تجد حكومة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي نفسها محاصرة بخلافات تحد من اندفاعها الى المصالحة الوطنية وضمان الأمن. وتزامن ذلك مع الاضطراب على المستويين السياسي والأمني، والضغط الاميركي على تيار الصدر، الحليف الوثيق للمالكي. وأثار الجدل المحتدم حول الفيديرالية تساؤلات كثيرة حول وحدة الموقف الحكومي الذي تتنازعه وجهات نظر الأطراف المطالبة بالفيديرالية والرافضة لها. وكانت قائمة"الائتلاف"الشيعية تقدمت من البرلمان مطلع الشهر الجاري بمشروع الفيديرالية لمناقشته، تمهيداً لإقامة اقليم الوسط والجنوب يضم تسع محافظات شيعية، وتبنى المشروع"المجلس الأعلى للثورة الاسلامية"بزعامة عبدالعزيز الحكيم، يسانده الأكراد. وعلى رغم ان نظام المحاصصة الطائفية يطبع المشهد السياسي العراقي منذ الغزو عام 2003، إلا ان الخلافات حول الفيديرالية تجاوزت ذلك، وأفرزت معارضة جديدة داخل"الائتلاف"تقودها الكتلة الصدرية وحزب"الفضيلة"وعدد من المستقلين، وامتد الخلاف الى كتلة"التوافق"السنية التي انقسمت آراء أحزابها، بين معارض كلياً للمشروع، مثل تيار خلف العليان أو معارض جزئياً مثل تيار عدنان الدليمي، أو موافق على الفيديرالية ومعترض على توقيتها مثل الحزب"الاسلام". ولم تسلم الكتلة"العراقية"التي يتزعمها اياد علاوي من الانقسام، إذ اختلف اعضاؤها ايضاً بين مرحب أو رافض أو معترض على التوقيت. المدافعون عن الفيديرالية هم من في السلطة بغض النظر عن انتمائهم الطائفي. فالمالكي من كتلة"الائتلاف"الشيعية، فيما ينتمي رئيس الجمهورية جلال طالباني الى قائمة"التحالف الكردستاني". والمفارقة ان مؤسستي رئاسة الوزراء ورئاسة الجمهورية المفترض بهما الدفاع عن صلاحياتهما في وجه دعاة انتزاع هذه الصلاحيات لمصلحة الاقاليم، ما أثار تساؤلات كثيرة لدى أطراف سياسية تجد نفسها مدافعة عن المركزية على رغم انها خارج التمثيل الحكومي. ويخشى السنة تحول اقليم مقترح في غرب العراق الى مركز نفوذ ل"القاعدة"واحتمال تقسيم العراق، فيما يتوقع ان تدخل أحزاب سياسية شيعية في صراع دام على السلطة والثروة، اذا أقرت فيديرالية الوسط والجنوب، في ظل دفاع الأكراد عن مكاسبهم في اقليم كردستان، وتحويلها الى حقوق دستورية. ويتزامن البحث في مشروع الفيديرالية اليوم في مجلس النواب، بعد تأجيله الاسبوع الماضي مع تصاعد الأزمة الأمنية التي دخل تيار الصدر طرفاً اساسياً فيها في مواجهة القوات الأميركية. وفضلاً عن اعتقال حوالي 15 قيادياً من أنصار الصدر خلال الشهر الجاري تكثف القوات الاميركية جهودها لتضييق الخناق على ميليشيات"جيش المهدي"، القوة الضاربة للتيار، وفتح جبهات مواجهة مباشرة معه في مدن عدة، ما يشكل احراجاً كبيراً للمالكي الذي وصل الى رئاسة الوزراء بدعم من الصدر، بعد توقيع وثيقة شرف مع حزب"الدعوة"الذي ينتمي اليه، تنص على السعي الى جدولة انسحاب القوات الاميركية، والحفاظ على دور بارز للتيار في المؤسسات الأمنية والحكومة. وهكذا يجد المالكي نفسه مقيداً بوثيقتين: وثيقة الشرف مع الصدر وتعهده أمام الكونغرس الأميركي التزام ثوابت أبرزها حل الميليشيات والحفاظ على وحدة البلاد. وربما كان هذا ما يدعوه الى الصمت، فهو في حاجة إلى الدعم الأميركي ولا يريد اغضاب الصدر. ويرى مطلعون على ما يدور في المطبخ السياسي العراقي، أن على الحكومة اتخاذ موقف، خصوصاً في حال تصاعدت الأزمة الى صراع عسكري واسع النطاق بين القوات الأميركية و"جيش المهدي"على غرار ما حصل في النجف عام 2004، ما أطاح أماني رئيس الوزراء السابق اياد علاوي بالعودة الى السلطة. مقربون من المالكي يرون في التحركات الأميركية ضد الصدر محاولة لحسم علاقة رئيس الوزراء بهذا التيار. وبعضهم يراها انقلاباً عليه لمحاصرة جهود المصالحة التي يسعى إليها.