قبل بضعة أسابيع، أعلن محرك البحث الأشهر على الانترنت "غوغل" eGoogl عن خدمة جديدة سمّاها "غوغل كود" أي "شيفرة غوغل". وتجمع هذه الخدمة الشيفرات المُتاحة عالمياً، سواء المتعلقة بنُظُم تشغيل الكومبيوتر أو البرمجيات والتطبيقات، وتضعها في متناول الجمهور، ومن ضمنه المُبرمجون وهواة التلاعب بشيفرات الكومبيوتر ومهندسو البرامج وغيرهم. واعتبر غير اختصاصي عالمياً أن الاعلان عن الخدمة يأتي في إطار الصراع المتعدد الأوجه بين"غوغل"وشركة"مايكروسوفت". ويبدو ان"غوغل"نقل الصراع إلى ساحة نُظُم تشغيل الكومبيوتر، ما بعث أطياف حرب مشتعلة أصلاً في تلك الساحة. في الصورة العامة، تبدو نُظُم التشغيل المفتوحة المصدر، خصوصاً نظام"لينوكس"Linux، وكأنها كفّت عن محاولة كسر هيمنة نظام التشغيل"ويندوز"Windows، الذي تنتجه شركة مايكروسوفت وتحتكر شيفرته. ويُقصد بالمصدر المفتوح أن تُتاح شيفرة المصدر Source Code المستخدمة لإنتاج أحد البرامج أو التطبيقات للجميع، بحيث يتمكنون من تغييرها وتطويرها. وما زال حضور"لينوكس"في كومبيوترات الجمهور ضعيفاً. ولم يتقدم كثيراً في مجال كسر هيمنة"ويندوز"في خوادم الانترنت، وهو المجال الذي أحرز فيه بعض النجاح. ويقترب العام 2007، من دون أن تحمل الأخبار جديداً بالنسبة الى نظام التشغيل الآسيوي, الذي أعلنت مجموعة من دول تلك القارة عزمها على صنعه ودعمه، وبهدف الخروج من الهيمنة القوية لنظام"ويندوز"على عالم نُظُم تشغيل الحواسيب. والحق أن لتلك المسألة جانباً آخر، غير قضية هيمنة مايكروسوفت على نُظُم التشغيل. وترى دول مثل الصين والبرازيل وألمانيا، أن نُظُم التشغيل المفتوحة هي المدخل لبناء بنية تحتية معلوماتية مستقلة عن احتكار الشركات العالمية الكبرى، والتي تملك الولاياتالمتحدة النسبة الأكبر منها. وإضافة إلى تلك الأمور، يعتبر كثيرون من المتخصصين ان استقلالية البنية المعلوماتية معبر ضروري لحماية المعلومات على المستويات المختلفة. وينقل هذا المنحى"الاستقلالي"النقاش عن النُظُم المفتوحة المصدر الى آفاق أوسع من المدى التكنولوجي المحض. والمعلوم أيضاً ان الأنظمة المفتوحة المصدر تتميز برخص أسعارها، ما يجعلها مناسبة على نحو خاص للدول النامية، ومن ضمنها البلدان العربية. وقد نصحت الأممالمتحدة، في غير مؤتمر وتقرير، تلك الدول بتبني النُظُم المذكورة كأساس لانخراطها فعلياً في ركب التطور المعلوماتي. ماذا عن العرب؟ بحسب ما يورد موقع"البوابة العربية للأخبار التقنية"Arab IT News ، تبنى مجلس وزراء الاتصالات العرب أخيراً مشروعاً عربياً يتضمن إنشاء شبكة لدعم تطوير البرمجيات المفتوحة المصدر. ويأتي المشروع في إطار خطة استراتيجية تتضمن تسعة عشر مشروعاً مماثلاً أوصى بتبنيها فريق متخصص كُلّف بلورة استراتيجية عربية للعمل في مجال الاتصالات والمعلومات. ويتبنى المشروع دعم البرمجيات المفتوحة المصدر المناسبة للمستخدم العربي، وتحفيز المبرمجين العرب على تطوير هذه البرامج، إضافة إلى تسهيل تبادل البرامج بين المؤسسات التي تُصنّعها، إضافة إلى دعم مجموعة من المشاريع الفردية في مجال النُظُم المفتوحة. ومن الأمثلة على المشاريع المتصلة بالنُظُم المفتوحة المصدر، مشروع"عربايز"arabeyes.org"ومشاريع مجموعات"لينوكس"في مختلف الدول العربية مثل"لينوكس السعودية"linux.org.sa. وعلى رغم محدوديتها، تحمل المشاريع المذكورة شبهاً نسبياً، لما يجري في دول أخرى مثل كوريا الجنوبيةوالصين وبعض بلدان أميركا اللاتينية وغيرها. ويُبيّن موقع"البوابة العربية للأخبار التقنية"ان المشروع العربي الذي تبناه وزراء الاتصالات والمعلوماتية العرب، يتألف من شبكة افتراضية على الإنترنت