تنشر مجلة "فورتشن" الأميركية لائحة بالشركات والمؤسسات ال500 الأكبر في العالم، واللافت والمؤسف في آن غياب الشركات العربية عن اللائحة المذكورة. واذا حدث وظهرت واحدة منها فقد تكون في ذيل القائمة، ولسنة واحدة، ثم تعود بعد ذلك للاختفاء. والأمر ذاته ينطبق على أكبر 500 مصرف، إذ لن نجد عدداً كبيراً من المصارف العربية ضمن هذه القائمة. وقس على ذلك في القطاعات الاخرى، ولربما يكون الاستثناء الواضح مؤسسات الاتصالات وشركاتها، او بعض مصانع البتروكيماويات والأسمدة. وقد يثير الباحث المتأمل في هذه الظاهرة، التساؤل الرئيس: لماذا ذلك؟ هل لأن الأقطار العربية عاجزة عن البروز على الساحة الدولية؟ وهل ينتج ذلك عن عجز في القدرات التنظيمية العربية، أم ان هذه الشركات الدولية العالمية يجب ان تبرز في شكل واضح على الساحة العربية الاقليمية كخطوة اولى وأساسية قبل ان تصل الى النشاط العالمي، وتبلغ احجاماً تؤهلها لدخول اللائحة؟ ام لأن المؤسسات العربية تعاني سد اعراض داخلية تجعل شيخوختها سريعة، وفي عمر مبكر لا يؤهلها مداه للوصول الى المراتب الاولى على سلم العالمية؟ وقد تكون الاسباب هي كل ما ذكر اعلاه. ولكن هل هذه الاسباب كافية ام ان تجاوزها ومواجهتها، وتحقيق ذلك النجاح الكبير أمور ممكنة؟ هل من المعقول مثلاً ان تستطيع دولة مثل فنلنده ان تخلق مؤسسة"نوكيا"، وهولندا"فيليبس"، وپ"شيل"، وسويسرا"نستله"، وپ"هولدربانك"، وپ"روتس"، بينما يعجز الوطن العربي عن ذلك؟ لا توجد في الوطن العربي مثلاً سلسلة"فنادق"دولية. وهنالك بعض الامثلة على بدايات قد تكون موفقة مثل"روتانا"، في دولة الامارات. ولكن روتانا وغيرها من بعض السلاسل الفندقية في المملكة العربية السعودية لم تشكل لنفسها بعد"صورة"واضحة أو"هوية مؤسسية"تميزها عن غيرها. ولكننا نقول ان انتشار بعض هذه الفنادق في المنطقة العربية يؤهلها ببعض الجهد الاعلامي والتموضع الترويجي في الاسواق ان تفعل ذلك. ومن غير المعقول ان يتسع الوطن العربي لعشرات الشركات العالمية الفندقية، ولا يتسع لواحدة او اثنتين من الدول العربية. وتنطبق الحال على سلاسل المطاعم العربية. فنحن ان نعلم ان المطبخ الشامي بمفهوم"الشام"الواسع منتشر في كل انحاء العالم، ونرى بأم اعيننا كيف ان"الفلافل"وپ"الحمص"، صارت من الأكلات التي يدعي الاسرائيليون انها طعام خاص بهم. فهل في الإمكان تطوير هذا الطعام الصحي ليصبح شركة دولية مثل"ماكدونالدز"، وغيرها؟ اننا نرى ان وطننا العربي الكبير يشكل سوقاً رئيسة لپ"الهامبرغر الاميركي، والبيتزا الايطالية، والدجاج المشوي على طريقة الجنوب الاميركي"فلماذا لا نستطيع تطوير سلاسل مطاعم عربية في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية وأوروبا وحتى شمال اميركا؟ وفي مجال الطيران، بدأت بعض الشركات الوطنية تحقيق نجاحات واضحة مثل طيران الامارات، والطيران القطري. وهنالك شركات كبرى قائمة اصلاً مثل الطيران السعودي، والمصري وپ"الشرق الاوسط"، ولكن هذه الشركات تبقى على رغم نجاحاتها التجارية، خاضعة للمنافسة المحلية والاقليمية. فهل في الإمكان البحث عن صيغ جديدة لدمج شركات طيران عربية، ينبثق منها شركة واحدة دولية تنافس شركة"فيرجين"التي يملكها ريتشارد براتسون؟ لا شك في ان بناء مصرف او اكثر من المصارف العربية ليصبح مصرفاً واسع الانتشار في كل ارجاء العالم، ويقوم على ادارة جدية هو ايضاً أمر ممكن. فهل يعقل ان يكون لبريطانيا ثلاثة او اربعة مصارف دولية تعمل بقوة في المنطقة العربية، ولا يكون للوطن العربي في المقابل مصارف قادرة على الحضور في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية، الى جانب وجودها الخجول في اوروبا وأميركا الشمالية؟ "البنك العربي"من اقدم المصارف العربية وأكثرها انتشاراً. فلماذا لا تستثمر الفرص المتاحة علماً ان هنالك مصارف عربية اخرى في الخليج تفوق البنك العربي حجماً وموجودات؟ وكذلك في مجالات التأسيس، والمقاولات، وصناعة البلاستيك، والصناعات الغذائية المتعلقة بالتمر واللحوم وغيرهما؟ والامثلة التي يمكن متابعتها كثيرة. ولا شك في ان هذه الموجة من المؤسسية العربية آتية، ولكن في الامكان تسريعها في ظل الموجة العالمية الجديدة. ويجب على رجل الاعمال العربي ان يتخلص من حالة الخوف على نظم"الوكالات التجارية"الى ايجاد"وكلاء"لمنتجاته وخدماته في الاسواق العالمية. وهنالك رجال كهؤلاء قادرون على هذا التحدي. * خبير اقتصادي - "البصيرة للاستشارات".