ليس ميشال كمون اللبناني الأول الذي يحقق للسينما اللبنانية انتصاراً كبيراً في الخارج، وتحديداً في أوروبا. لكنه، بالتأكيد، أول سينمائي، منذ مارون بغدادي، يفوز بجائزة كبرى عالمية بفضل سينمائية فيلمه وأبعاده الجمالية والتعبيرية، لا بفضل الرسالة السياسية التي يحملها. كما أنه السينمائي اللبناني والعربي الأول الذي تعطى له الجائزة الكبرى في مهرجان غير عربي، اذا استثنينا"وقائع سنوات الجمر"لمحمد الأخضر حامينا "كان" - 1975... فالباقون نالوا دائماً جائزة ثانية أو ثالثة، أو جائزة خاصة. في مهرجان نامور الدولي للسينما الفرنكوفونية، في بلجيكا، كانت الجائزة الكبرى البايار الذهبي، من نصيب"فلافل"، الفيلم الروائي الطويل الأول لهذا الشاب اللبناني الثلاثيني الذي كان سبق له أن حصد جوائز عدة، أوروبية غالباً، عن أفلام قصيرة له، طبعت مسيرته التي بدأت قبل عقد ونصف عقد من الآن. و"فلافل"الذي كان قد قدم في عرضه العالمي الأول، خلال"أيام بيروت السينمائية"، في بيروت، حيث لفت الأنظار، فيلم تدور أحداثه في ليلة واحدة من حول شخصية بطله توفيق، ليرصد خلال تلك الليلة والأحداث المدهشة، المؤلمة حيناً والمضحكة حيناً آخر، التي تحدث فيها، شرائح من صورة لبنان اليوم، في تماس مباشر مع الحياة ومع سيرورة مجتمع يريد أن يعيش على رغم كل شيء. هذه الليلة التي لا تحدث فيها، مع هذا، أمور كثيرة، عرفت كاميرا ميشال كمون كيف تصورها من خلال عمل متقشف ومن خلال ممثلين مبدعين، أكثرهم لم يعرف طريقه الى الشاشة من قبل، كما من خلال ضيوف شرف أتوا من عراقة الحركة المسرحية والسينمائية في لبنان. ضيوف شرف، عرف كيف يوظف حضورهم بقوة، مخرج هو في الوقت نفسه، وهذا أمر نادر الحدوث في السينما اللبنانية والعربية، كاتب سيناريو من طراز استثنائي، حيث ان قوة هذا الفيلم تعتمد أول ما تعتمد على سيناريو قوي متماسك يقول موضوعه بإيقاع مدهش وحواراته ببساطة الحياة نفسها، في الوقت الذي ينهل بتوفيق من تجارب السينما الحديثة، الى درجة بدا معها فيلماً آتياً الى السينما من السينما نفسها. حين عرض الفيلم للمرة الأولى قبل أسابيع قالت"الحياة"حسناته... وكنا واثقين من أن الفيلم سيشق طريقه بقوة على خارطة السينما الشابة، لبنانية وغير لبنانية. وها هي"البايار"الذهبية في مهرجان نامور البلجيكي، تأتي لتؤكد هذا. بل تؤكد ما هو أكثر منه، وما كان لفت أنظارنا أيضاً: تميز موسيقى الفيلم التي وضعها توفيق فروخ وأتت مترابطة مع ايقاع الفيلم و"سيكولوجيته". وبهذا يكون"فلافل"فاز بجائزتين كبيرتين في أول اطلالة عالمية له، ما يشي، ليس فقط بولادة متكاملة لمخرج لبناني جديد/ قديم، بل بإرهاص انبعاثة جديدة للسينما اللبنانية.