دان المسلمون بشدة ما وقع من اعتداء إرهابي بشع في واشنطن ونيويورك في 11 أيلول سبتمبر 2001، فقتل الأبرياء من كبائر الذنوب وفظائع الجرائم التي لا يقرها الإسلام، الذي يحترم الإنسان وكرامته وآدميته مهما تكن ديانته، واليوم... بعد مرور خمس سنوات على إعلان الرئيس بوش حربه على ما سماه الإرهاب، هذا الإعلان الذي قال فيه إن حكومته لن تكل ولن تمل حتى تلقي القبض على بن لادن أو تقتله، وتقطع دابر الإرهاب، نتصفح ما جرى: دُمرت أفغانستان وعادت إلى الوراء عقوداً، إن لم يكن قروناً! وعادت القوات المعادية للحكومة فنظمت نفسها، وأوقعت ضربات موجعة بالقوات الاميركية و"الناتو"، وعلى رغم طلب النجدة فإن طالبان وغيرها تصول وتجول، وضرباتها تزداد كل يوم قوة وجرأة، والعاصمة الافغانية كابل منكفئة على نفسها لا حول لها ولا قوة، و"عادت حليمة إلى عادتها القديمة"كأيام الغزو السوفياتي السابق، فتقوقعت الحكومة في كابل وتركت المناطق الأخرى للقبائل والقادة الافغان. إذا كان هدف بوش حقاً هو رأس بن لادن، فلماذا يحرق بلداً مسلماً على رغم أن استخباراته في مقدورها الوصول إلى بن لادن والقبض عليه حياً أو قتله إن أرادت؟! ألا يثير ذلك الشكوك حول الأهداف الحقيقية لحملة بوش، خصوصاً إذا ربطناها بالكلمات الكبيرة الخطيرة التي صدرت عنه، حيث قال مع ثورة الأحداث إن بلاده تخوض حرباً صليبية، وأن"من ليس معنا فهو ضدنا"، على رغم انه قال في ما بعد إنها زلة لسان، إلا أن زلات اللسان كثيراً ما تعبر عمّا في الجنان. وما يؤكد الشكوك، أن بوش بعد مرور خمس سنوات اعلن ان ادارته تخوض الحرب ضد ما سماه"الفاشية الإسلامية"، وادعى أن الإرهابيين المسلمين عقدوا العزم على تأسيس إمبراطورية إسلامية حتى الأندلس، ثم من يصدق أن اكبر دولة في العالم يقودها رئيس يعلن سياسات عجيبة، ولا يعي ما يقول؟ هذه التسميات خلقت تقسيمات كان بإمكان الرئيس الاميركي تجاوزها إلى الحقائق على الأرض، فتقسيم العالم إلى دول ومنظمات مع أو ضد لا يتفق مع ميثاق الأممالمتحدة، ولا مع القانون والعرف الدوليين، ولا الشرعية الدولية، ونتيجة لهذا التقسيم ستتكون حتماً تحالفات وتكتلات دولية، تحدث شرخاً في النظام الدولي برمته، الامر الذي يترك أثره على السلام العالمي، ويولّد صراعات وأحقاداً وكراهية، ليس بين الدول والجماعات فحسب، بل بين الحضارات أيضاً! وبعد أن أجهز بوش على أفغانستان، اعتقد أن الغنيمة سقطت باليد فالتفت إلى كبش آخر. وكان العراق جاهزاً بعد حصار أممي لهذا البلد الحزين، وفعلت الاستخبارات الاميركية فعلتها، فأشاعت أن صدام حسين على علاقة وطيدة ب"القاعدة"، وقالت انه"إرهابي"ويمتلك أسلحة دمار شامل! اكتمل السيناريو... وشنت الحرب الظالمة على العراق مخالفة كل القوانين، وقال بوش كلمته المتعجرفة:"لقد ماتت الأممالمتحدة"، وتم احتلال بلاد الرافدين، وراح ضحية الحرب غير العادلة أكثر من 100 ألف عراقي، هذا غير الجرحى والمعاقين والمشردين، الذين يفوق عددهم عدد القتلى بكثير! إن الرئيس الأميركي سيستمر يؤكد أن الإرهاب هو العدو الأول، خصوصاً مع قرب الانتخابات النصفية للكونغرس، على رغم صدور تقرير مجلس الشيوخ الأسبوع الماضي، الذي أكد أن صدام لم تكن له علاقة ب"القاعدة"، وهو التأكيد الذي نسف نصف الذرائع التي تسلح