دخلت الأزمة في اقليم دارفور السوداني مستوى جديدا يمكن وصفه بالمنعطف الحاد بعد رفض حكومة الخرطوم قرار مجلس الأمن الدولي الجديد 1706 ومطالبتها القوات الافريقية المتواجدة في دارفور بالمغادرة قبل نهاية ايلول سبتمبر الجاري، على أن تتولى الحكومة المركزية مسؤولية الأمن في الأقليم. وهذا الموقف لحكومة الخروطوم بالقدر الذي يشكل تحدياً كبيراً للمشروع الأميركي الغربي الهادف إلى تدويل الوضع في دارفور، من اجل استخدامه وسيلة للتدخل بشؤون السودان الداخلية وصولاً إلى احداث تغيير في نظامه السياسي وإقامة نظام موال لواشنطن، فانه يمثل ايضا تحدياً للنظام السوداني بقيادة عمر البشير الذي اتخذ قراراً لا يستطيع التراجع فيه وإلا تساقط كما أحجار الدومينو، وبالتالي بات عليه توفير كل الشروط الضرورية لتدعيم قراره والثبات والصمود في وجه الضغوط الخارجية المقدر لها الإزدياد. والحال أن القرار الدولي يضفي على القوات الأفريقية صفة قوات دولية تعمل بأمرة من مجلس الأمن بدلاً من الاتحاد الأفريقي. وهناك موقف سوداني رسمي وشعبي يرفض القرار الدولي بحزم باعتباره ينتقص من سيادة السودان ويشكل استعماراً جديداً خصوصاً وإنه يضع اقليم دارفور تحت الوصاية الدولية الكاملة، ويتيح للولايات المتحدة وحلفائها الغربيين المجال لممارسة أوسع تدخل في شؤون السودان الداخلية انطلاقاً من دارفوار. وبسبب تجاهل مجلس الأمن الدولي لاتفاقية أبوجا للسلام التي وقعت عليها حكومة الخرطوم برعاية دولية ما شعرت حكومة عمر البشير بالخطر وبأن هناك نوايا مبيتة تقف وراءها واشنطن التي تسعى إلى ايقاع النظام السوداني في مصيدة التدخل الدولي وصولا إلى فرض الوصاية الدولية عبر مجلس الأمن، ويترافق ذلك مع إعلان الانفصاليين في دارفور عدم قبولهم باتفاقية أبوجا، بما يشير إلى ترابط ذلك مع ما تريده واشنطن من ابقاء حالة عدم الاستقرار لتبرير التدخل الدولي وفرض الوصاية على اقليم دارفور. إن القرار الدولي يهدد فعليا وحدة السودان وهو محاولة لتكرار نموذج تفكيك الاتحاد اليوغوسلافي الذي انطلق من التدخل الأميركي الغربي في كوسوفو بذريعة حماية حقوق الانسان. ثم ان رفض حكومة الخرطوم للقرار 1701 يعني في مثل هذه الظروف أن المعركة بين النظام السوداني والولايات المتحدة الأميركية وحلفائها معركة على وحدة السودان المهدد بالتجزئة والانقسام إذا تمكنت واشنطن من وضع قدميها في اقليم دار فور. كذلك يعني بالقدر ذاته ان نظام عمر البشير يدرك بأنه يخوض معركة مصيره ومستقبله، فهو مستهدف وتسعى إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش إلى اسقاطه باعتبار سياساته عقبة أمام مشروعها الاستعماري في القرن الأفريقي. وتنفيذ القرار الدولي أو عدم تنفيذه سوف يقرر مصير سياسة التدخل الأجنبي ليس في السودان فحسب بل وفي منطقة القرن الافريقي أيضا، وبالتالي فانه بالقدر الذي يخوض فيه النظام السوداني معركة الدفاع عن استقلال السودان وسيادته، فان واشنطن تخوض معركة فرض تدخلها في دارفور كجزء من سياسات التدخل في شؤون الدول المعتمدة منذ احداث 11 ايلول سبتمبر. ومن الواضح ان نجاح النظام السوداني في منع تنفيذ القرار الدولي وتمكنه من توفير الشروط لتعزيز سلطته وسيطرته على اقليم دارفور سوف يعزز شعبيه وحضوره من جهة ويثبت اقدامه في السلطة ويحبط مخطط التدخل الأجنبي لتقسيم وتجزئة السودان من جهة ثانية. غير أن الذي يحدد اتجاه الأمور، ليس فقط موقف النظام السوداني، انما ايضا أمور اخرى مهمة مرتبطة بالواقع الدولي وقدرات واشنطن وحلفائها على فرض تطبيق القرار 1701. وفي هذا الاطار يمكن تسجيل جملة في الأمور التي لا تصب في خانة ما تسعى إليه واشنطن، وهي: 1- ان القوات الافريقية التي تحولت بموجب القرار 1701 إلى قوات دولية لا تملك القدرة الذاتية على التصدي لقوات الحكومة السودانية التي طالبتها بمغادرة دار فور بعد تبدل طبيعة مهمتها. 2- تواجه واشنطن عقبة فعلية في مجلس الأمن تكمن في أن ارسال قوات دولية لتعزيز القوات الأفريقية مرتبط بموافقة كل من روسيا والصين اللتين ترفضان ذلك وتدعمان حكومة الخرطوم انطلاقاً من مصالحهما الاقتصادية حيث من المعروف أن هناك علاقات اقتصادية وطيدة تربط الدولتين بحكومة الخراطوم ولا يمكن المحافظة عليها الا باتخاذ مواقف متعارضة مع الموقف الأميركي الساعي إلى فرض الهمينة الأميركية على السودان. 3- أن واشنطن ولندن الأكثر حماساً لارسال قوات دولية إلى دارفور لا تملكان القدرة على ارسال هذه القوات في ضؤ ما تعانيانه من استنزاف في العراق وافغانستان وفشل تجربة التدخل هناك وعدم شعبية اتخاذ قرارات جديدة من هذا القبيل، خصوصاً إذا كان مرفوضاً من قبل دول وشعوب المنطقة المنوي نشر قوات فيها كما هو حال اقليم دارفور في السودان. ان هذه المعطيات تشير إلى أن الأزمة في دارفور بلغت منعطفا حاداً وتواجه تحدياً في الاتجاهين، ولذلك هي مصيرية بالنسبة للنظام السوداني وكذلك بالنسبة للمشروع الأميركي الغربي الذي، رغم الصعوبات التي تواجهه، لا تزال لديه أوراق عديدة مثل ورقة المتمردين في دارفور وإثارة المشاكل في وجه حكومة الخرطوم عبر تنظيمات ودول افريقية موالية له، إلى جانب استمرار وجود الهيمنة الأميركية على المنظمة الدولية رغم الاعتراض الروسي والصيني المتزايد والذي يشكل، في وضع دارفور، أحد الركائز الأساسية التي تسند نظام عمر البشير في معارضته. * كاتب وصحافي فلسطيني.