الدبابة التي تتحرك على الشاشة، يتبعها تموّج الصواريخ في الفضاء، فوق مدن وأمكنة محددة بأسمائها، تشبه ما يظهر في الألعاب الالكترونية التي يهواها الأطفال. لكنّ شاشات الأخبار العربية،"استوحت"، وفي شكل متزايد أخيراً، من مزاج الأطفال، فأقدمت على تزويد نشراتها بما يسميه المتخصصون"ملح الشاشة". إنه"الغرافيكس". تلك الرموز والخرائط المصممة بدقة تكنولوجية عالية، والتي يفرض استخدامها فاتورة اقتصادية باهظة على القنوات، خاصة في وقت الأزمات مثل الحروب، باتت مرغوبة أكثر مما مضى من جانب الجمهور وذائقته. فهي، فضلاً عن كونها أداة توضيحية تأخذ من الصورة كنهها أي المعلومة وتجنب المشاهد ضعف تأثير تلك الصورة لجهة مرورها السريع واختزالها المعلومات المقروءة على عجالة، فهي صورة كرتونية ملوّنة، وإيضاحية تلخص مجريات الأمور بإغراء الألوان والرسوم. يصبح الحال، كما في قاعات التدريس الابتدائية التي"يلقّم"فيها التلميذ المعلومة بهدوء وتركيز. وهي، أي الغرافيكس، من جهة أخرى، أداة جديدة للتنافس بين الفضائيات الإخبارية على تقديم الجديد، ثم التفرد بتقديم الجودة الأعلى من ذلك الجديد. ملح غامر ويبدو أن اشتهاء قناة"العربية"لپ"ملح الشاشة"، بلغ أوجه في فترة الحرب على لبنان، حتى صير الى تنفيذ برنامج كامل يقوم على تقديم خرائط وتصميمات إيضاحية، تترجم الخطط العسكرية والسيناريوات السياسية، في شكل غرافيكي، مترافق مع شروحات المذيعين والمحللين. هكذا، وعلى مدى شهر، نثر"يوميات الحرب"من الملح ما غمر مجالس المشاهدين. يقول فادي راضي، المسؤول عن فريق من 15 موظفاً في"العربية"يجمعون الخبرات الهندسية الى التكنولوجية لتوليف تلك الخرائط والتصاميم:"لم يعد من السهل الاستغناء اليوم عن تقنية الغرافيكس. انها مطلوبة من المحطة والمشاهد، بشرط عدم المبالغة بتحويل نشرة الأخبار الى ندوة غرافيكس إيضاحية. فالصورة الواقعية تبقى الأساس، لكن الغرافيكس يحمي المشاهد من الاختزال السريع للمعلومة". ولا يبدو ذلك من الناحية التكنولوجية سهلاً. فپ"العربية"دفعت آلاف الدولارات لشركة"غوغل"كي تستخدم نسخة عالية التقنية عن برنامجها الشهير للخرائط"غوغل ايرث"، ما أتاح لها النفاذ الى صور ملتقطة من الأقمار الصناعية لكل القرى والبلدات، على امتداد مناطق المعارك بين لبنان وفلسطين. وشكلت مادة محرك البحث"غوغل"قماشة رئيسية لبرنامج"يوميات الحرب". وكانت"العربية"، قبل ذلك، تعتمد في شكل رئيس على اشتراكها بخدمات القمر الصناعي الأميركي"سبيس ايميجنغ""والذي يحوم في فضاء منطقتنا منذ سنوات ملتقطاً صور دقيقة للشوارع والأحياء. لم تتوقف القناة عن استخدام صور"سبيس ايميجنغ"، لكنّ تقنية"غوغل"ساهمت بتزويدها بصور أكثر تفصيلاً. لكنّ العيب الذي واجه تلك التقنية هو عدم تحديث صور"غوغل"التي يتم تغييرها في شكل نصف سنوي في العادة، فكنا نشاهد صور البلدات والأحياء في الجنوب اللبناني، في وقت تدميرها، على هيئتها الصحيحة كما كانت قبل الحرب. كما أن المربع الأمني لم يمس في صورة"غوغل"بينما كانت بقاياه تحترق على أرض الضاحية الجنوبية لبيروت. التحدي الآخر الذي واجه فريق راضي تمثّل"بعامل السرعة الذي يجعل من الصعب التأكد من دقة المعلومة التي يزودنا بها فريق المحررين لكي نبني سيناريو الغرافيكس على أساسها. فعملية بناء أشكال ثلاثية الأبعاد وتركيب الخرائط، مرهقة، وليس من السهل الاستغناء عنها وإبدالها في حال ثبت عدم دقة المعلومة التي زودنا بها". تدريبات أما المعلومات عن طبيعة الأسلحة المستخدمة في الحرب وأشكالها، فكان من السهل الحصول عليها من مواقع الانترنت والمجلات المتخصصة والمحللين العسكريين،"ثم استخدمنا برنامج ثري دي ستوديو ماكس المتطور لكي نبني لتلك الأشكال بعداً ثالثاً، فيسهل، على سبيل المثال، تحريك الرشاش وقلبه، او جر الدبابة على الخريطة". كذلك استخدم راضي برنامجاً خاصاً يعمل على تركيب الصور الحية التي يلتقطها القمر الصناعي على الخريطة الافتراضية،"كأنك تصب الصورة في قالبها". ويقتضي هذا الأمر دقة كبيرة في ملاءمة خطوط الطول والعرض بين الخريطة والصور. وتستخدم"العربية"بشكل متزايد تقنية الغرافيكس في نشراتها الإخبارية، مثل"بانوراما"وپ"لبنان تحت النار"وپ"النشرة الاقتصادية". ويقول طاهر بركة مقدم برنامج"يوميات الحرب": خضعت لتدريبات على التعاطي مع الغرافيكس وتقديم التحليلات وساعدتني تقنية اللمس تاتش سكرين في شكل أساسي، وتزامن استخدام القناة لهذه التقنية مع أحداث الحرب على لبنان، ما ساعد على الإفادة منها في شكل مؤثر. "العربية"ليست القناة الوحيدة التي تستخدم الغرافيكس في نشراتها، فپ"الجزيرة"وتلفزيون دبي ضالعتان، منذ سنوات باستخدامها، إلا أن راضي يعتقد أن"القنوات الأخرى لحقت العربية في ذلك، وكنا أول من استخدم التقنيات عالية الجودة، فنقاوة الصورة واللون التي تظهر عليها تصميماتنا مختلفة في درجتها عما يقدمه الآخرون".