توفر البرمجياتال مفتوحة المصدر التي تتناسب مع احتياجات المستخدم العربي، كما تُسهل عمل المطورين العرب في البرمجيات المفتوحة المصدر، إضافة إلى تسهيل تبادل البرامج بين صُنّاعها بحيث لا تحول مراعاة حقوق الملكية الفكرية دون انتشار المعرفة معلوماتياً. ويفترض ان توفر الشبكة المحتوى التفاعلي الذي يساعد على ربط المبرمجين العرب، وأن تستفيد من مشاريع رائدة في هذا المجال مثل مشروع"سورس فورغ"Source Forge الذي يقدم بيئة تستضيف أكثر من ستين ألف مشروع مفتوح المصدر. كما يتضمن المشروع عقد سلسلة من الندوات والمؤتمرات لتبادل الأفكار والأطروحات بين المطورين في العالم العربي. ومن المؤمل ان يؤدي انتشار البرامج المفتوحة المصدر في العالم العربي إلى دعم أجيال المُبرمجين، بحيث يتمكن العرب من امتلاك تقنية البرمجيات من خلال المشاركة في مشاريع رائدة عالمياً. ويشجع ذلك الأمر على التوسّع في تعريب البرمجيات، وكذلك لغات البرمجة الأساسية مثل"فورتران"وپ"بازيك"، بحيث يستطيع طلاب المدارس الإمساك بهذه التقنية، والانتقال لاحقاً، عند دخولهم عالم العمل الفعلي في المعلوماتية، الى صنع برمجيات تصلح للمنافسة عالمياً، كما هو الحال في مجموعة من الدول الأخرى. ويفترض المشروع أيضاً تكوين فريق عربي، بمشاركة جامعة الدول العربية، لتسويق المشروع لدى القطاع الخاص والجامعات ومراكز البحوث عربياً، وذلك لإيجاد راع يتحمل تكاليف إنشاء هذه الشبكة. ويتوقع بعض الخبراء ان تصل كلفة إطلاق المشروع إلى مليون دولار أميركي تقريباً، إضافة إلى ستمئة ألف دولار أميركي كمصاريف للتشغيل في المرحلة الأولى.ومن المحتمل أن تُساهم بعض المؤسسات الدولية فيه، مثل منظمة اليونسكو وبرنامج الأممالمتحدة الإنمائي وغيرهما. مبادرة اسرائيلية مُثيرة! وفي سياق مُتّصل، استطلع موقع"البوابة العربية للأخبار التقنية"آراء بعض الخبراء العرب عن المشروع العربي للنُظُم المفتوحة المصدر، فأشار بعضهم الى قرار إسرائيل، التي تتمتع بمستوى متقدم معلوماتياً كما تمتلك علاقات وثيقة مع الشركات الأميركية الكُبرى، بوقف استعمال البرمجيات المقفلة المصدر لشركة مايكروسوفت في الأجهزة والهيئات والوكالات الحكومية، واتخذت قراراً استراتيجياً بالتوجه نحو البرمجيات المفتوحة كبديل أرخص ثمناً وأكثر أمانا. وبذا، سارت إسرائيل في الخط الذي انتهجته سابقاً دول عدة من ضمنها فرنساوالصين وألمانيا والبرازيل واليابان وكوريا الجنوبية وروسيا، إضافة الى ولاية ماساشوستس الأميركية. وفي مبادرة لافتة، تبنت الأخيرة 200 مليون نسخة من برامج الكومبيوتر المكتبية المفتوحة المصدر، كبديل من المنتجات المماثلة المقفلة المصدر التي تصنعها مايكروسوفت. ويتوقع بعض المراقبين ان تشكل هذه الخطوة في ماساشوستس،"القطرة الأولى من سيل طام"إذا وصل رئيس ديموقراطي الى المكتب البيضاوي. فالمعلوم أن الكثير من زعماء ذلك الحزب لا يميلون الى شركة مايكروسوفت، ويفضلون دعم منافسيها. - وفي السياق عينه، يؤكد الدكتور يسري زكي، الخبير العربي في أمن تكنولوجيا المعلومات والبرمجيات، ان"البرمجيات المفتوحة المصدر تعتبر إحدى أهم عشر تقنيات تدفع التطور البشري وليس المعلوماتي فقط-... إننا أمام منظومة متكاملة تمثل كنزاً حقيقياً لمن يريد الاستفادة، والمطلوب بذل المجهود والاعتماد على النفس وتبني هذه النظم كمستخدمين ومتعلمين ومطورين، لتصبح إحدى الركائز الأساسية في بناء مجتمع تكنولوجي وفعال وليس مشغلاً فقط أو معتمداً على ما يحدده الآخرون من منتجات". ويشير الى ثلاثة عناصر تُميّز النُظُم المفتوحة المصدر هي:"ارتفاع المستوى الأمني وإمكان التطوير الذاتي من دون الاعتماد على الغير