يقول علماء السياسة أن من أبسط القواعد التي تحكم علاقات الدول المتحاربة هو"ميزان الرعب"، الذي يحول احتمالات الحرب الساخنة الى حرب دافئة أو باردة. فالدولتان المتعاديتان اللتان تمتلكان أسلحة الدمار الشامل، تربطهما ببعضهما علاقة حامية لا يبرد أوارها وسعيرها إلا الخوف من أن تستخدما هذه الاسلحة ضد بعضهما البعض. وفي علم الاقتصاد، لم يتحدث العلماء عن وجود"ميزان رعب اقتصادي"بين الدول، ولكنه يستخدم كوسيلة فاعلة أحياناً اما لتقويض الدولة لمقومات الدولة الأخرى، أو لمراعاة العلاقة الثنائية الى حد لا يسمح لها باستخدام الرعب الاقتصادي. واعترف، مثلاً، أحد عناصر"الموساد"الاسرائيلي، في كتاب صدر له بالانكليزية في منتصف الثمانينات، أن اسرائيل استخدمت وسيلة رعب ضد الأردن، وهي استخدام الدنانير الأردنية الموجودة لديها، والتي جمعتها من سوق الضفة الغربية ومن المسافرين عبر الجسور كتعرفة جمركية أو رسوم عبور، أو من طريق دفع أسعار تشجيعية لمن يستبدل الشيكل بالدينار الأردني. وقد استخدمت هذه الدنانير من طريق طرحها في الأسواق المجاورة بطرقها المختلفة حتى تسقط قيمة الدينار الأردني. وتدارك البنك المركزي الأردني هذه الحال من طريق شراء كميات كبيرة من تلك الدنانير بالعملات الصعبة التي كانت لديه. وقد يثير أحدهم السؤال: ولكن هل يرقى هذا الى ميزان الرعب الاقتصادي؟ والجواب لا، ولكنه يقترب منه. وهنالك مثلاً التهديد باستخدام النفط كسلاح في المعركة. وقد وجد الناس عبر التجربة أن استخدام النفط قد يكون له تأثير مخيف في مشتريه. ولكنه على المدى الأطول يخلق الفرصة المرعبة عند المشترين للاستغناء عنه. وهكذا، اذا سمحنا لتفكيرنا أن يوسع المدى الزمني الذي يتفاعل فيه ميزان الرعب، فإننا نستطيع رؤيته بسهولة. فانقطاع النفط عن اقتصادات الغرب يعني نهاية"لطريقة حياتهم"وانقطاع موارد النفط عند"الأوبك"يعني فشلاً اقتصادياً كبيراً. ولذلك، فإن مثال استخدام النفط كسلاح في المعركة هو أقرب للتماثل مع تعريف"ميزان الرعب الاقتصادي". ولم تكن المقاطعة العربية للاقتصاد الاسرائيلي منذ عام 1948 حالة من حالات ميزان الرعب، والسبب ان تلك المقاطعة كانت تمارس من جانب واحد، ولم تشكل نتائجها أي تأثيرات تذكر على اقتصادات الدول العربية. فالخسارة الاقتصادية الحقيقية هي تلك التي نشأت أصلاً عن احتلال فلسطين واقامة الكيان الاسرائيلي عليها آنذاك. ولكن صرنا أقرب الى الرعب عندما أصدر الكونغرس الأميركي قانوناً وقعه الرئيس جيمي كارتر آنذاك يمنع أي مصدّر أميركي من ايراد معلومات على الاعتماد المستندي تفيد صراحة بأن البضاعة المصدرة لا تحتوي على أي مكونات اسرائيلية أو مكونات مشتراة من جهة خاضعة للمقاطعة العربية. وهكذا كان لا بد من البحث عن حل حتى لا يتحول هذا القيد الى حالة خوف ورعب حقيقية على الاقتصادين العربي والأميركي. وقد حصل ذلك أخيراً من طريق أهل القانون الذين وجدوا صيغة مفتعلة مقبولة لدى الطرفين. وها نحن نرى بعض الدول التي تهدد دولاً أخرى بالعقوبات الاقتصادية. فقد حصل هذا ضد العراق طيلة عقد التسعينات وحتى احتلال العراق. وكانت النتيجة باهظة الثمن على العراق. ولكنها لم تكن كافية. ورأينا كذلك ان التهديدات بمحاصرة ايران اقتصادياً تتعالى، ولكن بسبب ميزان الرعب النفطي فالتردد واضح في هذا الشأن. وأخيراً، نرى أن اسرائيل مارست الحصار الاقتصادي البحري على لبنان. ولكن اسرائيل تعلم أن استمرار مثل هذا الأمر يشكل بادرة وسابقة ضدها في المدى المتوسط، بخاصة اذا قامت بعض الدول العربية بفعل ذلك، تضامناً مع لبنان. ولأن الحصار الاسرائيلي ضد لبنان قد يجعل فرص الدخول في معاملات اقتصادية مع لبنان مستقبلاً"ليمونة حامضة"يصعب على لبنان تقبلها عند حصول سلام بين الجبهتين. إن ممارسة الرعب الاقتصادي، والتخويف والتهديد الاقتصادي يجب أن ترقى أحياناً الى مرحلة الرعب الاقتصادي، ولكنها لا تكون سلاحاً فاعلاً اذا لم تدرس بعناية، وتوضع لها خطة متكاملة قبل الحروب. وأهم شرط من شروط نجاحه هو قبول الناس به وحماسهم له. وشاهدنا في السنوات الأخيرة انقطاعاً عن السلع ذات الاسم الأميركي، والسلع الدنماركية، والتي لم تأت من حالة اعلان رسمية، بل من حالة شعبية تطوعية. وقد اثبتت الحالتان فاعليتهما. إن للتخويف الاقتصادي ميزة على التخويف العسكري، تتلخص في أن الطرف الاضعف يستطيع ممارسته. * خبير اقتصادي،"البصيرة للاستشارات"