وأخيرا انتهت جلسة مجلس النواب اللبناني بانتخاب العماد ميشال عون رئيسا جديدا للبلاد، بعد شغور كرسي الرئاسة لمدة تجاوزت العامين دون أن تتمكن القوى السياسية من التوصل لاتفاق بسبب الانقسامات الحادة سياسيا وطائفيا. أما وقد تم انتخاب رئيس الجمهورية، فإن ثمة مرحلة جديدة قد بدأت من أجل مواجهة التحديات التي تواجه بلداً ظل قدره دائماً تحت رحمة هذا الطرف أو ذاك، وهي أزمات اقتصادية ومالية واجتماعية لا سيما في ظل هيمنة الطبقة السياسية وإعاقتها لأي إصلاح في بنية الحياة السياسية اللبنانية. الاستحقاق الرئاسي في لبنان مثل أزمة الأزمات فعندما غادر الرئيس سليمان مكتبه في قصر بعبدا دخل لبنان مرحلة الفراغ الدستوري بخلو منصب الرئاسة. تبين أن الإشكالية المزمنة للقرار السياسي اللبناني لا بد وأن يغلب عليه التأثير الخارجي. ظل يتساءل اللبنانيون عمن عطّل المؤسسات الدستورية برفض أي شخصية توافقية؟ وكيف أن طرفا واحدا في لبنان أدخل البلاد في أزمة جديدة ومنعطف خطير؟ بدا آنذاك أن ما كان يحدث ما هو سوى شرارة باتجاه تحويل ساحة لبنان ممرا لحلول إقليمية، وملعبا للتجاذب والاستقطاب. أمام الرئيس الجديد تحديات مهولة فهناك الفساد وهدر المال العام والبطالة وزيادة الضرائب فضلاً عن الشروع في قانون الانتخاب الذي يجب أن يمثل اللبنانيين لأنه سيحول دون احتكارية التمثيل النيابي ويتيح المجال لتمثيل قوى وطنية.. الحل كما هو معروف ومتداول يكمن في الحوار والتوافق وتقديم التنازلات وتغليب مصلحة لبنان على المصالح المذهبية والفئوية والحزبية، لكنها أجندة القوى الإقليمية وما أدراك ما القوى الإقليمية. إيران ونظام الأسد هما من عقدا المشهد ولا يرغبان في الحل وهذا يفسر استمرار المشكلة وظلت تلقي بظلالها على مقدرات البلد لتثير تساؤلا مشروعا حول قدرة اللبنانيين في عدم تفجير الوضع. لبنان عانى كثيراً ومازال وأمام الرئيس الجديد تحديات مهولة فهناك الفساد وهدر المال العام والبطالة وزيادة الضرائب فضلاً عن الشروع في قانون الانتخاب الذي يجب أن يمثل اللبنانيين لأنه سيحول دون احتكارية التمثيل النيابي ويتيح المجال لتمثيل قوى وطنية عبر اعتماد القانون على أساس النسبية. يعتقد البعض أن الرئيس الجديد يملك قوى مؤثرة داخل الحكومة والبرلمان، إلى جانب الصلاحيات التي يتمتع بها كرئيس للجمهورية ولذا هو مطالب بتنفيذ ما تعهد به من برنامج للتغيير وذلك بإصلاح جذري واتخاذ قرارات صعبة. مهمة ليست سهلة وبطبيعة الحال ستقوده لمواجهة الطبقة السياسية التي يهمها إعادة إنتاج نفوذها وحماية مصالحها وبالتالي سنشهد مرحلة كسر العظم. ومع ذلك يبقى الملف الاقتصادي من أهم الملفات التي على الرئيس عون التعاطي معها وتحريكها إلا ان مواجهة القضايا الإقليمية تعد الأبرز وتحديدا إعادة ترتيب العلاقات مع دول مجلس التعاون الخليجي إضافة إلى موضوع تدخل حزب الله في الأزمة السورية. وفي هذا السياق كانت تظهر ثمة أصوات بانتقاد الموقف السعودي إزاء لبنان، والحقيقة أن المسألة ليست محل مزايدات ومماحكات. كانت السعودية تردد دائما أنها "عملت كل ما في وسعها للحيلولة دون وصول الأمور إلى ما وصلت إليه وتؤكد في الوقت ذاته وقوفها إلى جانب الشعب اللبناني الشقيق بكافة طوائفه وأنها لن تتخلى عنه وستستمر في مؤازرته وهي على يقين بأن تلك المواقف التي شاهدنا لا تمثل الشعب اللبناني". ومع ذلك ظلت فئة محسوبة على لبنان تمعن في الإساءة للمملكة ومع ذلك لا نسمع أو نرى موقفا رافضا ومعلنا من الطوائف الأخرى ونعتقد أنه قد آن الأوان ليخرج صوت وطني يدين المصالح الفئوية والولاء المذهبي على حساب استقرار الوطن. السعودية موقفها مبدئي وإنقاذي تجاه لبنان فكانت على الدوام إلى جانبه سياسيا وماديا ومعنويا، ولعل زيارة الوفد السعودي رفيع المستوى أمس برئاسة الأمير خالد الفيصل للتباحث والالتقاء بالقيادات والرموز اللبنانية دليل قاطع على اهتمام السعودية بلبنان والتي لا يمكن أن تتركه فريسة للطامعين لاسيما وأنها قد دعمت جميع اللبنانيين من خلال إعمار لبنان وقبل ذلك تحقيق المصالحة السياسية عبر اتفاق الطائف لتُنهي ويلات الحرب الاهلية. رد الجميل كان حملات شعواء من حين لآخر إلا أن الرياض كانت تتجاوز هذه الإساءات بالتجاهل والترفع، لأن هدفها رؤية لبنان عروبيا مستقلا آمنا ذا سيادة. واستمرت الأساليب الاستفزازية من البعض والوقوف مع إيران ضد السعودية كما حدث في الجامعة العربية ومحاولات تشويه الدور السعودي لتصل إلى مصادرة القرار السياسي اللبناني برمته ومع ذلك كله لم يدفع السعودية لكي تتخلى عن شقيقاتها مهما حاول المندسون من إثارة الخلاف ولذلك هي تقوم دائما بمراجعة شاملة لعلاقاتها مع الجمهورية اللبنانية بما يحمي القضايا العربية ويخدم مصالح البلدين وشعبيهما بدليل زيارة الوفد السعودي التي تصب في تعزيز هذا الاتجاه. صفوة القول: لا أحد يعلم على وجه اليقين كيف ستتجه الأمور فسياسة حزب نصر الله التابع لملالي إيران قد تعرقل البرنامج الإصلاحي للرئيس الجديد ما قد يعرض استقرار لبنان وعروبته وسيادته للخطر، والمأمول أن يتم تغليب مصلحة لبنان والأيام القادمة حبلى على أي حال!