بتقديم الأسرى الثلاثة من "حزب الله" الى المحاكمة، تعرقل اسرائيل عن سابق تصور وتصميم تنفيذ القرار الدولي ال1701. فمثل هذه الخطوة، اضافة الى انها انتهاك للقوانين والمعاهدات الدولية في شأن أسرى الحروب، تصعّب كثيرا الوساطة التي قد يكون الأمين العام للأمم المتحدة بدأ القيام بها من اجل تبادل الاسرى بين"حزب الله"والدولة اليهودية. فوضع الثلاثة، وغيرهم قد تكون أسرتهم القوات الاسرائيلية في لبنان خلال عدوانها، يقع ضمن بنود القرار الدولي في شأن الاسرى. وبإحالتهم على المحاكمة الجنائية في اسرائيل، وبغض النظر عن التهم والمبررات، سيتغيّر هذا الوضع، خصوصا اذا ما تذرعت السلطات السياسية في اسرائيل بانتظار حكم المحكمة، في حال تمكن انان من القيام باختراق جدي في وساطته. وأغلب الظن ان اسرائيل لجأت الى هذه"الحيلة"لتعقيد التبادل، وإبقاء قضية الأسرى من دون حل. مع علمها ان تحرير الاسرى اللبنانيين من السجون الاسرائيلية هو من الالتزامات الاساسية للحكومة اللبنانية، بموافقتها على القرار ال1701. وما يعزز هذا الاستنتاج هو السلوك الاسرائيلي على الارض في جنوبلبنان، وقبل افتعال التعقيد في قضية الاسرى. اذ لا يمر يوم من دون انتهاك للاراضي اللبنانية. ليس بالمماطلة بتنفيذ الانسحاب الشامل فحسب، وانما ايضاً بافتعال أزمات، عبر اعتداءات"صغيرة"على الخط الازرق، وتقديم الاسلاك الشائكة الحدودية لأمتار هنا وأمتار هناك. مع علمها انها ستضطر في النهاية الى التراجع عما تحاول قضمه، بفعل الوضوح في ترسيم الخط الازرق الذي وضعته الاممالمتحدة لهذه المنطقة قبل سنوات قليلة، استناداً الى الخرائط التي تملكها. يضاف الى هذه الانتهاكات، استمرار طلعات جوية في خرق للأجواء اللبنانية. وبالنسبة الى منطقة مزارع شبعا المحتلة، تراوغ اسرائيل في التعامل مع الحلول المقترحة لها. فتارة تقول انها تدرس اقتراح انان وضعها تحت وصاية الاممالمتحدة، وطورا تنفي لبنانيتها تبريرا للتمسك باحتلالها. هذه التحديات المستمرة من اسرائيل للقرار ال1701، موجهة اساساً للحكومة اللبنانية ولسيادتها، لأنها هي باتت المسؤولة عن الجنوب وعن التنفيذ الكامل للقرار الدولي. وكما ان هذا القرار اعطاها الحق بطلب المساعدة من قوات"يونيفيل"في المجال الامني، فهو يوفر لها ايضا فرصة طلب المساعدة في المجال السياسي من أجل التسريع في تنفيذ القرار. والفرصة المطلوب الاستفادة منها الآن هي التحرك لدى الدول المشاركة في"يونيفيل"ولدى الامين العام للأمم المتحدة من أجل الضغط على اسرائيل لإبقاء الاسرى اللبنانيين في وضع اسرى الحرب وليس كمعتقلين جنائيين. الأسرى اللبنانيون في اسرائيل ليسوا مجرمين. انهم مقاومون أسروا في حرب داخل الاراضي اللبنانية. واذا كانت الحكومة اللبنانية غير مسيطرة على عناصر تبادل الأسرى الذي يحتفظ"حزب الله"به لنفسه أو لمن ينتدبه للتحدث باسمه، فإن معاملة اسرائيل للأسرى اللبنانيين في سجونها ووضعهم القانوني يقعان خارج هذا الملف. انه ملف قائم بذاته، ومن اولى مهمات الحكومة اللبنانية ان تستحوذ عليه، وتستخدم كل امكاناتها وعلاقاتها الدولية لتعيد للأسرى وضعهم كأسرى حرب. وأي تهاون في هذا الشأن، لا يضرب فقط صدقية الالتزام الحكومي اللبناني بالبنود السبعة، وانما قد يكون سببا إضافيا في تعميق الخلاف مع"حزب الله"، ونشوء مشكلة تزيد الشكوك المتبادلة والتوتر... وهذا في النهاية ما تهدف اليه اسرائيل.