بها بوش لغزو بلد عربي غني بالنفط. وكانت الذريعة الثانية سقطت عندما لم يجد العالم ذرة واحدة من أسلحة الدمار الشامل في العراق، فظهرت سوأة أكاذيب بوش بعد أن سقطت كل الذرائع التي تسلح بها لشن حربه واحتلال العراق، الذي أكد بوش في كلمته للشعب الأميركي أن مغادرة جنوده العراق تعني أن الإرهابيين سينقلون معركتهم إلى بلاده! وان حربه على الإرهاب مستمرة، وقد اتهمه الديموقراطيون في الكونغرس باستغلال هذه الحرب وذكرى 11 أيلول، لتعزيز موقع حزبه في الانتخابات المقبلة لتجديد نصف مقاعد المجلس التشريعي. وإذا كان التسويق اليوم لشرق أوسط جديد باسم الحرية جاء متزامناً مع حرب الدولة العبرية البربرية على لبنان، بعد أن ماتت مبادرة الشرق الأوسط الكبير، التي جاءت على أنقاض الشرق الأوسط القديم، فإن الديموقراطية الجديدة لن تعمر طويلاً ما دامت في قبضة المحافظين الجدد! بل إن النفور والكراهية، بل والكفر بها، سيكون مصيرها لا محالة في الشرق الأوسط. إن الديموقراطية الأميركية والبريطانية محل احترام في لندنوواشنطن، وهي التي أرغمت السيد بلير، الذي جاء إلى لبنان وفلسطين وإسرائيل في رحلة تجميلية، على الوعد بالترجل عن كرسي الحكم بعد انقلاب حزبه عليه، وبعد أن تدنت شعبيته وأصبحت خسارته في الانتخابات المقبلة متوقعة، بسبب أخطائه القاتلة في حرب أفغانستان كما في حرب العراق، وهذه الديموقراطية هي التي جعلت شعبية الرئيس بوش تبلغ الحضيض في بلاده بشكل غير مسبوق، لتبلغ 37 في المئة، بسبب قراراته الخاطئة بشن الحروب، ليدخل بلاده في فخ أفغانستان ويورطها في مستنقع حرب العراق، حتى أن صورة أميركا تراجعت في أوروبا بنسبة 57 في المئة، فالأوروبيون لا يؤيدون قرارات بوش، بحسب ما أوردته صحيفة"لوموند"الفرنسية. لكن الديموقراطية كانت شماعة علق عليها بوش وبلير أخطاءهما في شن حروبهما، لإنقاذ أهل أفغانستانوالعراق من الإرهاب والديكتاتوريات رأفة بهم، ضمن سلسلة حروب استباقية جعلت أميركا ترفع موازناتها العسكرية بشكل صاروخي، لتبلغ أكثر من 500 بليون دولار سنوياً، وهو رقم مخيف يتجاوز إنفاق العالم مجتمعاً على التسلح. وحقيقة الأمر، أن احتياطي النفط الأميركي الذي هبط إلى 21.37 بليون برميل، ومعه البريطاني الذي تدنى إلى 4.03 بليون برميل، جعل الرئيس بوش يفكر ألف مرة ومرة في نفط بحر قزوين، باحتياطيه الذي يتراوح بين 40 و50 بليون برميل، من بوابة أفغانستان، وفي نفط العراق 115 بليون برميل، لضمان الإمدادات النفطية لشعب يستهلك 25 في المئة من إجمالي استهلاك النفط العالمي... وانضم إليه بلير نخوة. إن ما يرفعه بوش من شعارات عن الديموقراطية وحقوق الإنسان والقضاء على أسلحة الدمار الشامل والإرهاب، ما هي إلا لذر الرماد في العيون، فالمجتمع الدولي أصبح اليوم أقل أمناً، وليس كما يدعي بوش، فأفغانستان ملتهبة، وانحصرت سلطة حكومتها في كابول، والعراق تطحنه حرب أهلية، وهو مهدد بأن تتمزق وحدته ويتحول إلى دويلات، وها هي كردستان تطيح بالعلم العراقي الموحد وترفع علمها الإقليمي، والحقيقة التي لم يستطع الماكياج إخفاءها، هي أن ال135 ألف جندي أميركي في العراق عيونهم على النفط، وليس على الديموقراطية والأمن والاستقرار. * مفكر سعودي - رئيس مركز الخليج العربي لدراسات واستشارات الطاقة