يأتي افتتاح الدورة الرابعة من مهرجان"أيام بيروت السينمائية"غداً مفاجئاً بالنسبة الى كثر من أهل المهنة. فبعد حرب تموز يوليو 2006 لم يتوقع أحد أن تستعيد الحياة السينمائية اللبنانية نشاطها بهذه السرعة... ولم يتخيل محبو الفن السابع إمكانية تنظيم مهرجان سينمائي في هذا الوقت بالذات، خصوصاً ان تنظيم أي مهرجان، مهما بلغ حجمه، يستلزم شهوراً من التحضيرات والاستعدادات. لكن يبدو ان شباب"بيروت دي سي"لا يوقفهم عائق... خصوصاً ان الإرادة القوية بعودة الحياة الطبيعية الى المدينة الطالعة من الحرب لا تنقصهم. كما لا ينقصهم التصميمم والتحدي... وبالتالي تنظيم مهرجانهم السينمائي في موعده، من دون تعديل. وليأتي عملهم على مستوى التحدي ما كان من هؤلاء الشبان إلا أن حوّلوا ليلهم الى نهار طوال الشهر الماضي، مضاعفين جهودهم، يعملون مثل خلية النحل. وبنظرة بانورامية موضوعية على برنامج الدورة الرابعة التي تقام بدعم من الإتحاد الأوروبي ضمن إطار برنامج"اليوروميد السمعي البصري"، يمكن القول منذ الآن إن منظمي"أيام بيروت السينمائية"نجحوا في مسعاهم، إذ تتضمن قائمة العروض مجموعة مميزة من الأفلام، تحمل تواقيع ميشال كمون وعدي رشيد واسماعيل فروخي وسواهم من أسماء السينما العربية. ولعل أبرز هذه العروض هو فيلم الافتتاح للبناني ميشال كمون، الذي يقدم هنا فيلمه الروائي الطويل الأول"فلافل". ولا شك في ان كثراً ينتظرون تجربة كمون الجديدة هذه، خصوصاً انه يعتبر واحداً من أبرز سينمائيي الجيل الجديد في لبنان، بعدما حصدت أعماله القصيرة النجاح، وحازت على الإعجاب في الغرب وفي لبنان. طبعاً لم يكن سهلاً على كمون إنجاز هذا الفيلم، خصوصاً في ظل الإمكانات المادية المتواضعة المتاحة للسينمائيين اللبنانيين الشباب... لكن الفيلم أنجز اخيراً، بجهود فريق لبناني بحت من عشاق الفن السابع، وبإنتاج متواضع. وكما يبدو من سيناريو هذا العمل الذي صوّر قبل اغتيال الرئيس رفيق الحريري وقبل الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان، شبح الحرب لم يغب عن الأحداث... حتى ولو لم يشكل الموضوع الرئيس فيه. فماذا عنه؟ في"فلافل"يصور كمون لبنان الحاضر، بعد 15 سنة من انتهاء الحرب، من خلال نظرة شاب مراهق يريد أن يحيا الحياة للنهاية، من دون أن يضيع ثانية واحدة... ثم سرعان ما يجد نفسه أمام الحقيقة المرة، التي تقول ان العيش في هذا الوطن بصورة طبيعية هو قمة الترف... فبعد سنوات من الحرب، هناك دوماً بركان قابل للانفجار في أي لحظة. فيلم كمون ليس الفيلم اللبناني الوحيد المشارك في المهرجان البيروتي، إذ هناك ايضاً فيلم غسان سلهب"أطلال"وهو الفيلم الروائي الطويل الثالث لصاحبه. اما الأفلام الطويلة الاخرى المشاركة في المهرجان فتأتي من العراق "غير صالح"لعدي رشيد" والمغرب "الرحلة الطويلة"للمخرج اسماعيل فروخي وتونس "التلفزة جاية"للمخرج منصف دويب وموريتانيا "المحكمة"لعبدالرحمن سيساكو وألمانيا "أضرار لاحقة"للمخرج المصري سمير نصر. وتحلّ الجزائر ضيفة على المهرجان البيروتي من خلال أربعة أفلام. أهمها فيلم رباح عمر زيمش"بلاد رقم واحد"الذي شارك في الدورة الأخيرة من مهرجان"كان"السينمائي ضمن فئة"نظرة ما"، ولفت الأنظار هناك من خلال حكاية"كمال"الشخصية المحورية في فيلم زيمش الأول"وش وش"، الذي يعود في الفيلم الجديد الى وطنه الاول، الجزائر، ليرصد المتغيرات والحياة الاجتماعية بعيني من تربى وعاش في الخارج. اما الأفلام الباقية فأبرزها تحفة المخرج الإيطالي جيللو بورتيكورفو"معركة الجزائر"1966 الذي أعيد الاعتبار اليه قبل سنوات، ليعتبر ليس فقط أحد افضل الأفلام عن حرب الجزائر، بل أيضاً من أبرز ما حقق في السينما العالمية عن حق الإنسان في النضال والتحرر. وكان هذا الفيلم منع طويلاً في فرنسا. ومن الأفلام أيضاً،"17 أكتوبر 1961"للمخرج الفرنسي آلان تسما، وهو بدوره عن الجزائر يكشف مجزرة كان مسكوتاً عنها في حق الجزائريين في فرنسا. واخيراً الفيلم الوثائقي"أمينة أو المشاعر الملتبسة". ويتضمن برنامج العروض أيضاً مجموعة من الأفلام القصيرة والأفلام الوثائقية، إضافة الى أفلام تدخل ضمن فئة"نظرة غريبة على العالم العربي". أياً يكن الأمر، الواضح أن هذه الدورة من المهرجان الذي يقام مرة كل عامين، تحمل في جعبتها الكثير لمحبي الفن السابع. وفي انتظار المهرجانات اللبنانية الأخرى التي ستقام في الأسابيع المقبلة، سيعيش الجمهور اللبناني أسبوعاً فنياً غنياً بالأفلام التي لا تقل قيمتها ربما عن أفلام المهرجانات الكبرى.