زعل الوزير اللبناني كثيراً من مواطنه الصحافي، عندما نصحه الأخير بأن لا يكشف الجانب الأيسر من وجهه للكاميرا، لأنه يبدو عدائياً بعض الشيء. ومنذ ذلك الوقت البعيد، لم يعد يتكلّم معه. فهل يكون الصحافي أهان الوزير بنصيحته تلك؟ لا، بالطبع، إلاّ إذا اعتبرها الوزير اللبناني"تنميرة"عليه، أي سخرية منه. وهل كان الصحافي حسن النية عندما"ألقى"بنصيحته، التي تمسّ الوزير، بالشكل والمضمون؟ لا يمكننا أن نعرف إلاّ انهما بقيا متخاصمين حتى الآن. بيد أن"نصيحة"الصحافي كانت في محلّها، في كل الأحوال. فثمة من صار يتبعها من الشخصيات السياسية، خصوصاً أن مسرحة الشخصية الواقعية التي تخاطب الناس يومياً، شكّلت قضية جدية في ثمانينات القرن الماضي. ففي فرنسا، استدعى رئيس الجمهورية الراحل فرانسوا ميتران، الإعلاني الشهير جاك سيغيلا، ل"يُخرج"حملاته الانتخابية، بتنسيق الإطلالة وطريقة الكلام ومضمونه وتوجّهاته وخلفية المشهد... تماماً مثلما فعل الممثل الأميركي ريتشارد غير في فيلم"سلطة"1986 لسيدني لوميت، إذ تدخّل في كل شاردة وواردة في حملات زبائنه من السياسيين وأصحاب النفوذ. والأمر ذاته يحصل في الواقع السياسي في الولاياتالمتحدة، حيث لكل شخصية سياسية"مخرجها". عوامل كثيرة دفعت بميتران، وبسياسيين فرنسيين آخرين، إلى النزوع نحو تنظيم الحملات السياسية حتى إخراجها إخراجاً فنياً، منها: إبراز نقاط الحملة الأساسية، وتوقيت مجابهة الخصم أو الحملة المضادة، وغير ذلك... لكن الأهم يبقى شخصية السياسي. وقد تأثّر الساسة الفرنسيون، في تلك الفترة، ب"عرائس بيبيت"التي كانت تعرضها القناة الفرنسية الأولى، وتنتقد من خلالها الشخصيات السياسية، وبشكل كاريكاتوري ساخر. ويبدو أن تلك العرائس لم تكن تقلّد الساسة في أفعالهم فحسب، بل ذهبت أيضاً إلى حد تمثيل السلوك المفترض لسياسي ما في موقف معيّن. وهو الأمر الذي لفت السياسيين إلى ضرورة تحضير"الصورة"شكلاً ومضموناً، قبل التصرّف. وإثر ذلك، حقّق الإعلاني الفرنسي جاك سيغيلا ثلاث حملات ناجحة لكل من رئيسي الوزراء الاشتراكيين السابقين فرانسوا ميتران وليونيل جوسبان. واستناداً إلى موقف الوزير اللبناني من الصحافي الناصح، يبدو أن الاعتماد في البلدان العربية على الشخصية"الخام"، وخصوصاً عندما يطلّ السياسي على شاشة التلفزيون، أو على منبر. والسباق على استقطاب الرأي العام أو الأصوات رهن بالفطرة وسرعة البديهة والجاذبية الطبيعية. لم تعد الإطلالات السياسية بريئة، مثلما هي السياسة، فمنها لأصحاب حنكة ومنها ل"ممثلين"يلعبون أدواراً تحت إشراف مخرجين. لم يكن يحق للوزير اللبناني أن يزعل من الصحافي، لأنه كان يعرف كل هذا.