كثيرة في ساحة غوستاف أدولف، وهي تحمل اسم الملك غوستاف الرابع الذي أراد تحويل مالمو إلى عاصمة ثانية للسويد في القرن التاسع عشر، غير أنه نُحّي عن العرش ففشلت خططه. وفي هذه الساحة الواسعة التي تشبه متنزهاً لكثرة أشجارها وحدائقها وبركها، انتشرت المطاعم التي تقدم كل أصناف الطعام، الشرقي والغربي. وامتد صف من الخيم لبيع المشغولات اليدوية الفنية، وتوسط الساحة سوق للخضار. ومتنزه راول فالنبيري والنبرغ Raoul Wallenberg هو الموقع الآخر لفعاليات المهرجان، حيث نصبت "الحلبة" التي اقيمت فيها مختلف النشاطات الشبابية بالدرجة الأولى، كالندوات والمسابقات والألعاب وعروض الرقص الكلاسيكي اللاتيني، وتوجد فيها بعض الألعاب، بينها لعبة للتصويب يجلس أحد القائمين بها على مقعد فوق قناة خارج سياج الجسر، ليسقط في الماء إن نجح اللاعب في التصويب وسط تهليل المتفرجين. وتذكرنا هذه القناة بقنوات كوبنهاغن المجاورة، وتستأجر فيها قوارب للنزهة. وعلى درجات حجرية تصل إلى مياه هذه القناة جلس فتى نحيف صبغ شعره النافر كعرف الديك بألوانٍ كأنها الطيف الشمسي، فصار بحق جزءاً من هذا المهرجان الملون هو الآخر. لكن الحديث عن مهرجان مالمو لا يكتمل من دون التطرق إلى مالمو نفسها وإلى معالمها السياحية والعمرانية. فهي ثالث أكبر مدينة سويدية إذ يبلغ عدد سكانها حوالي 270 ألف نسمة، وجامعتها حديثة اسست في 1998، وقد بلغ عدد الطلبة فيها اليوم أكثر من 21 ألف طالب، وهي مدينة صناعية وتجارية هامة وفيها ميناء كبير. ويسكنها عدد ضخم من الوافدين الذين قدموا من مختلف بلدان العالم، وانعكس ذلك على التنوع الذي تتميز به المدينة، حيث توجد مثلاً مطاعم تمثل معظم البلدان، ونعثر في متاجرها على بضائع تستورد من كل مكان. ومن معالمها الشهيرة معرض مالمو التجاري الدولي، وطواحينها الهوائية المبنية على الطراز الهولندي، مثل الطاحونة الهولندية التي بنيت في 1851 وتقع في متنزه المدينة القريب من ساحة غوستاف أدولف. وكان هذا المتنزه هو الآخر مسرحاً من مسارح المهرجان. ويبرز في سماء المدينة برج كنيسة القديس بطرس التي هي أقدم بناية هناك وتعود إلى القرن الرابع عشر وتقع خلف بناية البلدية. وتتميز الكنيسة بأن جدرانها الداخلية التي رسمت عليها مناظر إنجيلية قد طليت بطلاء أبيض بعد انتصار البروتستانتية في هذه الأصقاع، غير أن طبقة الطلاء هذه ازيلت في مطلع القرن العشرين ورممت الرسوم القديمة التي تعود إلى عصر النهضة. وأصبح جسر أُورَسوند مشهداً مهماً من مشاهد مالمو منذ افتتاحه في الأول من تموز يوليو 2000، وهو الجسر المعلق الذي يربط السويد بالدنمارك، أي بأوروبا. ويبلغ طول الجسر أكثر من 15 كيلومتراً وارتفاعه أكثر من 200 متر فوق سطح البحر. وأخيراً هناك برج توشو Torso الملوي الذي اكتمل بناؤه في العام الماضي، وهو أعلى بناية في السويد إذ يبلغ ارتفاعه 190 متراً.