بعد معاودة السفير السعودي في لبنان الدكتور عبدالعزيز خوجة الاتصال بقيادة"حزب الله"، بدأت بعض الأطراف اللبنانية ترسم سيناريوهات لدور سعودي محتمل لحل الخلاف بين الأطراف اللبنانية، بعد ان وصلت الاتهامات المتبادلة بين الزعامات السياسية في لبنان مرحلة تهدد بتفجر الوضع السياسي على نحو يهدد بانهيار مؤسسات الدولة، فتوقعت جريدة"السفير"في افتتاحيتها يوم الاثنين الماضي، استناداً الى بعض السياسيين طرح مبادرة ملكية سعودية،"ربما شملت توجيه دعوة لعدد من القيادات السياسية المعنية، ومحاورتها وربما انتقلت في وقت لاحق الى ميني طائف أو مؤتمر مصغر لبث الروح في مقررات مؤتمر الطائف...". ان إرسال اشارات إيجابية للسعودية ودورها في لبنان عبر وسائل إعلامية لبنانية رفضت موقف السعودية من الحرب، او محسوبة على أطراف وجهات كانت تشن هجوماً على الموقف السعودي من حرب تموز يوليو، مؤشر مهم الى ان ثمة رغبة لدى بعض الاطراف بتجاوز الظروف والمواقف التي وجدت خلال الحرب وبعد نهايتها، ودليل على ان أولئك الذين توقفوا عند البيان السعودي الاول، وتجاهلوا محاولة الرياض وقف الحرب من خلال تقديم موقف سياسي لا يعجب مزاج الشارع المشحون بالشعارات، وحرضوا على الدور السعودي، وحاولوا تصويره وكأنه يشكل غطاء لتلك الحرب، اكتشفوا ان الموقف السعودي كان على حق، وان السعودية التي جرى النيل منها في الاعلام العربي واللبناني في شكل عنيف، هي الدولة الوحيدة المؤهلة لتنقية الأجواء والسعي بين الفرقاء وإزالة الآثار السياسية المدمرة للحرب. لا شك في ان السعودية لن تتخلى عن دورها الإيجابي في لبنان، فهي صاحبة انجاز سياسي حقيقي في هذا البلد، فاتفاق الطائف اعاد الحياة السياسية الى لبنان، واستطاعت جمهورية الطائف ان تخلق توازناً بين الطوائف وتؤمن عدالة في توزيع الصلاحيات وتخرج البلد من ثقافة الحرب الى آفاق التنمية والحوار، لكن الظروف اليوم اختلفت، والمشكلة في لبنان لم تعد مجرد خلاف بين فرقاء محليين، وما يجري في لبنان اليوم أصبح أكبر من الطائف والطوائف، فحرب تموز زادت من تعقيدات الوضع، وأدخلت لبنان الى كل الملفات الساخنة في المنطقة، فصار لبنان ممراً او مقراً لحلول اقليمية وربما دولية لقضايا الآخرين، ولهذا فإن الدور السعودي المحتمل في لبنان لن يأتي سريعاً للأسباب التي أشرت اليها، فضلاً عن ان السعودية متوجسة هذه المرة، فهي في نظر بعضهم محسوبة على هذا الطرف أو ذاك، ما يعني انها لن تقدم على البدء في تنفيذ دورها الجديد من دون ضمانات بعدم تجاهل أنها صاحبة الطائف، وان دورها كان ولا يزال التعامل مع لبنان كوطن للجميع وليس لفئة او طائفة من اللبنانيين، اضافة الى عدم تحميلها أخطاء الآخرين، او تحويل دورها الى مشجب سياسي. فالحلول التي يجري طرحها في الأروقة اللبنانية تتعامل مع الوجود الاجنبي في لبنان، وكل الفرقاء يدركون ان هذا الوجود اصبح مرتبطاً بقرارات دولية، وان تهدئة الساحة الداخلية في لبنان لن تكون ولا يمكن ان تكون على حساب توتير العلاقة مع الاطراف الخارجية، ولهذا ستسعى السعودية الى ان لا يتم تحميلها تبعة هذا الوجود، فهي لم تسع لمجيئه، وحاولت وقف الحرب لتلافي هذا الوجود، لكن الذاكرة السياسية العربية تنسى، واحياناً تتناسى، وسبق واتهمت السعودية بالوجود الاجنبي في الخليج، رغم ان من استدعى هذه القوات في وقتها هو من قام بالحرب على الكويت. واليوم في لبنان هناك وجود أجنبي فرضته ظروف دولية لأسباب معروفة، واي مساع عربية لحل الاشكالات اللبنانية لن يكون بمقدورها طرد الوجود الاجنبي ما لم يتفق اللبنانيون على السعي لبناء الدولة، وإزالة أسباب وصاية الآخرين عليهم. ويبقى أن تتفهم الأطراف الاقليمية الدور السعودي المنتظر، وعدم النظر الى لبنان كساحة لتصفية حسابات اقليمية. فلبنان ينبغي ان يبقى عاملاً للتهدئة، وليس ساحة للتوتر والتوتير، فضلاً عن ان الرياض تؤمن ان التعامل مع لبنان كمجموعة طوائف غير مفيد، فقوة لبنان كانت وستبقى بقدرته على استيعاب التنوع والتعايش، وأي محاولة للمساس بهذه الميزة الحضارية تعني القضاء على لبنان واشعال المنطقة. أما القضية الأهم في الدور السعودي فتكمن في رأي بعض السعوديين بضرورة الفصل بين الإعمار والدور السياسي، وعدم ارتهان هذا لذاك، فالسعودية ليست لديها اجندتها الخاصة في لبنان، وهي معنية بالدرجة الاولى بوصول مساعيها في الإعمار والسياسة الى المواطن اللبناني، وهي جربت في المرات السابقة ان تتعامل مع الطبقة السياسية في لبنان في قضية الإعمار، ظناً منها ان إعطاء الطبقة السياسية دوراً في الإعمار سيعينها على استتباب المصالحة السياسية والنتيجة معروفة، فالإعمار لم يتم بحسب ما كانت تتمنى، وشراهة الطبقة السياسية صارت مشكلة لا علاج لها، ولهذا فإن المطلوب اليوم ان تتولى المؤسسات السعودية قضية الصرف على الإعمار من خلال التعامل مع منفذين محليين او أجانب، وبغير هذا الاسلوب سيجري تشويه الدور السياسي، وخطف جهود الاعمار. والسعودية قادرة على تطبيق هذا الاسلوب بجدارة من خلال مؤسساتها المالية المتطورة.