والتكلفة الخفيضة". ويرى زكي ان"النقلة النوعية المقبلة في مجال النُظُم المفتوحة تتمثّل في الإلكترونيات الدقيقة"، لافتاً الى تجربة استعمال النُظُم المفتوحة في الأجهزة الإلكترونية الذكية، ضمن مشروع"الجامعة التكنولوجيا المفتوحة"at-ou.org. ويطالب زكي المبرمجين الشباب بالتقاط هذه الفرصة،"خصوصاً ان هذا المجال مفتوح الآن على مصراعيه للعمل الجماعي". وفي نفس مُشابه، ترى جاكلين دانيال مديرة الأعمال التكنولوجية في شركة"أوراكل"العالمية أن الاعتماد على هذه النظم أصبح حقيقة واقعة:"توقعات المراقبين العالميين تشير إلى أنها ستحتل نصيب الأسد من السوق العالمية للبرمجيات في وقت قريب... ولذا تتلقى تلك النُظُم الدعم من شركات أساسية في صناعة المعلوماتية مثل"آي بي ام"وپ"هيوليت باكارد"وپ"أوراكل"وپ"صن مايكروسيستمز"وغيرها". ويدعو الدكتور جلال حسين، خبير نظم المعلومات والبرمجيات العربي، الى تشجيع البرمجيات المفتوحة المصدر، خصوصاً في ظل ارتفاع أسعار البرمجيات الجاهزة والمقفلة. ويطالب الحكومات العربية بدمج البرمجيات المفتوحة المصدر في الاستراتيجية القومية لبناء مجتمع المعلومات في الدول العربية، وخصوصاً في ظل"النقص الواضح"للخبرات الاستشارية في هذا المجال:"في الخارج مثلاً هناك"الجمعية البريطانية لنظم المعلومات"تعطي شهادة لمطوري الشيفرات المفتوحة، فلماذا لا يكون هناك جهة تدعم هذا المجال بجانب الدعم الحكومي المفقود"؟. حركة لكسر هيمنة الشركات وفي الإطار ذاته، يشرح أحد الخبراء في موقع"البوابة العربية للأخبار التقنية"تفاصيل هذه الحركة التكنولوجية التي تُدعى"المصدر المفتوح". ويرى انها"صنعت زخماً"في مجال التكنولوجيا في السنوات الأخيرة، موضحاً ان أي فرد ملمّ بقواعد البرمجة يمكنه أن يغير ويطور في أي برنامج يحصل عليه من برامج المصدر المفتوح، كي يلائم البرنامج التطبيقي الذي يعمل عليه. ويُطلق على حركة المصدر المفتوح تعبير"حركة""لأنها تمثل نموذجاً لتطوير البرامج والتطبيقات الحاسوبية، إضافة الى كونها اتجاهاً فكرياً يتعلق بتحرير الإبداع البشري، قدر الإمكان، من سطوة الشركات الكبرى. ويختلف ذلك جذرياً عن نموذج المصدر المغلق أو التجاري الذي تتبعه معظم الشركات الكبرى في المعلوماتية، وأهمها شركة مايكروسوفت. فبحصولك على نسخة من نظام تشغيل"ويندوز"مثلاً، ليس في إمكانك أن تغيّر في لغة البرمجة أو الشيفرة التي صنع بها"ويندوز""لأسباب تقنية وقانونية، أحكمت الشركة نسجها. وبهذه الطريقة أصبح نظام"ويندوز"يعمل على حوالى 94 في المئة من الحواسيب الشخصية عالمياً. ولم تفلح قضية منع الاحتكار التي رفعتها الحكومة الأميركية أواخر التسعينات من القرن الماضي، أو مثيلتها الجارية الآن من جانب الاتحاد الأوربي، في أن تزعزع من قبضة مايكروسوفت على الساحة التكنولوجية. ولكن أفلح في ذلك مبرمجو ومطورو حركة المصدر المفتوح ونظامهم"لينوكس". والدليل على ذلك أن ستيف بالمر، المدير التنفيذي لمايكروسوفت، وصف نظام"لينوكس"، في مؤتمر عقد في العام 2001، باعتباره"أخطر تهديد لمايكروسوفت". أضف إلى ذلك أن نظام"لينوكس"المجاني أصبح منافساً قوياً في سوق الحواسيب الخادمة سيرفر للشركات"إذ يعمل على حوالى 23 في المئة منها"ويحلّ بعد نظام تشغيل"ويندوز"الذي يحظى بنسبة 55 في المئة. وقد أشارت شركة"أي دي سي"، المتخصصة بإحصاءات المعلوماتية والاتصالات عالمياً، إلى أن استخدام نظام"لينوكس"على الحواسيب الشخصية يتنامى بمعدلات عالية. كما شرع عدد كبير من الشركات الكبرى في استخدام نظام"لينوكس"بصورة رئيسة في إدارة أعمالها مثل محرك البحث الهائل"غوغل"وشركة"أمازون"Amazon المعروفة للتسوق على الإنترنت.