عاش نجيب محفوظ في القاهرة وعاشت القاهرة في نجيب محفوظ وفي رواياته. وأصبحت عاصمة مصر مع مرور السنين بالنسبة إليه بئر إلهام لا تنضب وعاصمة عالمه الأدبي الذي تخطى حدود القارئ العربي ليطاول القراء في جميع أنحاء العالم، لا سيما بعد أن حصل على جائزة نوبل في الآداب عام 1988. واستمد نجيب محفوظ استمرارية إبداعه من حبّه للتجدد. وهو لم يكتف بنفسه، بل دائماً ما شجع الجيل الجديد من الكتّاب وكان مصدر إلهامهم. قرأت أولى مؤلفاته منذ خمس وعشرين سنة وقد كانت ترجمة رواية"أولاد حارتنا"، التي قام بها فيليب ستيوارت. ولم أدرك حينئذٍ أنها نشرت كسلسلة روائية في جريدة الأهرام سنة 1959، وأثارت جدلاًً واسعاً اتهم نجيب محفوظ على أثرها بالزندقة. إلا أنه يصادف أن أعيد نشر الطبعة العربية الكاملة في القاهرة هذا العام. وأما الرواية الثانية التي قرأتها فكانت"الشحاذ"تلتها روايات أخرى مثال"بداية ونهاية"، وپ"الطريق"، وپ"السمان والخريف"إضافة إلى"ثلاثية القاهرة: بين القصرين، وقصر الشوق، والسكرية". وبعد أن فاز بجائزتي نوبل في الآداب و"دبل داي"بدأ بنشر مجموعة مؤلفاته . ولقد صدق إدوارد سعيد حين وصفه بأنه"لا يجمع في إبداعه فيكتور هوغو، وديكنز فقط، بل غالزوورثي، ومان، وزولا، وجول رومان"، وبذلك أضفى نجيب محفوظ على الإرث الأدبي العالمي ثراءه الإبداعي. بدأ نجيب محفوظ بالتأليف عن سبع عشرة سنة، وبعد رحلة سبع وسبعين سنة من الإبداع الذي لا ينضب، توقف قلمه عن الكتابة بعد أن خطّ ما يزيد على ثلاثين رواية، ومئة قصة قصيرة، وأعداد لا تحصى من المقالات والأبحاث والنصوص. وحُوّل العديد من رواياته إلى مسلسلات وأفلام تلفزيونية فترسّخت شخصياته في أذهان جميع القراء. ولم يتوقف عن تأليف الجديد من المشاهد الروائية والقصص التي نقلتها دار نشر الجامعة الأميركية في القاهرة، التي تتولى نشر مؤلفاته باللغة الإنكليزية والتي ما زالت تقوم بنشر ترجمات لكتابات لم يتخط عمرها السنتين ولكتابات أخرى وضعت في الأربعينات. وتفخر دار"بانيبل"باسم نجيب محفوظ الذي أضيف إلى قائمة الناشرين الاستشاريين سنة 2001. وتشرفت أنا شخصياً بلقائه منذ سنتين بحضرة صديقه وزميله جمال الغيطاني واثنين من أقرب المترجمين الذين ترجموا أعماله إلى الإنكليزية، روجر ألن ورايموند ستوك. ولم يمنعه ضعف نظره وسمعه من التواصل مع محيطه ومع محبي الأدب من أنحاء العالم كلها. وقد قرأت ترجمة مؤلفاته باللغة الإنكليزية ووجدت أن ليس بالغريب أن يتدافع المترجمون إلى ترجمة أعماله، لا سيما أن ذلك يظهر ملكته للصوغ الأدبي وإتقانه لها. وأستغل هذه الفرصة للتعبير عن تقديري لكافة المترجمين الذين نقلوا أعمال هذا الكاتب العظيم إلى قراء العالم ليتمتعوا بها ويدركوا مدى أهميتها. رئيسة تحرير مجلة بانيبال - لندن