ماذا يمكن الدراما ان تفعل حيال الواقع المرير الذي تعيشه هذه الأيام ويصل الى ذروة مأساته في حوادث لبنان؟ هذا هو السؤال الذي يشكل اليوم لسان حال كتّاب الدراما التلفزيونية ومخرجيها في مصر إذ يسألون:"هل نلجأ الى السينما التسجيلية لنرصد اللحظات والمواقف البائسة التي نعيشها، لنحفظها في ذاكرة التاريخ برسم الأجيال الجديدة؟ ما الذي اصابنا؟""لا أعتقد بأنني كمبدع استطيع أن افعل شيئاً امام صورة تلك المرأة العجوز التي وجدت نفسها بمفردها وسط الخراب والدمار، لا تملك سوى كيس من البلاستيك يحمل أدويتها، ويأتي احد المصورين ليحملها بعيداً عن القصف"، الكلام للمؤلف اسامة أنور عكاشة الذي يضيف:"احياناً يشعر المبدع بالعجز امام الصور التي تبث إلينا ليلاً ونهاراً ومباشرة، ما اقسى هذا الواقع، نحس بأن علينا ان نفعل شيئاً وفي شكل فوري ثم نتنبه الى ان على الدراما ان تفكر بعيداً من الصور المستهلكة والنمطية التي اعتدنا ان نُظهر العدو الإسرائيلي عليها. انا شخصياً قد أختار بطلاً من وسط الحوادث يخرج علينا ليروي ما جرى ومن خلاله نشاهد القتل والدمار الذي اصاب لبنان". بنظرة سريعة الى حال الدراما المصرية وما قدمته عن قضايا مهمة لحوادث مأسوية في حياتنا السياسية، سنجد ان المحصلة لا تتناسب إطلاقاً مع حجم الواقع ومرارته المتكررة، خصوصاً في ما يتعلق بالصراع العربي - الإسرائيلي، فمعظم الأعمال جاء محملاً برؤى ونظريات فكرية، ومنمقاً بلغة خطاب اتسمت بالمباشرة بعيداً من مأسوية الواقع، او انها اكتفت بتصدير اعمال استخبارية ترصد بطولات حققتها في زمن مضى وترى اننا نحتاج إليها في زماننا الذي يبخل بالبطولات، من امثال"رأفت الهجان"وپ"دموع في عيون وقحة"وحتى مسلسل"فارس بلا جواد"الذي اثار ضجة كبرى لكنه جاء اقل بكثير مما كان متوقعاً وسيطرت على العمل لغة الخطاب المباشرة، أو ألاعيب التنكر بعيداً من التوثيق التاريخي الجاد لحكاية"البروتوكولات". قد يكون للمسألة علاقة وطيدة بالرقابة المصرية التي تضع خطوطاً حمراً لا يمكن تجاوزها في ما يتعلق بمثل هذه القضايا السياسية. كما حدث مع مسلسل"بنت من شبرا"للفنانة ليلى علوي، والذي أرّخ فيه مؤلف الرواية فتحي غانم بعمق شديد، للحركة الصهيونية في مصر والدور الذي لعبته على الساحة السياسية المصرية، فتعرض للمنع على القنوات الأرضية المصرية وكذلك الفضائية واكتُفي بعرضه على القنوات الطربية. محاذير في هذا السياق يعلّق الكاتب بشير الديك مؤكداً ان المبدع عندما يقرر التعرض لعمل سياسي، سيجد امامه مئات المحاذير الرقابية لذلك يلجأ الى الالتفاف مثلما فعل هو نفسه في مسلسله"كفر عسكر"حيث كانت هناك مستويات عدة للتلقي: مستوى الحكاية العادية ثم مستوى المعاني الأعمق المتعلقة بالأرض والغرباء الذين سطوا عليها، ثم كان عليهم الرحيل لأنهم"ليسوا من هذه الأرض". من هنا تكمن المشكلة في ان الدراما إما ان تكون سطحية ومباشرة لا ترقى الى مستوى الحوادث التي نعيشها، وإما أن تكون شديدة العمق فتحتاج الى مستويات عليا من التلقي. لذلك تقف الدراما - حتى المصرية بكل تاريخها - عاجزة امام عنف الواقع وبأسه، يقول الديك ويضيف:"احياناً أسأل نفسي هل الواقع هو الذي نشاهده على الشاشة في الصور الإخبارية ام ان الواقع هو ما ننقله في أعمالنا الإبداعية؟ بمعنى آخر هل نحن الذين نعيش الحوادث ام هي التي تعيشنا؟". "مبالغة"! "ماذا أفعل أمام الأطفال القتلى أو الفتاة التي تبكي فقدان عائلتها؟ نصدق هذا الذي يطالعنا في الأخبار، ولكن لو نقلت الدراما هذا الواقع المرير سيعتبرها البعض مبالغة". الكلام هنا للمخرجة شيرين عادل التي تقول:"ما يحدث امام أعيننا في الواقع يجعلنا كمبدعين، نشعر بالحرج. لذا فإن أفضل ما يمكننا ان نفعله هو تسجيل هذه اللحظات والتوثيق والدمار الذي يلحق بلبنان. بعدها نفكر كيف نتعامل بعمق مع حجم المأساة، وربما من خلال الأطفال الأبرياء الذين راحوا ضحايا العدوان الإسرائيلي الوحشي، حتى نستطيع التحايل على الرقابة ونرصد المعاني الإنسانية والسياسية العميقة. حقيقة لا أعرف الآن كيف يكون الحل؟". وإذا كان الكتّاب والمخرجون في حيرة من امرهم، والبعض يعلق العجز عن رصد الواقع المأسوي، على"شماعة"الرقابة أو تحت حجة"ان كل شيء اصبح موجوداً في القنوات الإخبارية والناس لا تنقصها الهموم"، لا يمكننا في المقابل ان ننكر اهمية فيلم تلفزيوني/ سينمائي بحجم"باب الشمس"أرخ وبعمق للمأساة الفلسطينية وقد نحتاج اعواماً للتعاطي عبر أعمال مثله مع مآسينا وأزماتنا العربية. وحتى ذلك الحين تظل الدراما المصرية في حال انفصال حاد بين ما يجرى على ارض الواقع، وما يصور للجمهور. فالمسلسلات الآن تفصّل بدقة على مقاس النجوم والنجمات او تدور في فلك شرائح وطبقات اجتماعية لا تمثل سوى نفسها. مثل هذه النوعية من الأعمال تُرصد لها الموازنات الضخمة. وقل مثل هذا عن الرجوع الى الحوادث التاريخية القديمة وپ"المجيدة"بصورة نمطية محزنة، بعيداً من ربط الماضي بما يحدث حالياً. وهذه حال معظم الأعمال التاريخية المصرية، والتي تبدو على عكس الدراما السورية التاريخية التي تغوص في شكل افضل منها في دروس التاريخ. الدراما المصرية في مجملها، وبعيداً من الخوف من الرقيب، تكتفي بمشاكل اصحاب الثروات، أو رغبات النجوم والنجمات بعيداً من الواقع المعاش سياسياً واجتماعياً. فهل تغيرها، ولو الى حدود، هذه الحوادث المفجعة التي تحصل في لبنان؟ هذا ما يأمله، على الأقل، عدد من المبدعين الأكثر حماسة والذين يقولون لك منذ الآن ان حماستهم لن تفتر بعد الآن!